متى يبدأ الطفل يتكلم؟ سؤال يراود كل أم منذ الأشهر الأولى من حياة صغيرها. فمرحلة النطق لا تعبّر فقط عن كلمات تُقال، بل عن تطوّرٍ معرفيٍّ وعاطفيٍّ كبير يعبّر عن نضج دماغ الطفل وتفاعله مع بيئته. يتعلّم الطفل اللغة من خلال الأصوات، والإيماءات، والابتسامات، ونبرة صوت أمّه. لذلك تعتبر هذه المرحلة من أهمّ علامات النموّ التي تستحقّ المراقبة الدقيقة.
في هذا المقال، سنتعرّف معًا على مراحل تطوّر النطق لدى الطفل، والعلامات التي تشير إلى تأخّر الكلام، والأسباب المحتملة لذلك. بالإضافة إلى تقديم نصائح علميّة وعملية تساعدك على دعم طفلك في اكتساب اللغة بشكل طبيعي. كما سنختم بتوصيات خبراء النموّ والتربية حول كيفية التعامل مع هذه المرحلة الحسّاسة.
مراحل تطوّر النطق عند الطفل
تبدأ رحلة الكلام منذ الولادة، وليس في السنة الأولى كما يعتقد البعض. فالطفل يتفاعل مع الأصوات منذ الأيام الأولى من حياته.

- من الولادة حتى عمر ٣ أشهر: يبدأ الطفل بإصدار أصوات بسيطة تُعرف بالمناغاة مثل “آه” و“غو”. كما يبدأ بتمييز صوت أمّه من بين الأصوات الأخرى.
- من ٤ إلى ٦ أشهر: تتنوّع الأصوات ويبدأ الطفل بتكرار المقاطع مثل “با” و“ما”. في هذه المرحلة، يختبر نغمة صوته ويستمتع بها.
- من ٧ إلى ١٢ شهرًا: يبدأ باستخدام كلمات بسيطة مثل “ماما” و“بابا”، وقد لا تكون لها معنى واضح بعد. لكنّها خطوة أساسية نحو اللغة.
- من سنة إلى سنتين: هنا يظهر التقدّم الحقيقي، إذ يستخدم الطفل بين ٥٠ و١٠٠ كلمة، ويستطيع فهم الأوامر البسيطة مثل “هات الكرة” أو “تعال”.
- من سنتين إلى ثلاث: يكوّن الطفل جملًا قصيرة من كلمتين أو ثلاث، ويبدأ بسرد أحداث بسيطة.
بحسب الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (AAP)، فإن أغلب الأطفال ينطقون أولى كلماتهم بين الشهرين العاشر والخامس عشر، ويُعتبر تأخّر الكلام ملحوظًا إذا لم يظهر أيّ تقدّم بعد عمر السنتين.
العلامات التي تدلّ على تأخّر الكلام
من المهم أن تراقب الأم تطوّر طفلها بدقّة، فالتأخّر في الكلام قد يشير إلى مشكلة سمعيّة أو عصبيّة أو بيئيّة. ومن أبرز العلامات التي يجب الانتباه إليها ما يأتي:
- عدم إصدار أيّ صوت حتى عمر ٦ أشهر.
- عدم تقليد الأصوات أو الحركات بعد عمر السنة.
- عدم نطق كلمات واضحة بعد عمر ١٨ شهرًا.
- عدم تكوين جمل قصيرة بعد عمر ٣ سنوات.
- عدم فهم التعليمات البسيطة مثل “أعطني اللعبة”.
كما يؤكّد موقع Mayo Clinic أنّ الطفل الذي لا يتواصل بالعين أو لا يستجيب لاسمه قد يعاني من اضطراب تطوّري مثل التوحّد. لذلك، من المهمّ استشارة مختصّ في حال ظهور أيّ من هذه العلامات.
وبالإضافة إلى هذه المؤشرات، فإنّ البيئة المحيطة تؤدّي دورًا أساسيًا في تطوّر اللغة. فقلة الحديث مع الطفل، أو تركه أمام الشاشات لفترات طويلة، يمكن أن تُبطئ نموّ مهاراته اللغوية بشكل ملحوظ.
الأسباب المحتملة لتأخّر الكلام
تأخّر الكلام لا يعني بالضرورة وجود مشكلة خطيرة، لكنه يستدعي البحث عن السبب. وتشمل الأسباب الشائعة ما يلي:

- أسباب سمعيّة: ضعف السمع أو التهابات الأذن المتكرّرة قد تؤدّي إلى صعوبة في تمييز الأصوات.
- أسباب عصبيّة: بعض الاضطرابات مثل الشلل الدماغي أو تأخّر التطوّر العصبي تؤثّر في النطق.
- أسباب بيئيّة: قلّة التفاعل اللفظي مع الطفل أو الاعتماد المفرط على الأجهزة الإلكترونية.
- أسباب وراثيّة: في بعض العائلات، يُلاحظ تأخّر في الكلام عند أكثر من طفل.
- أسباب نفسية: القلق، والصدمات العاطفية، أو التغييرات الكبيرة في بيئة الطفل قد تؤخّر تطوّره اللفظي.
تُظهر الدراسات المنشورة في National Institutes of Health (NIH) أنّ الأطفال الذين يعيشون في بيئات غنية بالكلام والمحفّزات الصوتية يطوّرون مهارات لغوية أسرع من غيرهم. وهذا يؤكّد أهمية التواصل المستمرّ مع الطفل منذ الأشهر الأولى.
كيف يمكن دعم الطفل لتعلّم الكلام بسرعة؟
يمكن للأم أن تؤدّي دورًا حيويًا في مساعدة طفلها على النطق من خلال خطوات بسيطة وفعّالة:
- التحدّث الدائم مع الطفل: اشرحي له ما تفعلين، وكرّري الكلمات بوضوح.
- القراءة اليومية: قراءة القصص المصوّرة تنمّي المفردات، وتُحفّز الانتباه والتركيز.
- الاستماع والتفاعل: أصغي لطفلك عندما يصدر الأصوات، وابتسمي له لتشجيعه على الاستمرار.
- الغناء والأناشيد: تُعتبر الألحان وسيلة ممتازة لتعليم الكلمات بطريقة ممتعة.
- تجنّب الشاشات: توصِي منظمة الصحة العالمية (WHO) بعدم تعريض الأطفال دون السنتين لأيّ شاشات، لما لها من تأثير سلبي على اللغة والتركيز.
إضافةً إلى ذلك، يمكن استخدام الألعاب الصوتية التي تتطلّب تسمية الأشياء أو تكرار الكلمات. وكلّما شعر الطفل بأنّ كلامه يُحدث استجابة من الآخرين، ازدادت رغبته في التواصل والنطق.
متى يجب زيارة مختصّ النطق أو الطبيب؟
إذا لاحظت الأم أن طفلها لا يحقّق التطوّر اللغوي المناسب لعمره، فمن الضروري استشارة الطبيب في أقرب وقت.
من العلامات التي تتطلّب المراجعة الطبية:

- غياب أيّ كلمة بعد عمر السنتين.
- صعوبة في فهم ما يقوله الطفل رغم تجاوز عمر الثلاث سنوات.
- تاريخ عائليّ لاضطرابات النطق أو السمع.
- عدم فهم الأوامر البسيطة أو التفاعل الاجتماعي الضعيف.
الطبيب سيطلب فحص السمع أو إحالة الطفل إلى اختصاصي نطق وتخاطب لتقييم شامل. كما قد يقترح برنامج تدريب لغويّ يعتمد على اللعب والتفاعل، أثبتت الدراسات فعاليّته في تحسين قدرات الأطفال خلال فترة قصيرة.
الخلاصة
تُعدّ مرحلة الكلام من أجمل مراحل النموّ في حياة الطفل، إذ تعبّر عن قدرته على التواصل والتعبير عن ذاته. إنّ معرفة متى يبدأ الطفل يتكلم تساعد الأم على متابعة تطوّر صغيرها بثقة ووعي. ويُعتبر الدعم العاطفي والتفاعل المستمرّ العامل الأهمّ في تحفيز النطق. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن كيفيّة تعليم الطفل على الحمام.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ متابعة مراحل النموّ اللغويّ لا تحتاج إلى قلق بل إلى وعيٍ وتفاعلٍ يوميّ. فالأم التي تتحدّث مع طفلها، وتستمع له، وتغذّي خياله بالقصص والأغاني، تزرع فيه حبّ اللغة والتواصل. وإذا تأخّر قليلًا، فالصبر والمساندة هما العلاج الأول، قبل أيّ تدخلٍ طبيّ أو علاجيّ. فالكلمة الأولى ليست مجرد صوت، بل بداية حكاية طويلة من الفهم، والتعلّم، والمشاعر الجميلة.