كيف يمكن للزوجين أن يتعاونوا في تربية الأبناء دون أن يؤثر ذلك على العلاقة؟ سؤال يتكرّر في أذهان الكثير من الأزواج، خاصّةً بعد وصول الطفل الأول إلى حياتهم. تربية الأبناء مسؤولية ضخمة تتطلب جهدًا عاطفيًّا ونفسيًّا وعمليًّا يوميًّا. ممّا قد يؤدّي إلى الضغط على العلاقة بين الشريكين إذا لم يتم تنظيم الأدوار والتواصل بشكل سليم. فالأب لم يُعَد مجرّد مزوّد مادي، كما لم تُعَدّ الأم الوحيدة المعنية بالرعاية والتنشئة. الأسرة الحديثة قائمة على الشراكة.
في هذا المقال، نعرض خطة متكاملة لتوضيح كيف يمكن أن يتحقق هذا التعاون. سنبدأ بتحديد مفهوم الشراكة التربوية، ثم نتناول أثر التوزيع العادل للأدوار، ونتعمّق في أهمية التواصل بين الزوجين. وننهي بعرض بعض الاستراتيجيات المدعومة علميًا للحفاظ على العلاقة قوية رغم ضغوط التربية.
1- الشراكة التربوية
تحتاج كلّ علاقة زوجية ناجحة إلى وضوح في الأدوار وتفاهم في التوقعات. حين يتساءل أحد: كيف يمكن للزوجين أن يتعاونوا في تربية الأبناء دون أن يؤثر ذلك على العلاقة؟ يجب أن يبدأ بتحديد معنى “التعاون”. التعاون لا يعني المساواة المطلقة في المهام، بل المرونة والتكامل.

تشير دراسة نشرتها جامعة هارفارد (2020) إلى أن الأزواج الذين يخطّطون مُسبقًا لتوزيع المهام الأبوية يشعرون بارتياح أكبر في علاقتهم، وتقلّ بينهم نسب التوتّر المرتبط بالأبوة والأمومة. إذًا، الاتفاق المسبق على المسؤوليات وتحديثها حسب تطور الظروف أمر جوهري.
2- التوزيع العادل للمسؤوليات
عندما لا يشعر أحد الطرفين أنه يتحمل العبء الأكبر وحده، تتعزز روح الفريق داخل الأسرة. يجب أن يكون توزيع الأدوار مبنيًا على القدرات والظروف وليس على القوالب النمطية. فالأم التي تعمل خارج المنزل، تحتاج إلى دعم الأب في الواجبات المنزلية ورعاية الطفل. وبالمثل، يحتاج الأب العامل إلى تقدير لجهوده في البيت ومشاركته الفعلية.
أظهرت دراسة في مجلة Journal of Family Psychology أنّ الأزواج الذين يتقاسمون مهام الرعاية اليومية (مثل تغيير الحفاضات، وتنظيم الوجبات، وحضور الاجتماعات المدرسية) يتمتعون بعلاقة أكثر استقرارًا، وينخفض بينهم مستوى التوتر العام. هذه المشاركة تعزز أيضًا من ارتباط الأب بالأبناء، ممّا ينعكس إيجابيًا على توازن الأسرة، ويضمن نجاح العلاقة الزوجيّة.
3- الحوار الصادق
أحد المحاور الأساسية في الإجابة على سؤال: كيف يمكن للزوجين أن يتعاونوا في تربية الأبناء دون أن يؤثر ذلك على العلاقة؟ هو التواصل المستمر والصادق. إنّ غياب الحوار أو تأجيل النقاشات الضرورية حول أسلوب التربية، يؤدّي إلى تراكم التوتر وسوء الفهم.

لا يجب أن تكون المحادثات بين الزوجين مقتصرة على الأمور الإدارية أو المهام اليومية. من الضروري تخصيص وقت دوري لتبادل الآراء حول ما يقلقهما كوالدين، وكيف يشعر كل طرف حيال دوره. لا يضمن هذا التواصل فقط إدارة ناجحة لتربية الأبناء، بل يغذي العلاقة العاطفية ويمنع الانفصال العاطفي التدريجي.
4- الحفاظ على وقت خاص كزوجين
من أكبر الأخطاء التي يقع فيها الأزواج الجدد هو نسيان علاقتهم العاطفية بعد ولادة الطفل. فالانشغال الكامل بالطفل، على الرغم من كونه نابعًا من حب وحرص، يؤدّي إلى إهمال الرابط العاطفي بين الزوجين. لذلك، يتوجب على كل من الأب والأم أن يحرصا على تخصيص وقت منتظم لأنفسهم كزوجين.
يمكن أن يكون هذا الوقت بسيطًا، كتناول كوب شاي معًا مساءً بعد نوم الأطفال، أو الخروج في نزهة أسبوعية. هذا الوقت يعيد الشحن العاطفي، ويُذكّر كل طرف بسبب اختياره للآخر شريكًا في الحياة.
تؤكد دراسة منشورة في The Gottman Institute أن الحفاظ على لحظات حميمية قصيرة ومنتظمة بين الزوجين له أثر فعّال في تقليل النزاعات وتحسين المزاج العام داخل الأسرة.
5- استراتيجيات علمية لتقوية العلاقة وسط تحديات التربية
في ما يلي بعض الاستراتيجيات المبنية على أبحاث علم النفس الأسري، تساعد على تحقيق تربية تشاركية من دون المساس بالعلاقة الزوجية:

- وضع خطة أسبوعية: تحديد المهام مسبقًا يقلّل من سوء الفهم.
- استخدام تطبيقات تنظيم الأسرة: مثل Cozi أو OurHome لتوزيع المهام بوضوح.
- حضور جلسات تدريب الأبوة والأمومة معًا: لتعزيز الفهم المشترك واستكشاف طرق جديدة للتعامل مع الطفل.
- الامتنان اليومي: إنّ قول كلمة “شكرًا” لكل جهد، مهما كان بسيطًا، يعزّز الإيجابية.
الخلاصة
إنّ التساؤل: كيف يمكن للزوجين أن يتعاونوا في تربية الأبناء دون أن يؤثر ذلك على العلاقة؟ هو دعوة لإعادة النظر في مفهوم الأسرة المتوازنة. فالتربية ليست مهمة فردية، بل شراكة متكاملة تتطلب وعيًا، تواصلًا، وتفاهمًا مستمرًا. العلاقة الزوجية ليست عائقًا أمام تربية ناجحة، بل هي المنطلق الأساسي لها. وكلما كانت الشراكة بين الزوجين صحية، كانت البيئة التربوية أكثر استقرارًا وأمانًا للطفل. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ كيف تجعلين من زوجك أولويتك دون أن تهملي نفسك؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن نجاح التعاون التربوي بين الزوجين لا يقوم على الجهد وحده، بل على النية الصادقة في حفظ الرابط العاطفي مع الشريك، حتى في زحمة المسؤوليات. فحين يشعر كل طرف أنه ليس وحيدًا في مواجهة ضغوط الأبوة، ينمو الحب من جديد، ويكبر الطفل في كنف بيئة مليئة بالحب والتفاهم. التربية الناجحة لا تعني التضحية بالعلاقة، بل هي امتداد لها إذا بُنيت على أسس متينة من الدعم المشترك والاحترام المتبادل.