في الحقيقة، لا تُقدَّر فوائد الرضاعة الطبيعية للام بثمن. فهي ليست فقط وسيلة لتغذية الطفل، بل تجربة عميقة تغيّر حياة الأم من نواحٍ متعددة. كثيرًا ما يُسلَّط الضوء على منافع الرضاعة للرضيع. لكن ما تجهله كثيرات هو أن جسد الأم وعقلها يمران برحلةٍ من التجدّد، والتوازن، وحتى الحماية من الإصابة بالأمراض الخطيرة. لا تُعَدّ الرضاعة الطبيعية مجرّد مرحلة مؤقّتة، بل هدية ممتدة تمنح الأم طاقة مختلفة ومناعة أقوى وعلاقة أمتن بطفلها.
في هذا المقال، سنكشف لكِ عن أبرز فوائد الرضاعة الطبيعية للام. مدعومة بأحدث الدراسات العلمية، وسننتقل من التأثيرات الجسدية إلى المنافع النفسية. ثم نتناول دور الرضاعة في الوقاية من الأمراض، قبل أن نصل إلى الخاتمة التي تجمع هذه الصورة الكاملة وتمنحكِ دافعًا حقيقيًا للاستمرار.
تعيد تشكيل جسدكِ بعد الولادة
يمرّ جسمكِ بعد الولادة بتغيرات سريعة. تساعدكِ الرضاعة الطبيعية على استعادة رشاقتكِ بشكل طبيعي. إذ يحرق الجسم سعرات حرارية إضافية لإنتاج الحليب، ما يساهم في خسارة الوزن الزائد. كما أن الرضاعة تُحفّز انقباضات الرحم. ما يُسرّع من عودته إلى حجمه الطبيعي ويُقلّل من خطر النزيف.

أكدت دراسة منشورة في American Journal of Clinical Nutrition أن الأمهات المرضعات يفقدن الدهون المتراكمة بشكل أسرع من غير المرضعات. خصوصًا إذا واصلن الرضاعة لأكثر من 12 أسبوعًا. وهذا يعني أن الرضاعة تعمل كأداة طبيعية لإعادة ضبط الجسم بعد الحمل.
تحسّن الحال النفسية وتُخفّف من اكتئاب ما بعد الولادة
من المهم أن تعرفي أن فوائد الرضاعة الطبيعية للام تشمل الصحة النفسية أيضًا. عند إرضاعك لطفلكِ، يُفرز جسمكِ هرمون الأوكسيتوسين، المعروف بهرمون الحب. يُعزّز هذا الهرمون الشعور بالهدوء والارتباط، ويُقلّل من مستويات الشعور بالتوتر والقلق.
أظهرت دراسة نُشرت في Archives of Women’s Mental Health أن النساء اللواتي يرضعن أطفالهن طبيعيًا يكنّ أقل عرضة للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة بنسبة تصل إلى 50% مقارنة بغيرهن. تخلق الرضاعة نوعًا من الاتصال العاطفي العميق بين الأم والرضيع، ما يُشعر الأم بالإنجاز والطمأنينة.
تحميكِ من الإصابة بأمراض خطيرة على المدى البعيد
لا تعود الرضاعة بالفائدة فقط خلال أشهر الولادة الأولى، بل تترك أثرًا وقائيًا طويل الأمد. فقد كشفت أبحاث حديثة في The Lancet أن النساء اللواتي يُرضعن لمدة 6 أشهر أو أكثر ينخفض لديهن خطر الإصابة بسرطان الثدي بنسبة تصل إلى 20%.

إضافة إلى ذلك، فإن الرضاعة تُقلّل من احتمالية الإصابة بسرطان المبيض، ومرض السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب. لا تأتي هذه الفوائد من الحليب ذاته، بل من التوازن الهرموني الذي تُحدثه الرضاعة، ومن الاستخدام المنتظم للطاقة المخزّنة في الجسم.
تعزّز ثقتكِ بنفسكِ وتقوّي علاقتكِ بطفلكِ
في كل مرة تحتضنين فيها طفلكِ وترضعينه، تتكوّن بينكما رابطة فريدة من نوعها. هذا القرب الجسدي والعاطفي لا يُعزّز نمو الطفل فقط. بل يمنحكِ شعورًا بالقوة، والقدرة، والدور الفعّال.
من الناحية النفسية، تُعتبر هذه اللحظات بمثابة وقود عاطفي يومي. أظهرت تقارير من منظمة الصحة العالمية أن الأمهات المرضعات يُظهرن ثقة أكبر في قدراتهن الوالدية، ويشعرن برضا أكبر عن أدائهن ودورهن داخل الأسرة.
توفّر عليكِ الوقت والمال وتُقلّل من الشعور بالتوتر
قد يبدو الأمر بسيطًا، لكن من بين فوائد الرضاعة الطبيعية للام توفير الوقت والجهد. لا حاجة لتعقيم الزجاجات أو تحضير الحليب الصناعي، فالحليب الطبيعي دائمًا جاهز بدرجة الحرارة المثالية. تُقلّل هذه السهولة من شعوركِ بالتوتّر اليومي وتُسهّل روتينكِ مع المولود.

إضافةً إلى ذلك، فإن الرضاعة الطبيعية تُعد خيارًا اقتصاديًا. بحسب تقرير من UNICEF، يُمكن للأسرة أن تُوفّر مئات الدولارات خلال السنة الأولى إذا اختارت الرضاعة الطبيعية بدلًا من الحليب الصناعي. ومع تكرار الرضاعة، تزداد مرونتكِ في إدارة الوقت بين الراحة ورعاية الطفل.
الخلاصة
باختصار، لا تقتصر فوائد الرضاعة الطبيعية للام على كونها وسيلة لتغذية الطفل. بل تتعدى ذلك لتكون عملية متكاملة تُعيد لجسدكِ توازنه بعد الحمل والولادة، وتُعزّز من تعافيكِ الجسدي عبر تحفيز انقباضات الرحم وخسارة الوزن الزائد بطريقة طبيعية. كذلك، تُساهم في استقراركِ النفسي عبر إفراز هرمونات مثل الأوكسيتوسين التي تُقلّل من الشعور بالتوتر وتمنحكِ شعورًا بالطمأنينة والارتباط بطفلكِ. ومن الناحية الصحية، تُشكّل الرضاعة درعًا واقيًا ضدّ الأمراض المزمنة مثل سرطان الثدي وسكري النوع الثاني وأمراض القلب. مما يجعلها أكثر من مجرد مهمة أمومية، بل استثمارًا حقيقيًا طويل الأمد في صحتكِ الجسدية والعاطفية. كل لحظة تمضينها في الرضاعة هي بناء متين لصحتكِ ومستقبل طفلكِ، تُرسّخ فيها مشاعر الأمومة، وتمنحين فيها نفسكِ فرصة للشفاء والنمو معًا. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن ممارسات نفسية مثبتة تعزز إدرار الحليب بشكل ملحوظ.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أجد أن الرضاعة الطبيعية ليست فقط مرحلة بيولوجية، بل تجربة ناعمة ومليئة بالقوّة. تمنحكِ فرصة لإعادة الاتصال بذاتكِ كأنثى، وتزرع بداخلكِ طمأنينة لا تُقدّر بثمن. لا تتردّدي في منح نفسكِ هذه النعمة، حتى إن واجهتِ صعوبات في البداية، فالنتائج تستحق العناء وتُغيّر حياتكِ بالكامل.