يوجد أشياء تؤثر على الجنين منذ اللحظة الأولى للحمل، حتى من دون أن تشعري بها. لا تقتصر التأثيرات على الغذاء أو الفيتامينات، بل تمتدّ لتشمل العادات اليومية، والحال النفسية، وحتى التعرّض لبعض المواد البيئية. جسمكِ يتحوّل إلى بيئة كاملة يعيش فيها كائن صغير يتأثر بكلّ ما تمرّين به. فما هي ابرز المشاكل التي تواجه الحامل والتي تؤثّر على نموّ الجنين بشكلٍ طبيعيّ؟
في هذا المقال، سنعرّفكِ على ثلاث نقاط رئيسية لا تولينها انتباهًا كافيًا، رغم أنها تؤثّر مباشرة على صحة جنينكِ. سنتناولها بشكل علمي، مبسّط، ومدعوم بأحدث الدراسات الطبية، حتى تحصلي على وعي أعمق ينعكس إيجابًا على تجربة الحمل بأكملها.
1- القلق المزمن والتوتر
في كثيرً من الأحيان، تمرّ المرأة الحامل بفترات من القلق بسبب ضغوط الحياة أو تغيّرات الحمل نفسها. لكن ما لا تعرفينه أن التوتر المزمن لا يؤثر فقط على نفسيتكِ، بل يُحدث تغييرات فسيولوجية تؤثر بشكل مباشر على الجنين.

تشير دراسة نُشرت في مجلة Psychosomatic Medicine إلى أن ارتفاع هرمون الكورتيزول – هرمون التوتر – لدى الأم قد يؤدي إلى تغيّرات في نمو الجهاز العصبي للجنين، ويزيد من خطر ولادة أطفال أكثر عرضة للاضطرابات السلوكية لاحقًا.
كما تبيّن من دراسة أخرى في جامعة Harvard أن النساء الحوامل اللواتي يعانين من توتر دائم يلدنَ أطفالًا بوزن أقلّ من الطبيعي وبمعدل نمو أبطأ، حتى إن كانت تغذيتهن جيدة.
لذلك، من المهمّ أن تركّزي على ممارسة تقنيات الاسترخاء كالتأمّل، والتنفس العميق، والمشي في الطبيعة. فهذه الوسائل البسيطة تُحدث فرقًًا كبيرًا.
1- التعرّض للمواد الكيميائية داخل المنزل
غالبًا ما نستخدم مواد تنظيف معطّرة، أو مبيدات حشرية، أو بخور من دون التفكير بتأثيرها المباشر على الحمل. إلا أنّ الدراسات الحديثة أثبتت أن التعرّض المستمر لبعض المركّبات الكيميائية مثل الفثالات وBPA (الموجودة في البلاستيك والعطور الصناعية) يمكن أن يؤثّر على توازن الهرمونات لدى الجنين.

نشرت Environmental Health Perspectives دراسة ربطت بين تعرّض الحوامل للـBPA ومعدّلات أعلى من اضطرابات السلوك عند الأطفال لاحقًا، خصوصًا في التركيز والانتباه.
كما حذّر الأطباء في American College of Obstetricians and Gynecologists من استخدام العطور الصناعية والمطهّرات القوية خلال الحمل. مشيرين إلى أنها تُحدث تغييرات هرمونية قد تترك أثرًا طويل المدى على الجنين.
لهذا، أنصحكِ باستخدام البدائل الطبيعية، مثل الخل الأبيض وصودا الخبز للتنظيف، وتجنّب تعطير الجو بشكل صناعي، خصوصًا في المساحات المغلقة.
3- الإفراط في استخدام الهواتف والشاشات
الكثير من النساء لا يتوقّعن أنّ استخدام الهاتف المحمول لساعات طويلة قد يؤثّر على نمو الجنين. لكن الأبحاث أظهرت أن التعرّض المستمر للإشعاعات الكهرومغناطيسية الناتجة عن الأجهزة الذكية يمكن أن يغيّر النشاط العصبي للجنين.

وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة Scientific Reports عام 2022، لاحظ الباحثون تغيرات في حركة الجنين عند تعرّض الأم لإشعاعات الهاتف لفترات طويلة. كما ارتبطت بعض الحالات بزيادة خطر اضطرابات النوم عند الطفل لاحقًا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تمضية وقت طويل أمام الشاشة يُقلل من الحركة الجسدية والتفاعل الاجتماعي. ما يؤثر بشكل غير مباشر على مزاج الأم، وبالتالي على الهرمونات المنقولة إلى الجنين.
تجنّبي وضع الهاتف قريبًا من بطنك، وقلّلي من وقت الشاشة قدر الإمكان، وركّزي على ممارسة الأنشطة الواقعية مثل القراءة أو الحياكة أو كتابة المذكرات.
نصيحة إضافية: النوم غير المنتظم
يؤثّر النوم غير الكافي على تجديد الخلايا، استقرار الضغط، وتنظيم الهرمونات، وجميعها عناصر ضرورية لحمل سليم. في دراسة أجرتها National Sleep Foundation، وُجد أن الحوامل اللواتي ينامن أقل من 6 ساعات في اليوم يتعرّضن لمضاعفات في الحمل مثل سكري الحمل وارتفاع ضغط الدم.
احرصي على الحصول على النوم العميق والمنتظم ليلًا، وخذي قيلولة قصيرة في النهار عند الحاجة. فهذا سيساعدكِ جسديًا ونفسيًا، وسيخلق بيئة أفضل لجنينك.
أشياء تؤثر على الجنين قد تكون خفيّة وغير متوقّعة، لكنها تترك أثرًا حقيقيًا في صحّته المستقبلية. فالشعور بالقلق، والتعرّض للمواد الكيميائية، واستخدام الأجهزة الذكية، وحتى نمط نومكِ، جميعها عناصر تحتاج إلى وعي واهتمام. لا تتردّدي في إجراء تعديلات بسيطة على يومكِ لتوفّري بيئة صحية وآمنة لنمو جنينكِ بأفضل شكل ممكن. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ ما يفعله طفلكِ داخل الرحم.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أؤمن أنّ الأم الواعية تصنع الفارق الحقيقي في مستقبل طفلها، لأنّها لا تكتفي فقط بالغذاء والرعاية الطبية. بل تتنبّه أيضًا لأدقّ التفاصيل التي قد تبدو بسيطة لكنها تؤثّر بشكل كبير. ولذلك، أشجّعكِ على الاستماع الدائم لجسدكِ، وملاحظة الإشارات التي يرسلها، ومراقبة تأثير كلّ ما يحيط بكِ على حالكِ النفسية والجسدية. بالإضافة إلى ذلك، أحرصي على البحث المستمر في المصادر العلمية الموثوقة، وابتعدي عن العشوائية في الحصول على المعلومات. فبالمعرفة تبدأ كلّ حماية واعية، وبالاهتمام المتواصل تبنين أساسًا صحيًا لطفل أكثر توازنًا. وهكذا، تنشئين جيلًا أقوى، من رحمٍ يحمل وعيًا حقيقيًا ومسؤولية عاطفية وبدنية صادقة.