لا يمكن إنكار أكثر أخطاء نرتكبها في العلاقة الزوجية وتُشكّل تهديدًا خفيًا لاستقرار الزواج ونجاحه، رغم بساطتها الظاهرة. نُمارسها يوميًا بتلقائية، من دون أن نتنبه لتأثيرها العميق على المشاعر والثقة والحوار. مع مرور الوقت، تُراكم هذه التصرفات تباعدًا بين الشريكين، ليظهر ذلك لاحقًا في شكل برود، وصمت، أو حتى خلافات أكبر.
ولهذا السبب، سنتناول في هذا المقال ثلاثًا من أكثر هذه الأخطاء شيوعًا. أولًا، سنُوضح أسباب كل خطأ من جذوره النفسية والعاطفية. بعد ذلك، سنعرض نتائج ذلك الخطأ بحسب ما أثبتته الدراسات العلمية الموثوقة. ثم، سنُقدّم نصائح عملية وواضحة للحدّ من تأثيره. في كل جزء، سنبدأ بمقدمة بسيطة تُمهّد للفكرة. وبهذه الطريقة، ستتمكّن القارئة من فهم الموضوع خطوة بخطوة، ومن تطبيق الحلول بسهولة في حياتها اليومية.
1- تجاهل التقدير اليومي
في البداية، يُشكّل التقدير اليومي حاجة عاطفية أساسية في الزواج. لذلك، عندما يتجاهله أحد الطرفين، حتى لو عن غير قصد، يرتكب دون شكّ أحد أخطر أخطاء نرتكبها في العلاقة الزوجية.

عندما يعتاد أحد الطرفين على ما يقدّمه الآخر من جهود، من دون أن يُعبّر عن الامتنان أو الإعجاب، يشعر الطرف المُبادِر بالتعب العاطفي. أكّدت دراسة نُشرت في Journal of Personality and Social Psychology عام 2010، أن الامتنان بين الأزواج يعزّز الترابط ويُقلّل فرص الانفصال بنسبة 35%.
لماذا يحدث هذا الخطأ؟
غالبًا ما تسرقنا التفاصيل اليومية، ثم تُبعدنا تدريجيًا عن الاهتمام بالمشاعر. وبعد ذلك، نعتاد الصمت، ونفترض بسهولة أن الحب لا يحتاج إلى كلام أو إشارات. لكن في الواقع، تؤكد التجارب أن الكلمة البسيطة تُحيي الروح، بل وتُعيد الدفء إلى العلاقة. ولذلك، كلما عبّرنا عن مشاعرنا بوضوح، وكلما قلنا شكراً أو أظهَرنا الامتنان، ساعدنا العلاقة على البقاء حيّة.
ما الحل؟
– عبّري عن تقديرك بكلمات مباشرة ولو مرة يوميًا.
– استخدمي لغة الجسد: نظرة، لمسة، أو ابتسامة.
– اكتبي ملاحظة صغيرة وضعيها في مكان غير متوقّع.
النتيجة؟ شعور متجدد بالحب والانتماء.
2- إسقاط ضغوط الحياة على الشريك
من أكثر أخطاء نرتكبها في العلاقة الزوجية هو تفريغ التوتر الناتج عن العمل أو الأطفال أو المشاكل المالية على الشريك.

يؤدي هذا السلوك إلى خلق بيئة مشحونة داخل المنزل، حيث يُصبح الطرف الآخر ضحية لمشاعر لم يكن سببًا فيها. أوضح بحث صادر عن American Psychological Association أن الأزواج الذين لا يُفرّقون بين الضغوط الخارجية والعلاقة، هم الأكثر عرضة للمشاكل النفسية والطلاق.
كيف نعرف أننا نُمارس هذا الخطأ؟
– هل يتغير أسلوبك في الحديث مع شريكك بعد يوم مرهق؟
– ترفضين الحوار أو تصرخين من دون مبرر واضح؟
– تتجنبين التفاعل الإيجابي لأنك “متعبة” نفسيًا؟
إذا كانت الإجابة نعم، فقد وقعتِ في هذا الخطأ.
ما الحل؟
– خذي 15 دقيقة من “الهدوء الذاتي” قبل دخول المنزل.
– قسّمي ضغوطك: ما يمكن الحديث عنه، وما يجب حله مع النفس.
– لا تبرري الانفعالات المؤذية بالضغوط اليوميّة، بل اعتذري وابدئي من جديد.
بهذه الخطوات البسيطة، نحمي العلاقة من التآكل غير المرئي.
3- غياب الاستماع الحقيقي
في البداية، الاستماع الحقيقي يتجاوز الصمت الظاهري، بل يشمل أيضًا الانتباه الكامل للمشاعر والمعاني. في الواقع، هو حضور ذهني وعاطفي معًا، وليس مجرّد وجود جسدي. لذلك، من بين أخطاء نرتكبها في العلاقة الزوجية أن نستمع فقط من أجل الردّ السريع، لا من أجل الفهم العميق. وبهذه الطريقة، نُفوّت فرصة التواصل الحقيقي، ونُضعف الرابط العاطفي من دون أن نلاحظ.

بيّنت دراسة أجريت في جامعة هارفارد أن 93% من المشاركين شعروا بالإهمال العاطفي عندما تحدّثوا إلى شركائهم دون أن يحصلوا على تفاعل بصري أو لفظي.
ما العلامات التي تُثبت أنك لا تستمعين حقًا؟
– النظر إلى الهاتف أثناء الحديث.
– مقاطعة الحديث لإعطاء نصائح فورية.
– تغيير الموضوع قبل أن يُكمل الشريك فكرته.
ما الحل؟
– نظّمي وقتًا للحوار اليومي من دون مشتتات.
– أظهري التعاطف: “أفهم كيف شعرت”، “يبدو أنك مررت بيوم صعب”.
– لا تُقلّلي من تجارب شريكك حتى لو بدت بسيطة.
الاستماع ليس خدمة، بل تعبير عميق عن الحب والاحترام.
الخلاصة
الزواج علاقة حيّة، تحتاج إلى رعاية يومية، وتغذية بالمشاعر والاهتمام. وكل تصرّف صغير محسوب أو غير محسوب، يترك أثرًا طويل الأمد. لذلك، من المهم أن نكون يقظين في تصرّفاتنا، وأن نسعى دومًا لتطوير أساليب تواصلنا. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ كيف تجعلين من شريك حياتك صديقًا قبل أي شيء؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الزواج ليس اختبارًا لمَن يصمد أكثر رغم الإهمال، بل هو مساحة آمنة نلجأ إليها، خصوصًا عندما تتعب أرواحنا من ضغوط الحياة اليومية. لذلك، من واجبنا أن نحافظ على هذه المساحة دائمًا نظيفة من الغضب غير المبرر، ومليئة بالكلمات الجميلة والإنصات النقي. في الواقع، نحن لا نحتاج في كل مرة إلى مبادرات كبيرة كي نُعبّر عن حبنا. بل على العكس، نحتاج فقط إلى القليل من “النية” في كل ما نقول ونفعل.