تُعَدّ الصحة النفسية للأم من أهم العوامل التي تحدّد جودة حياتها اليوميّة. فحين تهتمّ الأم بنفسها، تنعكس الراحة النفسية على أطفالها، شريك حياتها، وحتى على محيطها الاجتماعي. لكن وسط مواجهة ضغوط الحياة ومسؤوليات المنزل والعمل، قد تجد الأم نفسها تُهمل احتياجاتها النفسية. مما يؤدي إلى تراكم التوتر والمشاعر السلبية.
سوف نقدّم لكِ في هذا المقال خطة متكاملة. أوّلًا، سنشرح أبرز التحديات التي تواجه الصحة النفسية للأم. بعد ذلك، سنعرض نصائح علمية مدروسة للرعاية الذاتية اليومية. ثمّ، سنكشف عن أنشطة وتقنيات مجرّبة تُساعد على تعزيز الراحة النفسية. بالإضافة إلى ذلك، سنوضّح أهمية الدعم المجتمعي في الحفاظ على صحة الأم النفسية. وأخيرًا، سنعتمد في كل ذلك على أبحاث علمية موثوقة تدعم هذه التوصيات.
تحديات كثيرة تهدّد الصحة النفسية
تمرّ الأم يوميًا بمواقف كثيرة. في البداية، تُؤثّر هذه المواقف بشكل مباشر في حالها النفسية. لذلك، من المهم أوّلًا أن نعي هذه التحديات بوضوح. بعد ذلك، نستطيع أن نواجهها بوعي كامل ونُخفّف من آثارها تدريجيًا.

- قلة النوم: تُظهر الدراسات أنّ قلة النوم ترتبط بارتفاع معدلات القلق والاكتئاب الحاد لدى الأمهات (Okun et al., 2011).
- التعب المستمر: تواجه الأم إرهاقًا جسديًا متواصلًا. ثم، ينعكس هذا الإرهاق بشكل مباشر على حالها النفسية.
- ضغوط التوفيق بين الأدوار: تظهر يوميًا في حياة الأم. فهي تشعر أحيانًا أنّها مطالبة بأن تكون “مثالية” في كل دور. فهي زوجة، وأم، وموظفة، وابنة. وهكذا، تتراكم التوقعات من كل جانب. في النهاية، يخلق هذا الشعور ضغطًا داخليًا كبيرًا، ويزيد مع مرور الوقت. لهذا السبب، تحتاج الأم إلى وعي مستمر بهذه الضغوط كي تتعامل معها بذكاء.
- نقص الدعم الاجتماعي: أوّلًا، حين تغيب شبكة داعمة من العائلة أو الأصدقاء، تشعر الأم بالوحدة. بعدها، تتفاقم مشاعر العزلة النفسية يومًا بعد يوم. وهكذا، تجد الأم نفسها أكثر عرضة للتوتر والقلق المستمر.
إدراك هذه العوامل هو الخطوة الأولى نحو تحسين الصحة النفسية للأم.
خطوات علمية بسيطة لرعاية النفس
لحسن الحظ، توفّر الأبحاث العلمية أدوات عملية تساعد الأمهات على العناية بأنفسهن وسط المسؤوليات الكثيرة.

- تخصيص وقت يومي للراحة: حتى 10-15 دقيقة يوميًا من الراحة الواعية تُحدث فرقًا. أظهرت دراسة في Frontiers in Psychology (2020) أنّ فترات الاسترخاء القصيرة تخفف القلق وتحسّن المزاج العام.
- ممارسة النشاط البدني: إنّ ممارسة التمارين الرياضية تُطلق الإندورفينات (هرمونات السعادة). وجدت مراجعة في American Journal of Preventive Medicine (2018) أنّ المشي السريع 30 دقيقة يوميًا يخفف من عوارض الاكتئاب بنسبة تصل إلى 47%.
- الاهتمام بالتغذية: يُؤثّر الغذاء المتوازن مباشرةً في الصحة النفسية للأم. بعد ذلك، يُؤدّي نقص بعض العناصر مثل أوميغا-3، وفيتامين د، والمغنيسيوم إلى زيادة القلق والاكتئاب بشكل ملحوظ (Grosso et al., 2014). لذلك، احرصي دائمًا على تنويع طعامكِ واختيار أغذية غنيّة بهذه العناصر الأساسية.
حين تدرجين هذه العادات في يومكِ، ستشعرين بتحسن واضح في الصحة النفسية للأم.
أنشطة وتقنيات يومية فعّالة
إضافةً إلى الخطوات الأساسية، هناك تقنيات وأنشطة بسيطة يمكنكِ اعتمادها بسهولة.
- تمارين التنفس العميق: يمكنكِ ممارستها في أي وقت. بعد ذلك، تنفّسي بعمق وانتظام. فورًا، يهدئ هذا التنفس الجهاز العصبي ويخفض مستويات التوتر بشكل ملحوظ.
- الكتابة اليومية: أوّلًا، دوّني مشاعركِ وأفكاركِ بانتظام. بعد ذلك، لاحظي كيف يساعدكِ هذا التمرين على معالجتها بوعي. لذلك، خصّصي فقط 5 دقائق يوميًا لكتابة ما تشعرين به. هكذا، تمنحين نفسكِ مساحة آمنة للتعبير عن ذاتكِ.
- ممارسة الامتنان: يوميًا، اكتبي 3 أشياء تشعرين بالامتنان لوجودها في حياتك. بعد ذلك، لاحظي كيف يتغيّر شعورك تدريجيًا. بالفعل، أثبتت دراسات عديدة أنّ ممارسة الامتنان تُعزّز الشعور بالسعادة والرضا بشكل واضح ومستمر.
باستخدام هذه التقنيات، ستقوّين تدريجيًا الصحة النفسية للأم وتواجهين التحدّيات بثقة أكبر.
أهمية الدعم الاجتماعي
لا يمكن الحديث عن الصحة النفسية للأم من دون تسليط الضوء على دور الدعم المجتمعي.

- طلب الدعم ليس ضعفًا: على العكس، هو علامة على الذكاء العاطفي. وجود شخص تستطعين التحدث إليه بحرية يقلل من مشاعر العزلة.
- المشاركة في مجموعات الدعم: الانخراط في مجموعات أمهات يوفّر منصة لتبادل التجارب والنصائح. تشير دراسة في Maternal and Child Health Journal (2017) إلى أن الأمهات اللواتي يشاركن في مجموعات الدعم يعانين من معدلات أقل من الاكتئاب.
- الحديث مع مختص نفسي: لا تتردّدي في طلب المساعدة المهنية عند الحاجة. التدخل المبكر يقلل من تفاقم العوارض ويحسّن جودة الحياة.
حين تحيطين نفسكِ بشبكة دعم قوية، تصبح الصحة النفسية للأم أكثر صلابة واستقرارًا.
الخلاصة
لقد رأينا اليوم كيف تؤثر المسؤوليات اليومية والتحديات على الصحة النفسية للأم، وتعرفنا إلى خطوات علمية وعملية لتحسينها.
بكلمات بسيطة: لا تهملي نفسكِ. أنتِ حجر الأساس في عائلتكِ. حين تهتمين بنفسكِ، تمنحين أبناءكِ وأسرتكِ أفضل نسخة منكِ. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ متى تكون مشاعر الذنب جزءًا من تجربة الأمومة؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أؤمن بكل عمق أنّ كل أم في هذا العالم تستحق أن تمنح نفسها مساحة خاصة ومقدّسة لرعاية ذاتها نفسيًا، من دون شعور بالذنب أو التقصير تجاه من حولها. فكم من أم تهمل احتياجاتها النفسية تحت وطأة الشعور بالمسؤولية المطلقة؟ والحقيقة أنّ الصحة النفسية للأم ليست ترفًا ولا رفاهية ثانوية، بل هي حق إنساني أساسي يمكّنها من أداء أدوارها المتعددة بكفاءة وحبّ. أنصحكِ بكل محبة: لا تنتظري أن تهدأ العواصف أو أن تتراكم الضغوط لتفكّري في نفسكِ. ابدئي اليوم، ولو بخطوات صغيرة بسيطة كتنظيم وقت للراحة أو التمارين أو حتى الحديث مع صديقة. لا تستهيني بأثر هذه الخطوات المتكرّرة؛ فمع مرور الوقت سترين كيف تتغيّر حالتكِ النفسية نحو الأفضل، وينعكس هذا التحوّل إيجابًا على كل من حولكِ. تذكّري دائمًا: لا يمكن أن تُعطي من كوب فارغ، لذا املئي روحكِ أوّلًا بالحبّ والرعاية.