هو لا يخون.. لكنه غائب تمامًا، قد تكون هذه الجملة الموجزة كافية لوصف آلاف النساء اللواتي يعشنَ علاقات زوجيّة قائمة ظاهريًا، لكن تفتقد إلى الروح والمشاعر. قد لا توجد خيانة جسدية، لكن الغياب العاطفي أقسى من الخيانة أحيانًا. هو لا يشارككِ أفكاركِ، ولا يسألكِ عن يومكِ، ولا يهتم للتقلّبات النفسيّة التي تواجهكِ، وكأنه يعيش في عالمٍ موازٍ.
في هذا المقال، سنتناول بالتفصيل معنى الغياب العاطفي، وما الفرق بينه وبين الانفصال العاطفي. ثم نتطرّق إلى الأسباب العلمية لهذه الظاهرة، وتأثيرها النفسي والاجتماعي. قبل أن نعرض استراتيجيات مقترحة من مختصّين نفسيين تساعدكِ في التعامل مع هذا النوع من العلاقات الصامتة.
ما هو الغياب العاطفي؟ وهل هو نوع من الخيانة؟
في البداية، يجب التمييز بين الخيانة والغياب العاطفي. هو لا يخون.. لكنه غائب تمامًا عن تفاصيلكِ اليومية، وعن قلقكِ، وعن فرحكِ، وحتى عن ألمكِ. هو لا يشارككِ اللحظات ولا يعبّر عن الحبّ، ولا يُبدي اهتمامًا بحاجتكِ للدعم أو للكلمة الطيبة.

بحسب الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA)، الغياب العاطفي هو شكل من أشكال الإهمال، يحدث عندما لا يلبي الشريك حاجات شريكه العاطفية لفترة طويلة. وهذه الحال تؤدّي إلى شعور دائم بالوحدة داخل العلاقة.
واللافت أنّ دراسات نفسية عديدة، مثل دراسة “Weiss, 1973” عن الوحدة الزوجية، أظهرت أن الشعور بالوحدة وسط علاقة زوجية مستمرة أشد وقعًا على النفس من العيش بمفردكِ.
ما أسباب الغياب العاطفي في العلاقات؟
تتعدّد الأسباب وتختلف من شخصٍ لآخر، لكن هناك عوامل نفسية واجتماعية مشتركة تفسّر هذا السلوك.
١. التعلّق التجنّبي في الطفولة
يشير باحثون في نظرية التعلّق (Attachment Theory) إلى أن الأشخاص الذين نشأوا في بيئة تفتقر إلى الاحتضان العاطفي قد يطوّرون نمط “التعلّق التجنّبي”. ما يجعلهم يتهرّبون من التعبير عن مشاعرهم في العلاقات المستقبلية.
٢. ضغوط الحياة المستمرّة
إنّ كثرة الضغوط المالية أو المهنية قد تجعل الرجل ينسحب عاطفيًا، فيصبح تركيزه الأكبر على العمل وتوفير المال. بينما يهمّش العلاقة تدريجيًا من دون وعي.
٣. ضعف المهارات التواصلية
لا يتقي بعض الرجال التعبير عن مشاعرهم، ليس بسبب عدم الحب، بل لعدم تعوّدهم على التعبير أو خوفهم من الضعف العاطفي. وهذا يؤكد ما توصلت إليه دراسة في “Journal of Social and Personal Relationships” (2019) بأن ضعف التعبير العاطفي أحد أبرز أسباب الانفصال العاطفي بين الأزواج.
تأثير الغياب العاطفي على المرأة والعلاقة
١. الشعور بالوحدة
تشير دراسات متعددة، منها دراسة نشرت في “Psychology Today“، إلى أن النساء اللواتي يعانين من غياب الشريك عاطفيًا أكثر عرضة للمعاناة من الاكتئاب والشعور بانعدام القيمة.

٢. تراجع الثقة بالنفس
عندما لا تتلقين الاهتمام أو التقدير، تبدأين بالتشكيك في نفسكِ. هل المشكلة فيكِ؟ أم توقّف عن حبّكِ؟ هذه الأسئلة تؤدي إلى تآكل الثقة بالنفس، وقد تضرّ بصورتكِ الذاتية على المدى الطويل.
٣. برود العلاقة الحميمة
العلاقة العاطفية تغذي العلاقة الجسدية، فحين تختفي المشاعر، تختفي الرغبة. ويتحوّل التواصل الجسدي إلى مجرّد روتين خالٍ من المعنى، وقد يؤدّي لاحقًا إلى انقطاع كامل.
كيف تتعاملين مع الغياب العاطفي؟
١. حدّدي مشاعرك بوضوح
ابدئي أولًا بفهم مشاعرك. اكتبي ما تشعرين به في مفكّرتكِ. هل هو حزن؟ وحدة؟ أو غضب؟ أم فوضى؟ فتحديد المشاعر بدّقة هي أول خطوة نحو مواجهتها.

٢. تواصلي مع شريككِ بصدق
اختاري وقتًا هادئًا، وتحدّثي معه بهدوء وبدون لوم. قولي له مثلًا: “أنا أفتقد وجودك في حياتي، وأحتاجك بقربي، وأحتاج لحوار حقيقي”. هذه الطريقة تفتح مجالًا للنقاش بدون أن يشعر بأنه مُتّهم.
٣. اقترحي حلولًا واقعية
يمكن أن تبدئي باقتراح تخصيص وقت أسبوعي للحديث، أو الذهاب في نزهة بلا هواتف، أو حتى تجربة الاستشارة الزوجية. هذه الحلول قد تساعد في كسر الجدار بينكما.
٤. لا تُهملي نفسكِ
ركّزي على ذاتكِ. مارسي نشاطات تحبينها، والتقي بصديقاتكِ، وطوّري مهاراتكِ، وحافظي على صحتك النفسية. فحب الذات هو الأساس في كل علاقة ناجحة.
متى تنتهي العلاقة؟ وهل يجب عليكِ الانفصال؟
هنا تكمن المعضلة الكبرى. هل تبقين في علاقة بلا روح؟ أم ترحلين لتبحثي عن وجود حقيقي؟ هذا القرار شخصي، لكن وفقًا لعلم النفس الإكلينيكي، إن استمرّ الغياب العاطفي سنوات طويلة رغم المحاولات، تصبح العلاقة مضرّة نفسيًا.
لكن، في حال أظهر الشريك تجاوبًا، ورغبة في الإصلاح، فهناك أمل لإحياء العلاقة. المهم هو وجود الإرادة من الطرفين.
هو لا يخون.. لكنه غائب تمامًا، جملة تلخّص ألمًا لا يُرَى. الألم الخفي الذي يرافق المرأة يومًا بعد يوم، في صمت مطبق. هذا الغياب لا يقلّ وجعًا عن الخيانة، بل أحيانًا يترك جرحًا أعمق، لأنه مستمر، وغير واضح النهاية.
لكن هناك دائمًا طريق. الفهم، والتواصل، والاعتناء بالنفس، كلها أدوات تمنحكِ وضوحًا لتتّخذي القرار المناسب لكِ. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن 5 عادات يومية تصنع فرقًا هائلًا في الزواج.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الغياب العاطفي ليس قدَرًا محتومًا. كثير من العلاقات يمكن إنقاذها إذا توافرت النية والرغبة والصدق في التواصل. لكن إن كان الشريك مصرًّا على الصمت، ومتمسّكًا بغربته العاطفية، أؤمن بأنكِ تستحقين علاقة يكون فيها الشريك حاضرًا بكل تفاصيلكِ، لا مجرد ظلّ يتنقّل في البيت.