كيف أكون أماً وأباً في نفس الوقت؟ تربية الأسرة في عصر مشغول، سؤال يؤرق العديد من الأمهات في هذا العصر السريع. لا تواجه الأم في مجتمعات اليوم فقط ضغوط العمل والمهام المنزلية، بل تصارع أيضًا مشاعر القلق والتقصير، لأنها مطالبة بأن تكون كل شيء لأطفالها. في ظل غياب الأب بسبب الطلاق، أو الوفاة، أو الانشغال الدائم، تتحمّل الأم عبء التربية وحدها. ممّا يجعلها تبحث عن حلول عملية وعلمية لتملأ هذا الفراغ التربوي.
سيتناول هذا المقال خطوات مدروسة حول السؤال: كيف أكون أماً وأباً في نفس الوقت؟ تربية الأسرة في عصر مشغول، من خلال محاور أساسية. سنبدأ بفهم التحديات النفسية، ثم ننتقل إلى أساليب التربية الحديثة. ونختم بإبراز دور الدعم المجتمعي والحلول اليومية التي تمنحك القوة والثبات في مسيرتك التربوية.
1- التحديات النفسية: كيف تتعاملين معها؟
عندما تتساءلين كيف أكون أماً وأباً في نفس الوقت؟ تربية الأسرة في عصر مشغول، فأنتِ في الواقع تواجهين ضغطًا داخليًا صامتًا. تشير الأبحاث النفسية إلى أن الأمهات اللواتي يتحمّلن أدوارًا مزدوجة أكثر عرضة للمعاناة من لإجهاد المزمن والاكتئاب الحاد (APA, 2020). الشعور بالذنب يرافقهن، لأنهن يعتقدن أنهن لا يفعلن ما يكفي.

في هذه الحال، لا بد من الاعتراف بالمشاعر أولًا. لا تنكري التعب. اسمحي لنفسك بلحظات من الراحة. ثانيًا، مارسي تقنيات التنظيم الذاتي مثل التنفس العميق أو كتابة المشاعر. أثبتت دراسات حديثة أن التدوين اليومي يساعد الأمهات على تنظيم الانفعالات ويعزز المرونة النفسية (Pennebaker & Smyth, 2016).
2- التربية الفعّالة: استراتيجيات مثبتة علميًا
تتطلّب تأدية دورين في الوقت نفسه معرفة واسعة. التربية ليست فقط حبًا، بل أيضًا مهارة. عند غياب الأب، يحتاج الطفل إلى حزم وحنان معًا، ويجب أن يحصل على وضوح في القوانين والحدود.
يشير علم النفس التربوي إلى أن استخدام أسلوب “السلطة الإيجابية” (Authoritative Parenting) هو الأكثر نجاحًا في هذا السياق. هذا النمط يجمع بين الحزم والتفهّم. ضعي قوانين واضحة، واشرحي الأسباب. لا تفرضي، بل ناقشي. قولي مثلاً: “لن تلعب على الهاتف قبل أن تنهي واجبك، لأن الوقت ثمين ويجب أن نستخدمه بحكمة”.
خصصي وقتًا يوميًا ولو كان قصيرًا للحوار مع طفلك. اجعلي السؤال اليومي: “كيف كان يومك؟” عادةً لا تنقطع. هذا يقوي العلاقة بين الأم والطفل، ويبني الثقة، ويمنحك صورة واضحة عن عالمه العاطفي والسلوكي.
3- بناء القدوة: القيم تبدأ بكِ
عندما تسعين للإجابة عن سؤال: كيف أكون أماً وأباً في نفس الوقت؟ تربية الأسرة في عصر مشغول، تذكّري أن الطفل يراقب أكثر مما يسمع. أنتِ قدوته الأولى. التزامك بالمواعيد، وتنظيمك، وطريقتك في التعامل مع الغضب، كلّها دروس حية.

أكّدت دراسة نُشرت في Journal of Child Psychology (2018) أن الأطفال الذين يعيشون مع أم قوية ومنظمة يطوّرون مهارات تنظيم ذاتي أعلى، حتى في غياب أحد الوالدين. اجعلي منزلك نموذجًا للهدوء، حتى لو كنتِ تحت ضغط يومي. عبّري عن مشاعرك بطريقة متوازنة. قولي: “أنا متعبة اليوم، وأحتاج إلى بعض المساعدة”، وامنحي طفلك فرصة للمشاركة.
4- الدعم المجتمعي: أنتِ لستِ وحدك
العزلة أخطر ما قد تواجهه الأم التي تسعى لتكون أمًا وأبًا. لا تترددي في طلب المساعدة. ابحثي عن مجموعات دعم محلية أو رقمية. شاركي في ورش العمل التربوية. كوني على تواصل مع المدرسة، واعرفي من يتفاعل يوميًا مع طفلك.
بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية (WHO, 2021)، فإن الدعم المجتمعي يقلل من الضغوط النفسية بنسبة 30% لدى الأمهات الوحيدات، ويزيد من فرص التوازن الأسري. تواصلك مع الجدّات، والأخوات، والصديقات، يمنحك متنفّسًا ويخفّف من شعور الوحدة.
5- الحلول اليومية: خطوات عملية
في ظل المسؤوليات المتعددة، يصبح التنظيم اليومي ضرورة. حضّري جدولًا أسبوعيًا يشمل المهام المنزلية، ووقت اللعب، وأوقات الوجبات، وساعات النوم. علّقي الجدول في مكان واضح وشاركي الأطفال بتنفيذه.

استخدمي التكنولوجيا لصالحك: قد توفّر لكِ تطبيقات التذكير، وتنظيم الوقت، والتعلّم المنزلي مجهودًا كبيرًا. لكن ضعي حدودًا لاستخدام الشاشات، وحدّدي وقتًا للعائلة من دون أي أجهزة. هذا الوقت البسيط هو ما يترك الأثر الأكبر في نفس الطفل.
احرصي على العناية بنفسك. وغذاؤك، ونومك، فراحتك ليست رفاهية، بل ضرورة لتقدمي أفضل ما لديكِ.
الخلاصة
في النهاية، يبقى سؤال كيف أكون أماً وأباً في نفس الوقت؟ هو دعوة لكل أم أن تعترف بقيمتها، أن تؤمن بقوتها، وأن تتسلّح بالعلم والوعي. رغم أن الأدوار مزدوجة، إلا أن القدرة على الإنجاز قائمة. لا تسعي إلى الكمال، بل إلى الثبات والاستمرارية.
تذكّري أن الحب، والحزم، والقدوة، هي الأساس في كل تربية ناجحة. ومع كل خطوة صغيرة، تصنعين فرقًا كبيرًا في حياة أطفالك. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ كيف تشكل الأمومة شخصية الطفل؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أؤمن أن الأم التي تسأل: كيف أكون أماً وأباً في نفس الوقت؟ هي أم تسير في طريق الوعي. هذا السؤال بحد ذاته يعكس قوة داخلية ومسؤولية استثنائية. أن تكوني الركيزة الوحيدة لأطفالك لا يعني أنك وحدك. بل يعني أنك الحاضنة للقيم، والداعمة للأحلام، والمربية بالحب والإدراك. حين تحتوين طفلك وتزرعين فيه الأمان، فأنتِ تؤدين أعظم الأدوار في الحياة.