هل يتأثر الطفل الأول بالحمل الجديد؟ سؤال يطرحه معظم الأهل عند معرفتهم بقدوم مولود جديد. هذا التساؤل ليس بسيطًا، بل يعكس قلقًا عميقًا بشأن مشاعر الطفل الأول، واستعداده النفسي لاستقبال أخ أو أخت. الطفل الذي كان محور اهتمام العائلة، فجأة يجد نفسه يشارك هذا الاهتمام مع كائن جديد لا يعرفه بعد. هنا تبدأ مرحلة من التحديات العاطفية والسلوكية التي قد تؤثر على نموه وتوازنه الداخلي.
سنعرض في هذا المقال، من خلال دراسات علمية وتحليلات نفسية موثوقة، كيف يمكن أن يتأثر الطفل الأول بالحمل الجديد؟ ما الإشارات التي يجب على الأهل الانتباه لها؟ وما أفضل الطرق لدعمه خلال هذه المرحلة الانتقالية؟. سنتناول هذه المحاور تحت عناوين واضحة، مع تقديم نصائح عملية قائمة على أبحاث حديثة في مجال نمو الطفل النفسي.
تغيرات عاطفية تظهر مبكرًا
التغيير العاطفي هو أول ما يظهر على الطفل الأول مع بداية الحمل.

في كثير من الحالات، يلاحظ الأهل أن الطفل يصبح أكثر التصاقًا بوالدته. قد يطلب النوم بجانبها، أو يعبر عن مخاوف لم يكن يظهرها من قبل. تشير دراسة نُشرت في Journal of Child Psychology and Psychiatry إلى أن الأطفال في سن 2 إلى 5 سنوات يُظهرون تغيرًا في السلوك والانفعالات عند معرفتهم بقدوم شقيق جديد، خاصة إذا لم يتم تحضيرهم نفسيًا. يشعر الطفل بخطر فقدان حبه ومكانته، مما يولّد مشاعر قلق أو حتى عدائية خفية تجاه الجنين.
سلوكيات تحتاج إلى مراقبة
السلوك الظاهري يعكس أحيانًا صراعات داخلية لا يُعبَّر عنها بالكلام.
من بين الإشارات التي تستحق الانتباه: العودة للتبول الليلي، ونوبات الغضب المتكررة، والتمرد على القواعد، أو حتى الصمت المبالغ فيه. هذه السلوكيات لا تعني بالضرورة مشكلة سلوكية حادة، بل قد تكون طريقة الطفل في التعبير عن رفضه أو قلقه. توضح دراسة في Developmental Psychology أن هذه التصرفات تُعد طبيعية نسبيًا، لكنها تحتاج إلى احتواء وليس إلى عقاب.
كما أشار تقرير صادر عن American Academy of Pediatrics إلى أهمية أن يميز الأهل بين السلوك الطبيعي الناتج عن تطور الطفل، وبين السلوك المرتبط بتأثره بالحمل الجديد.
دور الأم في خلق الطمأنينة
تؤدّي الأم الدور المحوري في نقل الأمان للطفل الأول خلال الحمل.

يرتبط الطفل عاطفيًا بأمه أكثر من أي شخص آخر. لذلك، الطريقة التي تُدير بها الأم العلاقة معه خلال الحمل تؤثر مباشرة في استجابته النفسية. عندما تحتفظ الأم بروتينها اليومي معه، وتخصص له وقتًا نوعيًا للحوار واللعب، فإنها ترسخ بداخله شعورًا بأنه ما زال محبوبًا وآمنًا.
تشير أبحاث في Harvard Center on the Developing Child إلى أن الأطفال الذين يشعرون بالأمان في علاقتهم مع أهلهم، يتجاوزون التغيرات العائلية – مثل قدوم مولود جديد – بسهولة أكبر.
أهمية التهيئة المبكرة
يخفّف التحضير النفسي المسبق من حدّة الصدمة العاطفية.
من المهم أن يتم إعلام الطفل بالحمل في وقت مبكر، بطريقة مبسطة ومناسبة لعمره. إنّ استخدام القصص، والرسومات، أو حتى إشراكه في تحضير ملابس الجنين، يُساعد في خلق رابط إيجابي بينه وبين القادم الجديد. هذا لا يعني إجباره على تقبّل الوضع، بل إعطاؤه مساحة آمنة للتعبير عن مشاعره.
في دراسة أجرتها University of Michigan، وُجد أن الأطفال الذين شاركوا في تفاصيل الحمل من البداية، أظهروا سلوكًا أكثر تعاونًا وتقبلًا بعد ولادة المولود.
كيف ندعم الطفل بعد الولادة؟
لا يتوقّف دعم الطفل الأول عند الحمل، بل يستمر بقوة بعد الولادة.

تبدأ المرحلة الحرجة بعد ولادة الطفل الجديد. إذ يُمكن للطفل الأول أن يشعر بالإقصاء حين يرى والدته تُرضع أو تهتم بالمولود باستمرار. لذلك، من المهم أن يشعر بأنه لا يزال مركزًا أساسيًا في العائلة. يمكن للأب أن يؤدّي دورًا تكميليًا هنا، من خلال تمضية وقت خاص مع الطفل، أو إشراكه في أداء المهام اليوميّة.
تشير دراسة منشورة في Infant Mental Health Journal إلى أن تقوية العلاقة بين الأب والطفل الأول أثناء فترة الولادة وبعدها تقلل من حدة الغيرة والاضطرابات السلوكية.
متى نلجأ إلى مختص؟
ليست كل التغيرات تستدعي تدخلًا نفسيًا، لكن بعض الحالات تحتاج إلى دعم مختص.
إذا استمرت السلوكيات المقلقة لأكثر من ثلاثة أشهر بعد الولادة، أو لاحظ الأهل تغيرًا كبيرًا في نمط نوم أو أكل الطفل، وظهرت عليه علامات انسحاب اجتماعي، فمن الأفضل مراجعة مختصّ في نمو الطفل. يُخفّف التدخل المبكر من تأثيرات طويلة الأمد على صحته النفسية.
دعم المختصّ لا يعني وجود مشكلة خطيرة. بل هو وسيلة لضمان توازن الطفل في مرحلة دقيقة من حياته.
الخلاصة
هل يتأثر الطفل الأول بالحمل الجديد؟ نعم، لكن بدرجات متفاوتة، ووفقًا لطبيعة الطفل، وعمره، وطريقة تعامل الأهل. كل طفل يحتاج إلى طمأنة متواصلة، واحتضان شعوره، وتقدير مكانته كونه الأخ أو الأخت الكبرى.
نجاح العائلة في تخطي هذه المرحلة لا يعتمد على منع الطفل من الشعور بالغيرة. بل على مساعدته في التعبير، والاندماج، وتقبل الواقع الجديد بأمان وثقة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ ماذا يحدث لعقلك وجسدك عندما تصبحين أماً؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الطفل الأول لا يطلب الكثير، بل يبحث عن الأمان الذي اعتاد عليه. لا مشكلة في أن يشعر بالغيرة أو بالارتباك، فهذه مشاعر طبيعية. المهم أن يجد حضنًا مفتوحًا، وكلمة صادقة، ونظرة مليئة بالحب. نحن لا نُقلل من مشاعره، بل نعلّمه كيف يحتضنها. بهذا فقط، نمنحه القوة ليكبر مع أخيه دون ألم، بل بمحبة وشراكة تدوم مدى الحياة.