يُعَدّ التعرّف على عدد ساعات نوم الرضيع من أكثر الأمور التي تشغل بال كل أم جديدة. منذ اللحظة الأولى للولادة، يبدأ الرضيع في نمط نوم غير منتظم، وقد يبدو غريبًا أو مزعجًا في بعض الأحيان. لكن الحقيقة أن النوم هو حجر الأساس لنمو الطفل السليم، العقلي والجسدي. فمتى يكون نوم الرضيع غير طبيعي؟
من خلال هذا الدليل المفصّل، ستكتشفين كيف يتغيّر نوم رضيعك من شهر إلى آخر، ومتى يُعتبر نومه طبيعيًا، ومتى يستدعي القلق. سنقسّم المقال إلى مراحل عمرية، مع تقديم معلومات علمية دقيقة ودعمها بنصائح عملية لكل أم تبحث عن الطمأنينة.
1- من الولادة حتى عمر شهر
في هذه المرحلة، يكون نوم الرضيع غير منتظم. ينام الطفل حديث الولادة ما بين 16 إلى 18 ساعة يوميًا، لكنه يستيقظ كل ساعتين إلى ثلاث لتناول الحليب.

يشير تقرير الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) إلى أن الرضع في هذا العمر لا يميزون بين الليل والنهار. لذلك، يستيقظون كثيرًا. ومن المهم في هذا الوقت عدم فرض أي جدول نوم، بل يُفضَّل الاستجابة لحاجاته الطبيعية.
في هذه الأسابيع الأولى، يشكّل النوم وسيلة للشفاء من الإجهاد الناتج عن الولادة، ولمساعدة الدماغ على بدء النمو بشكل صحيح.
2- من عمر شهر إلى ثلاثة أشهر
هنا يبدأ عدد ساعات نوم الرضيع بالاستقرار تدريجيًا. ينام ما بين 14 إلى 17 ساعة يوميًا، وتبدأ فترات نومه الليلية بالزيادة شيئًا فشيئًا.
تُظهر الأبحاث الحديثة أن الجهاز العصبي للرضيع يبدأ في التطور خلال هذه الفترة. ما يساعد على تحسين أنماط النوم. وقد ينام الرضيع لمدّة 4 إلى 6 ساعات متواصلة ليلًا، خاصةً إذا شعر بالشبع والراحة.
نصيحة مهمة: احرصي على توفير بيئة نوم هادئة وخافتة الإضاءة في الليل، مقابل بيئة أكثر إنارة ونشاطًا في النهار. ليساعد ذلك في ترسيخ مفهوم الليل والنهار.
3- من عمر ثلاثة إلى ستة أشهر
خلال هذا العمر، يتحسن تنظيم النوم أكثر. عادةً، ينام الطفل ما بين 12 إلى 15 ساعة يوميًا. تصبح فترات النوم الليلية أطول، ويمكن أن تصل إلى 6 أو حتى 8 ساعات من دون انقطاع.

بحسب مؤسسة النوم الوطنية (National Sleep Foundation)، تبدأ الساعة البيولوجية للرضيع بالعمل بفعالية أكبر. ما يساعده على الدخول في دورات نوم منتظمة تشبه نمط الكبار، لكن بشكل مبسط.
في هذا العمر، يمكن البدء بوضع روتين نوم بسيط: حمام دافئ، وتهويدة، وإضاءة خافتة، أو ضوضاء بيضاء للاطفال لنوم هادئ وعميق. كل هذه العوامل تساهم في تهدئة الجهاز العصبي ومساعدة الطفل على النوم العميق.
4- من ستة إلى اثني عشر شهرًا
الآن، يصبح عدد ساعات نوم الرضيع أكثر انتظامًا. في هذا العمر، ينام معظم الأطفال ما بين 12 إلى 14 ساعة، منها حوالي 9 إلى 11 ساعة في الليل، والباقي على شكل قيلولتين نهاريتين.
تشير دراسة نُشرت في مجلة Sleep Medicine أن الرضع الذين يحصلون على نوم كافٍ خلال الليل يُظهرون تطورًا معرفيًا ولغويًا أفضل. كما أن النوم المتواصل يدعم تطور الجهاز المناعي وتنظيم المشاعر والسلوك.
في المقابل، إذا لاحظتِ صعوبة متكررة في النوم أو قلقًا ليليًا مستمرًا، فقد يكون السبب اضطرابًا بسيطًا مثل علامات التسنين أو القلق من الانفصال. وهنا يُفضَّل استشارة طبيب الأطفال للتقييم.
عوامل تؤثر على عدد ساعات نوم الرضيع
من الضروري فهم أن نوم الرضيع لا يتأثر فقط بالعمر، بل هناك مجموعة من العوامل الأخرى:

- الرضاعة: يستيقظ الأطفال الذين يرضعون طبيعيًا أكثر من غيرهم، لأن حليب الأم يُهضم بسرعة.
- البيئة: تؤدّي الإضاءة، ودرجة الحرارة، والضوضاء دورًا كبيرًا في جودة النوم.
- النشاط النهاري: الطفل الذي يمارس نشاطًا خلال النهار، مثل الزحف أو اللعب، غالبًا ما ينام بشكل أفضل.
- الحالة الصحية: التهابات الأذن، ومشاكل الجهاز الهضمي، أو الحساسية، يمكن أن تعيق النوم المنتظم.
يجب مراقبة هذه العوامل، لأن بعضها قابل للتعديل، وقد يُحدث فرقًا كبيرًا في نوم الطفل.
متى يجب القلق بشأن نوم الرضيع؟
ليس دائمًا قلة النوم تعني وجود مشكلة، لكن هناك إشارات معينة تستدعي الانتباه:
- إذا نام الطفل أقل من 10 ساعات يوميًا بعد عمر 6 أشهر.
- إذا كانت فترات النوم دائمًا متقطعة ومصحوبة ببكاء شديد.
- إذا لاحظتِ أن الطفل يبدو دائم التعب خلال النهار.
في هذه الحالات، من الأفضل مراجعة طبيب الأطفال أو استشاري النوم للأطفال، لاستبعاد أي أسباب صحية أو سلوكية.
في النهاية، يتغيّر عدد ساعات نوم الرضيع بشكل طبيعي مع التقدّم في العمر. كل طفل فريد، وما يُعدّ طبيعيًا لطفل قد لا يكون كذلك لآخر. المهم أن تتم مراقبة نومه بهدوء، وتوفير بيئة داعمة، وتجنّب القلق الزائد.
النوم الجيد ينعكس بشكل إيجابي على تطور الطفل الجسدي والعقلي، ويمنح الأم أيضًا بعض الوقت للراحة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وأخبرناكِ كيف تفهمين لغة طفلك قبل أن يبدأ بالكلام؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن فهم نمط نوم الرضيع يُشكّل أداة تمكينية لكل أم، وليس مصدرًا للقلق. حين تدركين أن التغيّرات التي تحصل طبيعية ومدروسة، تشعرين بمزيد من السيطرة والطمأنينة. لا تبحثي عن الكمال في نوم الطفل، بل عن التوازن والانسجام. كل مرحلة تحمل تحدياتها، لكن مع المعرفة والهدوء، يمكن تجاوزها بثقة. وإن واجهتِ أي صعوبات، تذكّري أن الدعم متاح دائمًا، سواء من طبيب أو من تجارب أمهات سبقنك في الرحلة.