حين ينام طفلك.. هل تستغلين اللحظة لنفسك أم تبدأ “المهام”؟ هذا السؤال يتكرر في ذهن كل أم يوميًا، وتحديدًا بعد ساعات طويلة من الرعاية والانشغال بالرضاعة الطبيعيّة، والتنظيف، والتعامل مع بكاء الطفل وطلباته المتواصلة. بعد أن يُغلق باب الغرفة ويعمّ الصمت، تقفين محتارة: هل أذهب لأرتاح؟ أم أستغل الوقت لإنهاء المهام المتراكمة؟
في هذا المقال، سنسلّط الضوء على هذا التحدي اليومي الذي تعيشه كل أم. سنناقش آثار تجاهل الراحة على صحتك النفسية والجسدية، وسندعم ذلك بنتائج علمية موثوقة. كما سنقدّم لكِ خطة بسيطة ومتوازنة تساعدك على اختيار ما هو أفضل لكِ ولطفلك في آنٍ واحد.
أهمية الراحة الجسدية والنفسية للأم
حين ينام طفلك.. هل تستغلين اللحظة لنفسك أم تبدأ “المهام”؟ تُظهر الأبحاث النفسية أن تجاهل الأم لحاجتها في الراحة يُعرّضها للإجهاد العقلي والاكتئاب الحاد. وجدت دراسة نُشرت في Journal of Affective Disorders سنة 2020 أن الأمهات اللواتي لا يحصلن على فترات راحة منتظمة، يعانين من اضطرابات النوم، وقلة التركيز، وتقلبات المزاج.

أنتِ لستِ آلة. كل جهاز بحاجة إلى إيقاف مؤقت ليعمل بكفاءة. جسمك يحتاج إلى استرخاء لاستعادة الطاقة، ودماغك بحاجة إلى هدوء لمعالجة الضغوط اليومية. حين تأخذين وقتًا قصيرًا لنفسك، حتى لو عشرين دقيقة فقط، يتحسّن مزاجك، وتزيد قدرتك على مواجهة التحديات بمرونة.
المهام لا تنتهي، لكن طاقتك تنفد
تنظيم الأولويات يمنحكِ توازنًا أفضل.
حين تضعين قائمة المهام في رأسك وتبدئين مباشرة بعد نوم الطفل، فأنتِ تضعين نفسكِ في دوامة لا تنتهي. من تنظيف المطبخ، إلى طيّ الملابس، وترتيب الألعاب.. كل ذلك يستهلك طاقتك، من دون أن تشعري بأنكِ أنجزت ما هو فعلًا مهم.
يؤكّد العلم أن الإنجاز لا يعني الكثرة، بل يعني الجودة. وفقًا لتقرير نُشر في Harvard Business Review، فإن الأشخاص الذين ينظّمون أولوياتهم وفق قاعدة “الأهم أولًا”، يشعرون بإنتاجية أعلى وراحة نفسية أكثر مقارنةً بمن يحاولون إنجاز كل شيء دفعة واحدة.
الحل؟ اكتبي لائحة يومية صغيرة بثلاث مهام أساسية فقط. اختاري الوقت المناسب لتنفيذها، واجعلي من وقت نوم الطفل مساحة مرنة بين المهام والراحة. تذكّري، الطمأنينة التي تشعرين بها في دقائق الراحة تُنعكس على تواصلكِ مع طفلك.
مفهوم العناية الذاتية لا يعني الأنانية
عندما تهتمين بنفسك، تَسهل عليكِ تربية طفلكِ بحب.

حين ينام طفلك.. هل تستغلين اللحظة لنفسك أم تبدأ “المهام”؟ اختاري الإجابة التي تعيدكِ إلى ذاتك. خصّصي وقتًا لما تحبّين: قراءة، تمارين تنفّس، وقهوة دافئة، أو حتى جلسة صمت على الشرفة.
يشير علم النفس الإيجابي إلى أن الأمهات اللواتي يمارسن العناية الذاتية يشعرن بارتباط أقوى بأطفالهن. أكدت دراسة في Frontiers in Psychology (2022) أن الراحة النفسية للأم تعزز النمو العاطفي للطفل، وتقلل من توتره وسلوكه العدواني.
ليس عليكِ الذهاب إلى منتجع صحي لتدلّلي نفسك. يكفي أن تُغلقي الهاتف، وتتوقفي عن التفكير في الغد، وتستمتعي بوقتك القصير كما لو كان هدية ثمينة.
العواقب الصحية لتجاهل الراحة
حين تُهملين نفسك، يدفع جسمك الثمن.
التعب المزمن، وضعف المناعة، واضطرابات الهرمونات، جميعها نتائج مباشرة لعدم منح نفسكِ فرصة للتجديد. تشير الدراسات الطبية إلى أن الأمهات اللواتي يواصلن العمل المنزلي من دون توقف يعانين من التهابات مزمنة، وألم في العضلات، وصداع متكرر.
أوضحت دراسة أجريت في National Institute for Occupational Safety and Health أنّ الحصول على ساعات الراحة القصيرة خلال اليوم يحسّن الأداء العام ويقلل من الإصابات المرتبطة بالإجهاد العضلي. لذا، حين ينام طفلك، لا تعتبري الراحة خيارًا إضافيًا بل ضرورة صحية.
خطوات عملية لخلق توازن صحي
خطوات صغيرة تؤدي إلى نتائج عظيمة.

- ضعي روتينًا ثابتًا لنوم الطفل: كلما كان وقت نومه منظمًا، كلما عرفتِ متى تبدأين لحظتك الخاصة.
- حدّدي وقتًا للراحة لا يتغيّر: اجعلي عشرين دقيقة يوميًا مقدّسة، لا تُستبدل بأي مهمة.
- اطلبي المساعدة عند الحاجة: الشريك، والعائلة، أو حتى خدمات المربية المؤقتة.
- أعيدي تعريف مفهوم الإنجاز: الإنجاز ليس إنهاء كل شيء، بل الحفاظ على نفسكِ سليمة ومتزنة.
- مارسي نشاطًا تحبّينه دون ذنب: شاهدي فيلمًا، واكتبي، ورتّبي صورك.. افعلي ما يشعركِ بالهدوء.
حين ينام طفلك.. هل تستغلين اللحظة لنفسك أم تبدأ “المهام”؟ ليس عليكِ الاختيار بين أحدهما دائمًا. السرّ في التوازن. لا تهملي المهام، لكن لا تنسي نفسكِ أيضًا. الراحة ليست ضعفًا، بل قوة تمنحك القدرة على الاستمرار، وعلى أن تكوني الأم التي تريدينها لطفلك. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ كيف تؤثر حالتك النفسية على مزاج وسلوك طفلك؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن كل لحظة يغفو فيها الطفل هي فرصة ذهبية للأم كي تعيد شحن طاقتها، لا لتدخل في دوامة جديدة من المهام. حين تهتمّين بنفسك، ينعكس ذلك على بيتك، على علاقتكِ بطفلكِ، وعلى صحتكِ النفسية والجسدية. لا تؤجلي راحتك، ولا تشعري بالذنب لأنكِ اخترتِ الجلوس عشر دقائق بهدوء. فالأم الذكية هي التي تعرف متى تتحرّك، ومتى تتوقّف.