هل قلة النشاط تُربك حياتكِ اليومية منذ اللحظة الأولى للاستيقاظ؟ وتشعرين بأن جسمكِ لا يستجيب لرغبتكِ في أداء أبسط المهام؟. لا تقلقي، لستِ وحدكِ! تعاني كثير من الأمهات من هذه المشكلة التي باتت تُعدّ ظاهرة منتشرة بشكل لافت بين النساء في مراحل مختلفة من الأمومة. خصوصًا في ظل الضغوط النفسية والجسدية اليومية.
في هذا المقال، سنستعرض أبرز 5 أسباب تؤدّي إلى المعاناة من قلّة النشاط لدى الأمهات، مع تقديم شرح علمي مبسّط لكل عامل، ونصائح سريعة تساعدكِ على استعادة نشاطكِ تدريجيًّا. تابعي القراءة لتكتشفي الأسباب الحقيقية التي تؤثر على طاقتكِ، بعيدًا عن الأحكام المسبقة.
الحرمان المزمن من النوم
تُعتبَر قلة النوم من أكثر الأسباب شيوعًا خلف قلة النشاط. في الواقع، أشارت دراسة نُشرت في مجلة Sleep Health عام 2022 إلى أن نوم الأمهات في السنوات الأولى بعد الولادة ينخفض بمعدّل 40% مقارنةً بالفترة السابقة.

عندما لا تحصلين على نوم كافٍ وعميق، يختل توازن الهرمونات التي تنظم طاقتكِ مثل الكورتيزول والميلاتونين. كما يُعاني دماغكِ من تراجع في نشاط القشرة الجبهية، ما يؤدي إلى ضعف التركيز، والشعور بالتعب السريع، وحتى الشعور بالانزعاج العاطفي.
لذلك، من الضروري أن تُحاولي تنظيم ساعات نومكِ كلما استطعتِ، خصوصًا في فترات الليل. حاولي الاستعانة بمساعدة العائلة، ولو لساعتين متواصلتين من الراحة.
نقص الحديد أو الفيتامين B12
تُشير الأبحاث الطبية إلى أنّ نقص الحديد، وخاصةً بعد الولادة أو خلال فترات الحيض الكثيف، يؤدي إلى فقر دم خفيف أو متوسط، ما يُنتج عنه قلة النشاط والشعور بالتعب المتواصل. كذلك، يُعَدّ نقص الفيتامين B12 من الأسباب المخفيّة خلف الإجهاد المزمن والضعف العضلي.
بحسب مراجعة علمية نشرتها Mayo Clinic عام 2023، فإن النساء في سن الإنجاب بحاجة إلى مراقبة مستويات هذه العناصر الحيوية من خلال إجراء فحوصات دوريّة، لأن عوارض النقص غالبًا ما تتشابه مع تلكِ التعلّقة بالتعب النفسي أو القلق.
احرصي على تناول الأطعمة الغنية بالحديد مثل العدس، والسبانخ، والكبدة، ولا تهملي مكملات B12 إذا نصح بها طبيبكِ.
الضغوط النفسية والإجهاد العقلي
لا يُمكن تجاهل دور الصحة النفسية في تفسير قلة النشاط الجسدي. التوتر المستمر، والتفكير المفرط، والشعور بالذنب تجاه الأبناء أو العمل.. كلها عوامل تؤثر سلبًا على جهازكِ العصبي.

يُفرز الجسم كميات مفرطة من الكورتيزول في حالات الضغط النفسي المزمن، ممّا يُربك الساعة البيولوجية الداخلية ويُضعف استجابة العضلات والدماغ. بحسب الجمعية الأمريكية للطب النفسي، فإن الأمهات المرهقات ذهنيًّا يُعانين من إرهاق أكبر من غيرهن حتى مع حصولهن على قسطٍ كافٍ من النوم.
لذلك، مارسي بعض تقنيات الاسترخاء مثل تمارين التنفس العميق، والتأمل، أو حتى جلسة قصيرة من المشي في الطبيعة.
التغذية غير المتوازنة
هل تبدأين يومكِ بفنجان قهوة فقط؟ وهل تعتمدين على الكربوهيدرات السريعة لتأمين الطاقة؟. هذا النمط الغذائي هو أحد المساهمين الخفيين في المعاناة من قلة النشاط اليومية.
عندما تُفرطين في تناول السكريات المكرّرة أو تهمِلين البروتينات والألياف، فإن نسبة السكر في دمكِ ترتفع بسرعة ثم تهبط فجأة. ما يُسبّب نوعًا من “الهبوط الطاقي” الذي يتكرّر خلال النهار.
تُشير مجلة Nutrition Reviews في عددها لعام 2021 إلى أن النساء اللواتي يستهلكن وجبات غنية بالبروتين والخضار والبقوليات يتمتعن بمستوى طاقة أعلى بنسبة 35% مقارنةً بغيرهن.
ابدئي يومكِ بتناول وجبة فطور مغذية تحتوي البيض، والشوفان، أو الزبادي مع الفواكه الطازجة، ووزّعي وجباتكِ خلال اليوم بطريقة ذكية ومتنوعة.
قلة الحركة والنشاط البدني
قد يبدو الأمر متناقضًا، لكن قلة الحركة تزيد من قلة النشاط. نعم! حينما تظنين أن الاستلقاء هو الحلّ للتعب، فأنتِ في الواقع تُعززين الكسل الجسدي.

أثبتت دراسة من جامعة هارفارد عام 2020 أن ممارسة الرياضة البسيطة لمدة 20 دقيقة يوميًّا – مثل المشي أو التمدد – كفيلة بتحفيز إنتاج الإندورفين، وهو الهرمون المسؤول عن الشعور بالنشاط والحيوية.
إنّ ممارسة الرياضة تُنشّط الدورة الدموية وتُحسّن من تروية الدماغ والعضلات. كما أنها تُقلّل من الشعور بالتوتّر، وتُساعدكِ في النوم بشكل أفضل. ممّا يُعيد التوازن لنشاطكِ الجسدي والعقلي معًا.
الخلاصة
قلة النشاط ليست مجرد شعور عابر بالتعب، بل هي مؤشر يحتاج إلى وعي وتدخّل بسيط لكن منظّم. لا تُحمّلي نفسكِ مسؤولية غيركِ، ولا تستسلمي لفكرة أن الإرهاق جزء من “التضحية بالأمومة”. جسمكِ يحتاج إلى عناية مستمرة، وعقلكِ بحاجة إلى راحة، ونمط حياتكِ يستحق المراجعة بين الحين والآخر.
تذكّري أن الحلول لا تكون دائمًا صعبة أو مكلفة. كما أنّ اتّباع خطوات صغيرة مثل تغيير عادات النوم، وتحسين نوعية الطعام، أو تخصيص ربع ساعة يوميًّا للمشي قد تصنع فارقًا كبيرًا في مستوى طاقتكِ. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن الحقيقة الصادمة خلف صراخ الأمهات.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن قلة النشاط عند الأمهات ليست مشكلة شخصية بل هي ظاهرة مجتمعية مرتبطة بسوء التوزيع بين الأدوار المنزلية والاجتماعية. نحن بحاجة إلى مزيد من الوعي والدعم النفسي والجسدي للأم، بدءًا من العائلة الصغيرة وصولًا إلى سياسات العمل ورعاية الأطفال. لا يكفي أن نطلب من الأم أن “ترتاح”، بل يجب أن نوفّر لها الظروف التي تسمح بذلك. دعينا نبدأ نحن، كل واحدة منّا، بتقدير ذاتنا ومنح أنفسنا وقتًا نحتاجه لنُكمل المسيرة بقوّة وثقة.