لماذا يتغير الشريك بعد الزواج؟ سؤال يُطرح كثيرًا بعد أشهر قليلة من الحياة الزوجية. تلاحظين أن مشاعر الدفء بدأت تبهت، والكلمات الجميلة اختفت تدريجيًا، ليحلّ محلها الصمت أو الشعور بالتوتر والقلق. ما الذي يحدث فعلًا؟ هل كان يخدعك قبل الزواج؟ أم أن الزواج بحدّ ذاته يكشف طباعًا خفية؟ في هذا المقال، نكشف الحقيقة التي لا تُقال دائمًا.
في البداية، سنشرح لكِ الأسباب النفسية والعصبية خلف هذا التغير. ثم ننتقل إلى الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدّي دورًا خفيًا. بعدها نسلّط الضوء على تأثير التوقعات الرومانسية غير الواقعية. وفي الختام، سنقدّم حلولًا مدروسة لتقليل التباعد العاطفي. تابعي القراءة، فالموضوع أعمق ممّا تتصوّرين.
1- التغير النفسي العصبي بعد الزواج
بعد الزواج، تبدأ التفاعلات العصبية في الدماغ بالتغيّر تدريجيًا. خلال فترة الخطوبة، يعمل الدماغ على إفراز كميات كبيرة من الدوبامين، وهو هرمون السعادة. ولكن، وفقًا لدراسة من جامعة ستوني بروك في نيويورك (Acevedo et al., 2012)، فإن هذا الاندفاع العاطفي ينخفض بعد مرور عدة أشهر، ليحل محله شعور أكثر استقرارًا ولكنه أقل حماسة.
أيضًا، مع مرور الوقت، يبدأ الدماغ بالتركيز على جوانب أخرى كالتنظيم، والتخطيط، والمسؤولية، ما يجعل المشاعر تأخذ منحى أكثر عقلانية. لذلك، لماذا يتغير الشريك بعد الزواج؟ الإجابة تكمن أحيانًا في الكيمياء العصبية، وليس في النوايا.
2- الضغوط الاجتماعية والمالية
مع بداية الحياة الزوجية، تتراكم الالتزامات. تبدأ الفواتير بالتكدّس، ويصبح العمل مرهقًا أكثر من ذي قبل. كل هذه العوامل تخلق ضغطًا نفسيًا شديدًا. ووفق دراسة نشرتها الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA, 2020)، فإن الضغوط المالية هي من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى التوتر والتباعد بين الأزواج.
بالإضافة إلى ذلك، تفرض العائلة الممتدة تدخلاتها أحيانًا. فتجدي زوجك يغير رأيه بسرعة، أو يتصرف بطريقة مغايرة عما عرفته. ليس لأنه لم يكن صادقًا، بل لأنه بات يواجه واقعًا جديدًا مع توقعات من المحيط يصعب التوفيق بينها وبين راحته النفسية.
3- التوقعات المثالية مقابل الواقع
من الأسباب الخفية أيضًا، وجود تصوّرات مثالية عن الزواج في أذهان الطرفين. قبل الزواج، تتغذّى العلاقة على وعود وتخيلات. ولكن، مع بداية الحياة اليومية، تنكشف الطباع والعادات الحقيقية.
تؤكّد دراسة نُشرت في مجلة “Journal of Marriage and Family” أن الأزواج الذين يدخلون العلاقة بتوقعات غير واقعية عن الحب والسعادة، يصطدمون بسرعة بخيبة أمل بعد الزواج.
هنا، تلاحظين التغير. يتوقف عن الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة التي كانت تسعدك. يتجنب الأحاديث الطويلة. لماذا يتغير الشريك بعد الزواج؟ لأن الواقع يختلف عن الصورة التي رسمها هو أيضًا في خياله.
4- اختلاف الأساليب في التعبير عن الحب
الرجل لا يتغير فقط، بل يعبّر عن حبه بطريقة مغايرة بعد الزواج. ربما توقف عن قول “أحبك”، لكنه يعبر عنها بتحمّل المسؤولية، أو بالاهتمام العملي بتفاصيل الحياة.
يشير علم النفس العاطفي إلى أن الرجال غالبًا ما يتحوّلون من التعبير بالكلمات إلى التعبير بالأفعال، خاصّةً بعد الزواج. لذلك، قد تشعرين ببرود عاطفي في المشاعر، في حين أنه يرى نفسه أكثر حبًا ووفاءً من قبل.
من المهم هنا أن نفهم اختلاف أساليب الحب. فالتغير أحيانًا لا يعني اختفاء المشاعر، بل اختلاف في شكلها وتعبيرها.
5- الروتين والملل
يُعَدّ الروتين من أكبر أسباب تغيّر السلوك بعد الزواج. الأيام تصبح متشابهة. الواجبات تتكرر. والمفاجآت تقلّ. وبالتالي، تنخفض الحماسة.
أظهرت دراسة من جامعة ميشيغان (2015) أن الملل الزوجي يبدأ بالظهور في السنة الثانية من الزواج، ويزداد إذا لم يتم تجديد العلاقة بمواقف جديدة أو أنشطة مشتركة.
الملل لا يعني انتهاء العلاقة، لكنه مؤشر خطر. إذًا، لماذا يتغير الشريك بعد الزواج؟ لأنه فقد الدهشة، لا الحب. وهنا يأتي دورك ودوره في إعادة الحياة إلى العلاقة.
الخلاصة
لماذا يتغير الشريك بعد الزواج؟ السؤال مؤلم لكنه حقيقي. لا يتعلق الأمر بالخداع أو التمثيل كما يُشاع، بل بتغيرات عصبية، وضغوط حياتية، وتوقعات خيالية غير متوازنة. التعبير عن الحب أيضًا يتبدل، والروتين يزيد الوضع تعقيدًا.
ولكن، الحلول موجودة دائمًا. الحوار المستمر، واحترام المساحات الخاصة، وتجديد العلاقة من حين إلى آخر، هي مفاتيح الحفاظ على زواج ناجح.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أؤمن أن إدراك حقيقة أن الشريك قد يتغير بعد الزواج لا يجب أن يُنظر إليه كتهديد، بل كفرصة ثمينة لفهم أعمق للعلاقة وتطويرها. إن التغيرات التي تطرأ على الشخص بعد الارتباط الرسمي ليست دليلًا على تراجع الحب أو خيانة للمشاعر، بل انعكاس طبيعي لنمو الإنسان وتكيّفه مع المسؤوليات الجديدة والظروف اليومية المتبدلة. لا يمكن أن نطلب من أي طرف أن يبقى ثابتًا في أفكاره وسلوكياته مدى الحياة، فالحياة بحدّ ذاتها تتطلب تطورًا دائمًا. من هنا، يصبح من الضروري أن نتعامل مع هذا التغير بنضج، لا بردود فعل عاطفية حادة. فحين نتسلّح بالتفاهم والتواصل المستمر، ونُظهر تعاطفًا حقيقيًا مع ضغوط الشريك وتحدياته، نستطيع أن نحافظ على جذوة الحب حية، وأن ننتقل بعلاقتنا من مجرد ارتباط عاطفي إلى شراكة ناضجة مبنية على الاحترام المتبادل والدعم النفسي.
