متى يصبح بكاء الطفل رسالة يجب أن تستمعي لها بعمق؟ سؤال يجب أن تتوقفي عنده في كل مرة تسمعين فيها صوت صغيركِ يرتفع بالبكاء. هذا الصوت لا يصدر عبثًا، بل يحمل في طيّاته إشارات كثيرة، منها ما هو بسيط وعابر، ومنها ما هو خطير ويستدعي التدخل الفوري. فالبكاء وسيلة الطفل الأساسية للتواصل، لأنه لا يملك بعد الكلمات. لذلك، عليكِ أن تميّزي متى يكون البكاء عاديًا ومتى يكون صرخة استغاثة.
في هذا المقال، سنتناول في البداية كيف يفكّر العلماء في معنى البكاء، ثم ننتقل إلى أنواع البكاء الطبيعي. بعد ذلك، نستعرض العلامات التي تشير إلى وجود خلل يستوجب الاستماع بعمق. وأخيرًا، سنعرض لكِ كيف تستجيبين بشكل صحيح لهذا البكاء.
1- البكاء بلغة العلم: ما الذي يحدث في جسم الطفل؟
من الضروري أن تعرفي أولًا كيف يفسّر العلم بكاء الطفل. البكاء ليس فقط صوتًا. بل هو نتيجة لتفاعل عصبي بيولوجي مع محيط الطفل. بحسب دراسة نُشرت في مجلة Pediatrics، فإن بكاء الطفل يُنشّط الجهاز العصبي المركزي ويؤثر على معدل ضربات القلب ودرجة الحرارة وحتى مستوى الأوكسجين في الدم (Barr et al., 2017).

يُعَدّ البكاء من أوائل الأدوات التي يستخدمها الرضيع ليطلب شيئًا. فالجوع، والتعب، والبلل، والبرد، وحتى الحنين لحضن أمه، جميعها محفّزات تطلق هذا البكاء. لكن، في حالات معينة، قد يكون البكاء تعبيرًا عن ألم خفي أو توتر نفسي أو حتى إشارة إلى مشكلة طبية
2- البكاء الطبيعي: متى يكون عاديًا لا يقلق؟
من الطبيعي أن يبكي الطفل عدة مرات يوميًا، خاصّةً خلال الأشهر الثلاثة الأولى. في الواقع، قد يصل مجموع البكاء اليومي إلى ثلاث ساعات. هذا البكاء غالبًا ما يكون:
- بسبب الجوع.
- بسبب الحاجة لتغيير الحفاض.
- بسبب الشعور بالتعب أو الرغبة في النوم.
- بسبب الشعور بالبرد أو الحرارة.
هذه الأسباب شائعة، ولا تستدعي القلق. لكن من المهم أن تراقبي نمط البكاء، فحدّته وتوقيته ومدّته قد تحمل دلالات إضافية.
3- متى يصبح بكاء الطفل رسالة يجب أن تستمعي لها بعمق؟
هنا نصل إلى النقطة المحورية: متى يصبح بكاء الطفل رسالة يجب أن تستمعي لها بعمق؟ يكمن الجواب في رصد التغيّرات غير المعتادة. مثلًا:

- إذا استمر البكاء لأكثر من ثلاث ساعات متواصلة، من دون سبب واضح.
- إذا صاحبه تقيّؤ، أو إسهال، أو ارتفاع في الحرارة.
- إذا بدا البكاء حادًا بشكل غير مألوف أو متقطّع بطريقة توحي بشعور الألم.
- إذا لاحظتِ أن الطفل لا يهدأ حتى بعد الرضاعة أو الحمل.
- إذا لاحظتِ خمولًا أو غيابًا عن الاستجابة بعد البكاء.
بحسب الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP)، هذه الحالات تستوجب مراجعة الطبيب فورًا لأنها قد تشير إلى التهاب أذن، أو مشاكل في الجهاز الهضمي، أو انسداد، أو حتّى خلل عصبي (AAP, 2021).
4- البكاء كمؤشر عاطفي ونفسي: رسائل غير مرئية
ليس فقط المرض ما قد يفسّر البكاء المستمر. بل أحيانًا يكون البكاء ترجمة لحال نفسية. في حالات نادرة، قد يُعبّر البكاء المفرط عن اضطرابات في التفاعل العاطفي أو التواصل، مثل التوحد أو اضطراب فرط الحركة.
أيضًا، قد يكون البكاء الطويل والمستمر لدى طفل لم يتجاوز عامه الأول، نتيجة التوتر داخل المنزل. تشير الدراسات إلى أن الأطفال يستشعرون انفعالات الأم. فإذا كنتِ متوترة أو حزينة، قد ينعكس ذلك مباشرة على طفلكِ من خلال بكائه (Field, T. 2010).
كيف تستجيبين للبكاء: ما يجب فعله وما يجب تجنّبه؟
تبدأ الاستجابة الفعالة لبكاء الطفل أولًا بالهدوء. لا تخافي. خذي نفسًا عميقًا، واقتربي من الطفل. افحصي الأمور الأساسية:

- هل الحفاض نظيف؟
- هل حان وقت الرضاعة؟
- هل يشعر بالبرد أو الحر؟
إذا كانت كل الأمور على ما يرام، فاحمليه بين ذراعيكِ. أحيانًا يحتاج الطفل فقط لحنانكِ. لا تعتمدي على تركه يبكي طويلًا “ليتعوّد”، لأن هذا الأسلوب قد يُضعف الرابط العاطفي بينكِ وبينه. ووفقًا لدراسة في Harvard University Center on the Developing Child، فإن الاستجابة المتكررة لبكاء الطفل تعزّز بناء الدماغ العاطفي وتقوّي التوازن النفسي لاحقًا في الطفولة.
الخلاصة
في النهاية، لا يمكن التعامل مع بكاء الطفل كأمر عابر في كل الأوقات. لأن متى يصبح بكاء الطفل رسالة يجب أن تستمعي لها بعمق؟ سؤال يفرض نفسه بقوة في حياة كل أم. أحيانًا يكون الجواب واضحًا، وأحيانًا يحتاج إلى تركيز عميق وملاحظة ذكية. لا تتجاهلي هذا الصوت، بل افهميه، استمعي له، واقرئي ما خلفه من إشارات. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ كيف تدمّر اللهاية صحة طفلك بصمت؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن بكاء الطفل ليس فقط مجرّد رد فعل، بل هو تعبير عاطفي يحمل مشاعر متراكمة. كل دمعة تخرج من عينه هي رسالة موجّهة لكِ وحدكِ. تجاهل البكاء في بعض الأوقات قد يترك أثرًا نفسيًا طويل المدى، بينما الإنصات إليه بحنان وذكاء قد يصنع فارقًا هائلًا في تطور شخصيته. لذلك، أنصح كل أم أن تسأل نفسها دومًا: متى يصبح بكاء الطفل رسالة يجب أن تستمعي لها بعمق؟ وتبني تعاملها اليومي مع صغيرها على هذا السؤال، لأنه المفتاح الحقيقي لعلاقة صحّية وسليمة.