هل الرضاعة الطبيعية تنحف؟ يشغل هذا هو السؤال الذي بال معظم الأمهات بعد الولادة مباشرة، خاصّةً مع التغييرات الجسدية والنفسية التي ترافق هذه المرحلة الحساسة. تُشير تجارب الكثير من النساء إلى فقدان ملحوظ في الوزن أثناء فترة الرضاعة. ما يدفع البعض للاعتقاد بأن هذه العملية الطبيعية قد تكون وسيلة فعالة لاستعادة الرشاقة وتحقيق عناصر اللياقة البدنيّة. لكن، ما الذي يحدث فعلًا في جسمكِ خلال الرضاعة؟ وهل خسارة الوزن ناتجة فقط عن الإرضاع أم لعوامل أخرى؟
في هذا المقال، نكشف لكِ كل الحقائق العلمية حول تأثير الرضاعة على الوزن. سنشرح أولًا كيف تستهلك الرضاعة السعرات الحرارية، ثم نناقش العوامل الأخرى المرتبطة بخسارة الوزن بعد الولادة. كما نسلّط الضوء على الدور الذي تلعبه التغذية والنشاط البدني خلال هذه الفترة. في النهاية، سنجيب بدقة عن سؤال: هل الرضاعة الطبيعية تنحف؟
الرضاعة الطبيعية تحرق السعرات
تُعدّ الرضاعة عملية فسيولوجية تستهلك طاقة كبيرة من جسمكِ. في كل مرة تُرضعين فيها طفلكِ، يفرز الجسم هرمون البرولاكتين الذي يحفّز إنتاج الحليب، ويُرافق ذلك استهلاك ما بين 400 إلى 700 سعرة حرارية يوميًا، بحسب كمية الحليب التي تُنتج. هذه الطاقة تُستمد بشكل أساسي من مخزون الدهون المكتسب أثناء الحمل.

تشير دراسة نُشرت في The American Journal of Clinical Nutrition إلى أن الأمهات المرضعات يفقدن وزنًا أسرع من غيرهن في أول 3 إلى 6 أشهر بعد الولادة. بشرط أن تكون السعرات التي يتم تناولها أقل أو مساوية لتلك التي تُستهلك يوميًا. لذلك، هل الرضاعة الطبيعية تنحف؟ نعم، لكن ضمن شروط معينة تتعلق بتوازن الطاقة.
العوامل التي تُحدّد خسارة الوزن بعد الولادة
رغم أن الرضاعة تستهلك الطاقة، إلا أن فقدان الوزن لا يحدث بنفس المعدل لدى جميع الأمهات. هناك عدة عوامل تؤثر في ذلك، منها:
- الوراثة: يمتلك بعض النساء معدل استقلاب أسرع. مما يسهم في حرق الدهون بكفاءة أكبر.
- النظام الغذائي: قد يُقلل تناول أطعمة عالية السعرات بشكل مستمر من تأثير الرضاعة على خسارة الوزن.
- النوم: تُعيق قلة النوم عملية التمثيل الغذائي وتزيد من هرمونات الجوع مثل الغريلين.
- مستوى النشاط البدني: تُسرّع ممارسة المشي الخفيف أو التمارين البسيطة بعد الولادة عملية حرق الدهون.
لذلك، لا يمكن القول إن الرضاعة وحدها كافية لإنقاص الوزن. بل يجب النظر إلى نمط الحياة العام بعد الولادة.
هل تنحف كل الأمهات المرضعات؟
يلاحظ بعض الأمهات فقدانًا سريعًا في الوزن، بينما يعاني البعض الآخر من ثبات أو حتى زيادة الوزن خلال فترة الرضاعة. لماذا هذا التباين؟ السبب يعود غالبًا إلى اختلاف السلوك الغذائي. فهناك من تلجأ إلى تناول الأكل العاطفي بسبب الشعور بالتعب أو التوتر، أو تتناول وجبات غنية بالسكريات والنشويات كوسيلة لتعويض الطاقة.

كما تُشير دراسة نُشرت في Obesity Reviews إلى أن استهلاك الطعام المفرط خلال فترة الإرضاع قد يُعادل السعرات المحروقة، وبالتالي يَحول دون فقدان الوزن.
إذًا، هل الرضاعة الطبيعية تنحف؟ نعم، لكنها ليست وصفة سحرية. هي أداة فعالة ضمن مجموعة من العوامل التي يجب الانتباه لها.
كيف تعززين تأثير الرضاعة على خسارة الوزن؟
من المهم دعم الرضاعة بنمط حياة صحي لتحقيق أفضل النتائج. إليكِ بعض النصائح الفعالة:
- ركّزي على تناول البروتين والخضروات: تمنحكِ هذه الأطعمة شعورًا بالشبع لفترة أطول وتدعم إنتاج الحليب.
- اشربي الماء بكثرة: يُسهم الترطيب في تحفيز عملية التمثيل الغذائي وإدرار الحليب.
- مارسي نشاطًا بسيطًا يوميًا: يُعَدّ المشي 20 دقيقة كافٍ لتحريك الدورة الدموية وزيادة الحرق.
- نامي قدر الإمكان: قلة النوم تعرقل خسارة الوزن، لذا حاولي تنظيم أوقات نومكِ بقدر المستطاع.
باتباع هذه العادات، تُصبح الرضاعة أداة فعّالة لخسارة الوزن بطريقة طبيعية وآمنة.
الرضاعة ليست فقط لخسارة الوزن
حتى لو لم تخسري وزنكِ بالسرعة التي تتوقعينها، فإن الرضاعة تقدم لكِ فوائد صحية عظيمة. فهي تقلل من خطر الإصابة بسرطان الثدي والمبيض، وتُسهم في تنظيم الهرمونات. كما أنّها تساعد على تقوية العلاقة بينكِ وبين طفلكِ من خلال تعزيز التواصل الجسدي والعاطفي.

كما أظهرت دراسات عديدة أن الرضاعة تُساعد في تقلّص الرحم وعودته إلى حجمه الطبيعي بعد الولادة، ما يُسرّع عملية الشفاء ويُحسّن شكل البطن تدريجيًا.
الخلاصة
في النهاية، يبقى السؤال مطروحًا: هل الرضاعة الطبيعية تنحف؟ الإجابة نعم، ولكن بشرط أن تُمارسي الرضاعة ضمن نمط حياة صحي ومتوازن. الرضاعة وحدها لا تكفي، بل تحتاج إلى دعم من التغذية السليمة، والنوم الجيد، والنشاط الجسدي المعتدل. لا تتركي ضغط استعادة الوزن يؤثر على تجربتكِ كأم جديدة. المهم أن تمنحي جسدكِ الوقت الكافي للتعافي، وتضعي صحتكِ وصحة طفلكِ في المقام الأول. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن فوائد الرضاعة الطبيعية للام.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الرضاعة الطبيعية هي أكثر من مجرد وسيلة لخسارة الوزن. هي فرصة لتقوية الروابط مع الطفل، واستعادة ثقة الأم بجسدها بطريقة تدريجية وآمنة. لا تجعلي الميزان مقياسكِ الوحيد، بل انظري إلى كل التغييرات التي تحدث داخلكِ وخارجكِ كعلامات نموّ وتجدد.