ابدئي بالسؤال الجوهري: كيف توازنين بين حبك لأطفالك وحاجتك لمساحة خاصة؟ تواجهه غالبية الأمهات، خوض هذا التحدّي العاطفي والنفسي خاصة في السنوات الأولى من الأمومة. فبين شعور الحنان الذي لا ينضب والاحساس بالرغبة في الحفاظ على الذات، قد تشعرين أحيانًا بالتشتّت أو الذنب أو حتى التعب والإرهاق.
سنكشف لكِ في هذا المقال استراتيجيات فعّالة تُساعدك على بناء توازن صحي بين دوركِ كأم واحتياجاتكِ الفردية. سنستعرض طرقًا ذكية لتنظيم يومكِ بمرونة، ونقترح ممارسة خطوات عملية لتعزيز استقلال طفلكِ تدريجيًا. كما سنتحدث عن أهمية تخصيص لحظات يومية تعيد لكِ طاقتك، والاستفادة من مصادر الدعم المحيطة بكِ، إلى جانب تسليط الضوء على ضرورة التعبير عن مشاعركِ بوعي وصدق.
حدّدي وقتكِ بدقة ولا تفرّطي فيه
ابدئي بتنظيم جدولكِ اليومي. كيف توازنين بين حبك لأطفالك وحاجتك لمساحة خاصة؟ يبدأ من قدرتك على احترام وقتك كما تحترمين وقت أطفالك. خصّصي ساعة محددة للحصول على الراحة أو لممارسة نشاط تحبينه يوميًا، مهما كانت مشاغلك.

أظهرت دراسة في Journal of Family Psychology أن الأمهات اللواتي يخصصن وقتًا يوميًا للرعاية الذاتية يتمتعن بصحة نفسيّة أفضل بنسبة 42% من غيرهن. لا يُقلّل التنظيم من دورك كأم، بل يعزّزه ويجعل حضورك مع أطفالك أكثر تركيزًا وعطاءً.
علّمي أطفالكِ الاستقلالية منذ الصغر
درّبي أطفالك على القيام ببعض المهام البسيطة بمفردهم. كأن يرتّبوا ألعابهم، أو ارتداء ملابسهم بأنفسهم، أو يشاركوا في تجهيز وجبات خفيفة. هذا التدريب لا تضاعف قدراتهم العقلية فقط، بل يمنحك القدرة على تمضية بعض الدقائق الثمينة لنفسك.
تشير الأبحاث المنشورة في Child Development Research إلى أن تعزيز الاستقلالية في عمر مبكر يُخفف من التعلّق الزائد بالأم، ويزيد من الشعور بالأمان الداخلي لدى الطفل. بالتالي، تزداد فرصكِ في الاستفادة من وقت خاص بكِ من دون الشعور بالتقصير.
نظّمي وقتكِ بذكاء
ابدئي بترتيب أولوياتك. حدّدي ما هو ضروري، وما يمكن تأجيله، وما يمكن مشاركته مع غيرك. خصّصي وقتًا يوميًا لممارسة نشاط شخصي بسيط: احتساء كوب قهوة بهدوء، أو الذهاب في نزهة قصيرة، أو حتى تخصيص 15 دقيقة للقراءة.

لا تنتظري أن “يتوفّر الوقت”، بل اصنعيه بنفسك. فحين نحترم وقتنا، نعلّم من حولنا أن يحترموه أيضًا. وقد أثبتت دراسات عديدة أن الأمهات اللواتي يحددن لحظات للراحة يعانين من الشعور بالضغط النفسي المزمن بشكل أقلّ.
ثبّتي روتينًا يوميًا مرنًا
ابني روتينًا يساعد طفلك على توقّع ما سيحدث خلال اليوم. خصّصي وقتًا للخلود إلى النوم، وتناول الطعام، أو للعب، وممارسة للأنشطة العائلية. حين يعرف الطفل نظام يومه، يقلّ طلبه المفاجئ لاهتمامك طوال الوقت.
يساعد اتباع الروتين على تقليل شعور التوتّر عند الجميع، ويمنحك مساحة صغيرة تتنفّسين فيها خلال اليوم. اجعلي اعتماد هذا النظام بسيطًا، ومرنًا، وممتعًا.
خصّصي وقتًا ثابتًا لذاتكِ من دون الشعور بالذنب
افعلي شيئًا تحبينه كل يوم. لا تؤجّلي شعور الراحة إلى وقت لاحق، ولا تربطيه بتحقيق إنجازات المنزل أو مراقبة سلوك الطفل. استمتعي بامضاء وقتك الخاص كما تستمتعين برؤية أطفالك سعداء.

أظهرت النتائج في دراسة نُشرت في Journal of Women’s Health، أن الأمهات اللواتي يلتزمن بوقت منتظم للرعاية الذاتية، يشعرن بسعادة واستقرار نفسي أعلى بنسبة 38%. فحين تملئين نفسكِ بشعور الراحة، ينعكس ذلك على أسلوبك في التربية.
استعيني بمن حولكِ ولا تحاولي أن تفعلي كل شيء بمفردك
شاركي المهام اليومية مع شريككِ أو أحد أفراد العائلة. لا تترددي في طلب المساعدة، سواء في مجالسة الطفل، أو تحضير الوجبات، أو تنظيف المنزل. هذه المشاركات ليست دليل ضعف، بل دليل وعي.
اختاري يومًا في الأسبوع لتستعيدي فيه طاقتك، حتى ولو خرجتِ وحدك لمدة ساعة. الأهم أن تشعري أنكِ لستِ وحدك، وأن هناك من يساندك ويخفف عنكِ شعور الحمل.
عبّري عن مشاعركِ وتحدّثي بصدق
تحدّثي عن احتياجاتكِ مع من حولكِ. لا تكبتي مشاعركِ أو تؤجّلي التعبير عنها. قولي بوضوح إنكِ بحاجة إلى تمضية وقت خاص، وإنكِ تشعرين بالتعب أحيانًا. تفتح المشاركة الصادقة قنوات التفاهم وتبني الاحترام المتبادل.
أظهرت الأبحاث النفسية أن الأمهات اللواتي يُعبّرن عن مشاعرهنّ بانتظام، يتمتعن بعلاقات أسرية أكثر استقرارًا وأقلّ توترًا. لذلك، لا تترددي في الحديث، فالكلمات الصادقة تُحرّر النفس وتُعيد التوازن للعلاقة مع الذات ومع من نحب.
تذكّري دائمًا أن السؤال كيف توازنين بين حبك لأطفالك وحاجتك لمساحة خاصة؟ لا يُجاب عليه بجملة واحدة، بل يُترجم من خلال ممارسة عاداتكِ اليومية. كوني صادقة مع نفسكِ، وامنحي نفسك ما تستحق، وكوني أمًّا تُحب، ولا تُهمل، لكن لا تُلغي ذاتها في طريق العطاء. أخيرًا نشير إلى أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن كيفية استرجاع الذات وسط مسؤوليات الأمومة.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن تحقيق التوازن في الأمومة ليس ترفًا ولا حلمًا مثاليًا، بل ضرورة نفسيّة تحميكِ من الاستنزاف. لا يكتمل شعور العطاء إلا من قلب مليء، والجسد لا يواصل إلا حين يرتاح. كل لحظة تخصصينها لنفسكِ هي استثمار في استمرار عافيتك وفي استقرار عائلتك. لا تعتذري عن حاجتكِ للهدوء، ولا تخجلي من التعبير عن رغبتكِ في الانفراد. الأمومة تبدأ بحب الذات، وتزهر عندما تتصالحين مع احتياجاتكِ الحقيقية.