هل تشعرين بالذنب لأنك لا تستمتعين بالحمل؟ سؤال قد يخطر في بالك يوميًا. تعتقدين أنك الوحيدة التي لا تبتسم عندما يتحرك جنينك، أو التي تتضايق من الغثيان وتقلّبات المزاج. لكن الحقيقة أن هذا الشعور طبيعي. الحمل ليس سهلًا، ولا يشبه الصور المثالية التي نراها في الإعلانات أو على وسائل التواصل.
سنتناول في هذا المقال الأسباب النفسية والعاطفية وراء هذا الشعور، ونتحدث عن العوامل البيولوجية التي تؤدّي دورًا كبيرًا في حالك المزاجية. سنتعرّف أيضًا على الطرق العلمية للتعامل مع هذه المشاعر بدون جلد الذات، وسنطمئنك بأنك لست وحدك أبدًا.
1- الحمل: تجربة نفسية وجسدية متداخلة
في بداية الحمل، تبدأ التغيرات الجسدية والعاطفية بالظهور سريعًا. يرتفع مستوى هرمونات مثل الإستروجين والبروجسترون بشكل حاد. هذا التغير يؤدي إلى اضطراب الحال النفسية، كما تبيّن دراسة نشرتها Harvard Medical School (2021). كثير من النساء يشعرن بالتوتر، والغضب، وحتى الاكتئاب الخفيف، خاصّةً في الثلث الأول من الحمل.

تشعر بعض الحوامل بالحزن من دون سبب، وهذا ما يُعرَف باكتئاب الحامل. تبكين فجأة، أو تنعزلين عن الناس. لا تستمتعين بتفاصيل الحمل كما تتوقعين. هل تشعرين بالذنب لأنك لا تستمتعين بالحمل؟ تذكّري أن هذه المشاعر ناتجة عن عوامل بيولوجية، وليست ضعفًا أو قلة امتنان.
2- الضغط المجتمعي ومقارنة النفس بالآخرين
يضع المجتمع الحامل تحت ضغط غير منطقي. يُقال لك: “الحمل نعمة، يجب أن تفرحي”. تُقارنين بصديقاتك اللواتي يبتسمن في صور السونار أو يروين تجاربهنّ بحماسة. فجأة، تشعرين بأنك مختلفة، بأن هناك شيئًا خاطئًا فيك.
في دراسة أجرتها American Psychological Association (APA) عام 2020، وُجد أن المقارنات على وسائل التواصل الاجتماعي تزيد من شعور الذنب لدى الحوامل بنسبة 37%. تظهر النساء دائمًا بابتسامة زائفة تخفي الكثير من الألم.
لا تسمحي لهذه الصور أن تتحكم بمشاعرك. كل امرأة تمر بتجربتها الخاصة. بعض النساء يحببن الحمل، وأخريات لا يحتملنه، وهذا طبيعي.
3- هل يدل عدم الاستمتاع بالحمل على اكتئاب؟
التمييز بين المشاعر العابرة والاكتئاب الحقيقي ضروري.

هل تشعرين بالذنب لأنك لا تستمتعين بالحمل؟ أحيانًا يكون السبب عابرًا، كالشعور بالتعب أو الحرمان من النوم. لكن في بعض الحالات، قد تكون هذه المشاعر علامة على اكتئاب ما قبل الولادة. تشير الأبحاث الحديثة إلى أن ما بين 7% و20% من النساء الحوامل يعانين من عوارض اكتئابية خلال الحمل، وليس فقط بعد الولادة كما هو شائع.
تشمل هذه العوارض فقدان الاهتمام بالأشياء، والشعور بالذنب المستمر، وتغيّر الشهية، أو صعوبة في التركيز. إذا استمرّت هذه المشاعر أكثر من أسبوعين، من الأفضل مراجعة مختصّ نفسي.
الاكتئاب خلال الحمل ليس ضعفًا. بل هي حال طبية تتطلب رعاية. يساعد التدخل المبكر في حماية الأم والجنين من مضاعفات خطيرة لاحقًا.
4- كيف تتعاملين مع هذه المشاعر؟
أول خطوة هي الاعتراف بالمشاعر من دون خجل. لا تكبتي ما تشعرين به. التحدث مع شريكك، صديقتك، أو مختصّة نفسية يساعد كثيرًا. فالتعبير العاطفي يحرّر النفس ويقلّل الشعور بالتوتر.
ثانيًا، حاولي تنظيم يومك بطرق بسيطة. خصّصي وقتًا للحصول على الراحة، وللمشي في الهواء الطلق، أو حتى للتأمل. نشرت Mayo Clinic تقريرًا يؤكّد أن التأمل يساعد على تقليل الكورتيزول، وهو هرمون التوتر.
ثالثًا، قلّلي من تعرضك لمواقع التواصل. إنّ مشاهدة تجارب الآخرين بشكل دائم تعمّق شعورك بالاختلاف. لذا، اجعلي تجربتك شخصية، لا مقارنة.
رابعًا، احرصي على الحصول على تغذية متوازنة. قد يؤثر النقص في الفيتامينات مثل B6 وD على المزاج. استشيري طبيبتك حول المكملات الغذائية المناسبة.
خامسًا، اكتبي مشاعرك. الكتابة اليومية حتى لو لبضع دقائق تساعدك في تفريغ القلق وفهم ما تمرين به.
أنتِ لستِ وحدك: شهادات وتجارب
في دراسة أجراها National Childbirth Trust في بريطانيا، صرّحت واحدة من كل خمس نساء أنها شعرت بالذنب لأنها لم تستمتع بالحمل. كثيرات قلن إنهنَّ خجلنَ من مشاركة هذه المشاعر مع عائلاتهن.

“كنت أشعر بأني سجينة في جسدي”، تقول سيدة حامل في الشهر السادس. “كان من المفترض أن أكون سعيدة، لكني كنت أعدّ الأيام لأصل للنهاية”.
امرأة أخرى عبّرت: “الكل كان يهنئني، وأنا كنت أبكي في الليل. لم أكن أجرؤ أن أقول إني لا أحب الحمل”.
تعكس هذه الشهادات حقيقة صامتة. الحمل ليس تجربة واحدة. هو طريق يمرّ بمراحل، وكل مرحلة تحمل شعورًا مختلفًا.
الخلاصة
هل تشعرين بالذنب لأنك لا تستمتعين بالحمل؟ توقّفي الآن. هذه المشاعر ليست خطأ، بل جزء من الرحلة. الحمل لا يعني أن تشعري بالسعادة الدائمة. لا تصدقي الصور المزيّفة، ولا تضغطي على نفسك لتكوني مثالية.
مشاعرك صادقة، وتجربتك ثمينة مهما كانت. استمعي لجسمك، وتصالحي مع نفسك، واطلبي المساعدة حين تحتاجينها. ومن الجدير بالكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن خطواتك الأولى بعد الحمل غير المتوقَّع.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أجد أن الاعتراف بالمشاعر هو أول خطوة نحو الشفاء. كل امرأة لها حق أن تعيش حملها بطريقتها. لا أحد يملك الحق أن يقيّم مشاعرك أو يطالبك بالفرح الإجباري. الأمومة لا تبدأ حين تبتسمين، بل حين تكونين صادقة مع ذاتك. لهذا، حين تسألين نفسك: “هل تشعرين بالذنب لأنك لا تستمتعين بالحمل؟”، تذكّري أن الإجابة هي: لا، لأنك إنسانة… ولستِ وحدك.