مين استخدمت علاج نفسي وهي حامل تسأل نفسها دائمًا: هل هذا القرار آمن؟ وهل يمكن أن يؤثّر على الجنين؟. هذا السؤال بات شائعًا جدًا في السنوات الأخيرة. خصوصًا مع ازدياد الوعي حول الصحّة النفسيّة للمرأة خلال فترة الحمل. فالكثير من النساء يعانين القلق، والاكتئاب، والوسواس، والتوتّر الشديد في هذه المرحلة الدقيقة من حياتهن. لذلك، أصبح العلاج النفسي خيارًا مطروحًا وضروريًا أحيانًا. لكن لا بدّ من معرفة فوائده ومخاطره قبل اتخاذ القرار.
في هذا المقال، سنتناول بالتفصيل المخاطر المحتملة والفوائد المؤكّدة للعلاج النفسي أثناء الحمل. وسنعرض رأي الأطباء والباحثين، مع الإشارة إلى أحدث الدراسات العلميّة حول تأثير العلاج النفسي على الحامل وعلى الجنين. كما سنناقش الحالات التي يُنصح فيها بالعلاج، وأنواع العلاجات الآمنة، وكيف يمكن للمرأة الحامل أن تجد الدعم النفسي الصحيح من دون الإضرار بصحّتها أو بصحّة طفلها.
لماذا تحتاج الحامل إلى علاج نفسي؟
في البداية، لا بدّ من توضيح أنّ الحمل لا يغيّر فقط جسم المرأة، بل يؤثّر أيضًا على مشاعرها، ونظامها العصبي، وهرموناتها. تؤدّي التغيّرات الهرمونيّة السريعة أحيانًا إلى اضطرابات مزاجيّة. وتشير دراسات من مجلّة Lancet Psychiatry عام 2023 إلى أنّ واحدة من كل خمس نساء حوامل تختبر درجة من الاكتئاب أو القلق أثناء الحمل.

العلاج النفسي هنا ليس رفاهيّة، بل هو وسيلة لحماية الأمّ من الانهيار النفسي. فعندما تُترك هذه الحالات من دون دعم، قد تتفاقم وتتحوّل إلى اكتئاب ما بعد الولادة. كما أنّ التوتّر المزمن قد يزيد من إفراز هرمونات الضغط مثل الكورتيزول، التي أثبتت الأبحاث أنّها تؤثّر سلبًا على نموّ الجنين العصبي.
إذًا، العلاج النفسي يُعَدّ خيارًا وقائيًّا. فهو يساعد الحامل على التعبير عن مخاوفها، والتعامل مع القلق بطريقة صحيّة، ويقلّل من خطر الانتكاسات بعد الولادة. وبالنتيجة، يتحسّن تواصلها مع جنينها، وتزداد قدرتها على التكيّف مع التغيّرات الجسديّة والعاطفيّة التي تصاحب الحمل.
ما هي أنواع العلاجات النفسيّة الممكنة للحامل؟
العلاجات النفسيّة ليست كلّها متشابهة. فالأطباء يفرّقون بين العلاج بالكلام والعلاج الدوائي. والتمييز بينهما أساسي.
أوّلًا – العلاج السلوكي المعرفي (CBT):
هو الأكثر أمانًا خلال الحمل، بحسب الجمعيّة الأميركيّة للطبّ النفسي (APA). يقوم هذا النوع على الحوار بين الحامل والمعالج النفسي لتغيير الأفكار السلبيّة وتعزيز التفكير الواقعي. لا يتضمّن أدوية، لذلك يُعتبَر آمنًا تمامًا في معظم الحالات.
ثانيًا – العلاج الداعم أو الجماعي:
فيه تشارك الحامل تجربتها مع نساء أخريات يمررن بالمراحل نفسها. هذه المشاركة تخفّف الشعور بالعزلة، وتزيد من الثقة بالنفس.
ثالثًا – العلاج الدوائي:
هنا تكمن الحساسيّة الكبرى. بعض مضادّات الاكتئاب مثل SSRIs (كالسيرترالين والفلُوكسيتين) قد توصف في حالات معيّنة تحت إشراف طبيّ دقيق. تبيّن الأبحاث الحديثة من Mayo Clinic أنّ هذه الأدوية لا تُسبّب تشوّهات خلقيّة خطيرة في أغلب الحالات، لكن يجب أن تكون الجرعة مضبوطة بعناية.
باختصار، نوع العلاج يعتمد على شدّة الحالة. والطبيب هو الوحيد القادر على تحديد الطريقة الأنسب بعد تقييم شامل للحالة النفسيّة والجسديّة للحامل.
ما هي المخاطر المحتملة للعلاج النفسي أثناء الحمل؟
رغم فوائد العلاج، إلّا أنّ هناك نقاطًا دقيقة تستحقّ الانتباه.

- المخاطر الدوائيّة: بعض الأدوية المضادّة للقلق أو الاكتئاب قد تزيد احتمال الولادة المبكرة أو انخفاض وزن الجنين. كما يمكن أن تُسبّب عوارض انسحابيّة بسيطة عند الطفل بعد الولادة، مثل الارتجاف أو صعوبة النوم. لكنّ هذه العوارض غالبًا ما تكون مؤقّتة وتختفي خلال أيّام.
- المخاطر العاطفيّة: قد يُعيد العلاج النفسي العميق للحامل ذكريات مؤلمة، ما يسبّب موجات من البكاء أو الإرهاق العاطفي المؤقّت. لذلك يُنصح دائمًا بأن يتمّ العلاج تحت إشراف اختصاصي متمرّس يعرف كيف يوازن بين التعبير النفسي والأمان العاطفي.
- سوء المتابعة: الخطر الأكبر هو عندما تتوقّف الحامل عن الدواء فجأة من دون استشارة طبيبها. هذا التصرّف قد يؤدّي إلى انتكاسة نفسيّة حادّة أخطر من الدواء نفسه.
من المهمّ الإشارة إلى أنّ معظم الدراسات الحديثة أكّدت أنّ الفائدة من العلاج في حالات الاكتئاب المتوسّط إلى الشديد تفوق المخاطر. بشرط أن يتمّ العلاج بطريقة مدروسة ومتابعة دقيقة.
ما هي الفوائد المثبتة للعلاج النفسي أثناء الحمل؟
العلاج النفسي يمنح الحامل توازنًا عاطفيًّا كبيرًا. فهو يساعدها على إدارة ضغوط الحياة اليومية، ويقلّل من العصبيّة، ويُحسّن النوم.
- تحسين المزاج العام: العلاج المنتظم يقلّل من معدّلات القلق بنسبة تصل إلى 60%، بحسب أبحاث جامعة هارفارد عام 2022.
- تعزيز العلاقة مع الجنين: الأمّ المطمئنّة نفسيًّا تنتج بيئة رحم أكثر استقرارًا هرمونيًّا. وهذا يُسهم في نموّ عصبيّ أفضل للجنين.
- منع اكتئاب ما بعد الولادة: النساء اللواتي تلقّين دعمًا نفسيًّا أثناء الحمل أقلّ عرضة بنسبة 40% للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة.
- تحسين العلاقة الزوجيّة: عندما تتحسّن صحّة الأم النفسيّة، يصبح التواصل بينها وبين الشريك أكثر إيجابيّة، ما يعزّز الدعم الأسري.
إذًا، العلاج النفسي ليس مجرّد حلّ للأزمات بل هو استثمار في رفاه الأمّ والطفل والأسرة معًا.
كيف تختار الحامل العلاج المناسب لها؟
الاختيار يبدأ بالصدق مع الذات. على الحامل أن تُصارح طبيبها بكلّ ما تشعر به من قلق، وتعب، أو خوف. ثمّ تُحدَّد الخطّة المناسبة.

- استشارة طبيب النساء: هو الأوّل الذي يوجّهها إلى اختصاصي نفسي مؤهّل.
- اختيار المعالج المناسب: من المهمّ أن يكون المعالج مُدرَّبًا على التعامل مع الحوامل تحديدًا.
- الاستمرار والمتابعة: يجب الالتزام بالمواعيد المحدّدة وعدم التوقّف عن العلاج من تلقاء النفس.
- دمج الدعم العائلي: مشاركة الزوج أو أحد أفراد العائلة في بعض الجلسات تعزّز نجاح العلاج.
- ممارسة تقنيات الاسترخاء: مثل التأمّل، والمشي الهادئ، والتنفس العميق. فهذه أساليب تكميلية تزيد فعاليّة العلاج النفسي.
مين استخدمت علاج نفسي وهي حامل أكّدت أنّ الالتزام بخطّة العلاج مع طبيبها ساعدها على تجاوز أصعب مراحل الحمل بثقة وطمأنينة. وهذا ما تبيّنه شهادات نساء كثيرات في عيادات الصحّة النفسيّة حول العالم.
الخلاصة
في النهاية، يمكن القول إنّ مين استخدمت علاج نفسي وهي حامل قد اتّخذت قرارًا شجاعًا ومسؤولًا. فالصحّة النفسيّة ليست أقلّ أهميّة من الصحّة الجسديّة. الأبحاث العلميّة الحديثة أثبتت أنّ العلاج النفسي. خصوصًا غير الدوائي، آمن وفعّال عند تطبيقه بشكل مدروس وتحت إشراف طبي.
المرأة الحامل التي تهتمّ بنفسها نفسيًّا، تحمي جنينها من التوتّر، وتؤسّس لعلاقة صحيّة معه منذ اللحظة الأولى. لذلك، من المهمّ ألّا تخجلي من طلب المساعدة.وذلك لأنّ العلاج النفسي خطوة نحو أمومة أكثر هدوءًا واستقرارًا. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن جدول شهور الحمل الكامل.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ الحديث عن العلاج النفسي خلال الحمل يجب أن يصبح جزءًا أساسيًّا من الرعاية الطبيّة الحديثة. فحين تتوازن العاطفة مع العقل، تُصبح الأمّ أكثر قوّة، ويولد الطفل في بيئة يسودها الأمان والحبّ، لا الخوف والقلق. وهذا هو الهدف الأسمى لكلّ رحلة أمومة ناجحة.
