كيف تفهمين لغة طفلك قبل أن يبدأ بالكلام؟ هذا السؤال يشغل بال الكثير من الأمهات. فقبل أن ينطق صغيرك بكلمة واحدة، يبدأ فعليًّا بإرسال رسائل وإشارات تعبّر عن مشاعره، واحتياجاته، وانزعاجه. هذه اللغة الصامتة هي أساس التواصل الأول بينكما، وهي التي تبني جسور الفهم والثقة منذ الأشهر الأولى من حياته.
لذلك، في هذا المقال، سنشرح لكِ كيف تلاحظين هذه الإشارات، وكيف تفسرينها بدقة، وكيف تستخدمينها لبناء علاقة قوية وداعمة مع طفلك. سنعتمد على أبحاث علمية حديثة، وسنقسم المعلومات إلى مراحل واضحة، كي تتمكني من تطبيق النصائح عمليًّا وبسهولة.
1- الإشارات الجسدية
كيف تفهمين لغة طفلك قبل أن يبدأ بالكلام؟ يكمن الجواب الأول في مراقبة حركات جسده. فكلّ حركة تصدر منه تحمل معنى. على سبيل المثال، عندما يفرك عينيه، غالبًا ما يشعر بالتعب. إذا حرّك رجليه بقوة، فقد يكون متحمسًا أو متوترًا. عندما يفتح يديه باتساع، فقد يكون مرتاحًا أو مستعدًا للعب.

بحسب دراسة نُشرت في مجلة Infant Behavior and Development، يبدأ الأطفال منذ عمر الشهرين بالتفاعل الجسدي مع محيطهم، ويستجيبون للوجوه والأصوات بنشاطات عضلية محددة. هذه الحركات تُعتبر وسيلة للتواصل مع الأم قبل أن يتطور الجهاز العصبي بما يكفي للنطق.
من المهم أن تراقبي هذه الإشارات يوميًا. سجّلي ملاحظاتك. قارني بين وقت الجوع، ووقت النعاس، واللعب، وستلاحظين كيف تختلف ردود فعل الطفل في كل حال. بهذه الطريقة، تفهمين لغته بشكل تدريجي.
2- البكاء
في كثير من الأحيان، تعتقد الأمهات أن الطفل يبكي عندما يكون جائعًا فقط. ولكنّ الحقيقة مختلفة. فالبكاء هو أداة تواصل معقّدة، ولكل نغمة أو شدة معنى خاص.
كيف تفهمين لغة طفلك قبل أن يبدأ بالكلام؟ افهمي بكاءه أولًا. البكاء القصير والمتقطّع غالبًا يدل على الملل. البكاء العالي والمفاجئ قد يشير إلى ألم أو انزعاج شديد. أما البكاء المستمر بنغمة واحدة، فقد يعكس شعورًا بالوحدة أو الحاجة إلى الحنان.
أشارت دراسة أجرتها جامعة Brown University إلى أن الأمهات القادرات على تمييز أنماط بكاء أطفالهن ينجحن بشكل أفضل في تخفيف التوتر عند الرضيع. ممّا يعزّز صحته النفسية على المدى البعيد.
إذًا، لا تتجاهلي البكاء. أصغي جيدًا. حاولي أن تحددي سببه. واستجيبي بسرعة، فهذا يعزز ثقة طفلك بك ويعلّمه أن تعبيره مسموع.
3- تعابير الوجه
عندما تبتسمين لطفلك، كيف تتغير ملامحه؟ هل يفتح فمه؟ أو يتبعك بعينيه؟ أم يبتسم أيضًا؟ كل هذه مؤشرات على فهمه واستجابته لكِ.

يؤكّد علم الأعصاب أنّ الأطفال حديثي الولادة يمتلكون قدرة فطرية على التعرف على تعابير الوجه. وفقًا لمجلة Nature Neuroscience، يمتلك الرضع أنظمة عصبية مخصّصة لتفسير وجوه المحيطين بهم منذ الأيام الأولى. ما يجعل التفاعل البصري مهمًّا جدًا.
راقبي تعابير طفلك. إذا عبس، قد يكون منزعجًا من الضوء أو الصوت. إذا اتسعت عيناه، فهو يشعر بالدهشة أو الانتباه. هذه التعابير ترسم خريطة مزاجه، وتسهل عليكِ فهم ما يمر به لحظة بلحظة.
4- التفاعلات الصوتيّة
من أهم مراحل التواصل قبل الكلام هي مرحلة المناغاة. عندما يصدر طفلك أصواتًا مثل “آه”، “غو”، “إيي”، فهذا لا يعني فقط أنه يلعب، بل يحاول أن يشاركك بشيء.
كيف تفهمين لغة طفلك قبل أن يبدأ بالكلام؟ استمعي لصوته. لاحظي كيف تتغير النغمة عند الفرح، والانزعاج، أو الفضول. عندما تردين عليه، وتكررين صوته، تعززين عنده الرغبة في الاستمرار.
بيّنت دراسة من جامعة Stanford أن الأطفال الذين يتلقون استجابة فورية ومشجعة من والديهم خلال المناغاة، يطوّرون مهارات لغوية أعلى في عمر السنتين.
ردّي على الأصوات. انظري في عينيه عندما يصدرها. كرّريها بصوت هادئ. بهذه الطريقة، تبنين جسور التفاعل المبكر.
5- البيئة الآمنة تعزز التواصل
الطفل لا يتواصل فقط بالفطرة، بل يتأثر بمحيطه. الصوت العالي، والإضاءة القوية، أو توتر الأم، جميعها عوامل تعيق قدرته على التعبير والتفاعل.

لذلك، احرصي على توفير بيئة مستقرة. اجلسي بقربه عندما يبكي. احمليه عندما يحتاجك. غنّي له بصوت ناعم. كل هذه التفاصيل تعزز شعوره بالأمان، وتشجعه على التعبير أكثر.
البيئة المستقرة هي حجر الأساس لفهم لغة الطفل. فهي تمنحه الثقة ليرسل إشاراته من دون خوف، وتمنحك الفرصة لفهمها بسهولة.
الخلاصة
كيف تفهمين لغة طفلك قبل أن يبدأ بالكلام؟ الجواب يبدأ بالانتباه، ويمرّ بالاستماع، وينتهي بالحب. فالطفل، وإن كان صامتًا، يملك لغة كاملة تحتاج فقط إلى من يصغي لها. حركاته، وأصواته، وتعابير وجهه، وحتى صمته، جميعها وسائل تواصل عليكِ أن تكتشفيها بوعي وحنان.
تصنع الاستمرارية في المراقبة والاستجابة فرقًا كبيرًا في نموه اللغوي والعاطفي. والطفل الذي يشعر بأنه مفهوم ومسموع، ينمو واثقًا بنفسه، وقويًّا بتواصله، ومتوازنًا في مشاعره. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ أنّ طفلكِ الرضيع يقيّم جمال الوجوه من أول لحظة!
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أؤمن أن كل أم تملك حدسًا داخليًا يجعلها الأقرب لفهم طفلها. ولكن، عندما يُدعّم هذا الحدس بالعلم، يتحوّل إلى أداة قوية لبناء علاقة متينة وداعمة. لا تستهيني بإشارات طفلك. فهي كلمات صامتة تنتظر منكِ أن تُفهم، وتُحب، وتُقدّر.