لا شكّ أنّ الاطّلاع على الاكلات الممنوعة للحامل موضوع أساسي لأنّ التغذية أثناء الحمل تحدّد سلامة نموّ الجنين في الرحم وصحّة الأم معًا. تبدو بعض الأطعمة بريئة، لكنّها قد تحمل بكتيريا، وسمومًا، أو مركّبات ضارّة تؤثّر في أعضاء الطفل وهو لا يزال في رحمكِ. لذلك، يوصي الأطباء بوعيٍ أكبر تجاه كل ما يدخل إلى مائدة الحامل.
في هذا المقال سنعرض أهم خمس مجموعات غذائية يجب على الحامل الحذر منها. سنوضّح المخاطر العلمية وراء كل نوع، ونقدّم البدائل الآمنة، كي تتمكّني من اتخاذ قرارات غذائية صحيحة.
اللحوم النيّئة أو غير المطهوّة جيّدًا
تشكّل اللحوم مصدرًا أساسيًا للبروتين، والحديد، والفيتامينات الضرورية لنموّ خلايا الجنين، لكنّها تصبح خطيرة إذا لم تُطهَ بشكل كامل. تحتوي اللحوم النيّئة، والدجاج، والمأكولات البحرية غير الناضجة على بكتيريا مثل السالمونيلا، والليستيريا، والتوكسوبلازما. هذه الجراثيم قادرة على عبور المشيمة والتأثير مباشرة في الجنين، ما يعرّضه لمضاعفات قد تكون طويلة الأمد.

تشير تقارير منظمة الصحّة العالمية إلى أنّ العدوى بالتوكسوبلازما أثناء الحمل قد تؤدّي إلى تشوّهات عصبية أو مشاكل في البصر عند الطفل. كذلك، يمكن أن تؤدّي السالمونيلا إلى جفاف شديد أو ولادة مبكرة، بينما قد تتسبّب الليستيريا في فقدان الحمل. إضافة إلى ذلك، يوضّح خبراء التغذية أنّ الجهاز المناعي للحامل يكون أضعف من المعتاد، ما يجعلها أكثر عرضة لالتقاط هذه العدوى.
الحل الآمن هو طهي اللحوم على حرارة مناسبة حتّى تنضج من الداخل والخارج، مع تجنّب تذوّق الأطعمة قبل نضجها الكامل. كما يُنصح باستخدام أدوات منفصلة لتقطيع اللحوم النيّئة والخضار الطازجة لتجنّب انتقال الجراثيم. غسل اليدين جيّدًا بعد لمس اللحوم، والتأكّد من نظافة أسطح المطبخ، خطوات بسيطة لكنها تمنع كثيرًا من المخاطر غير المرئية.
الأسماك الغنيّة بالزئبق
السمك غذاء مهم للحامل لأنّه يمدّ الجسم بالبروتينات الخفيفة والأحماض الدهنية الأساسية. لكن بعض الأنواع قد تحمل مستويات مرتفعة من الزئبق مثل سمك القرش، وأبو سيف، والماكريل الملكي. الزئبق معدن سام يتراكم في أنسجة الدماغ والجهاز العصبي للجنين، ما قد يسبّب ضررًا طويل الأمد لا يظهر مباشرة بعد الولادة.
تشير الدراسات المنشورة في Mayo Clinic إلى أنّ التعرّض المزمن للزئبق خلال الحمل يرتبط بضعف الإدراك، وصعوبات في التركيز، وتراجع في مستوى الذاكرة عند الأطفال. كما أوضحت أبحاث أخرى في Environmental Health Perspectives أنّ الزئبق قد يؤثّر أيضًا في نموّ الجهاز المناعي والغدد الصمّاء لدى الأجنّة. لذلك، يشدّد الأطباء على ضرورة التوازن في استهلاك الأسماك.
مع ذلك، لا يعني هذا الامتناع عن السمك كليًا. الأنواع الآمنة مثل السلمون، والسردين، والتونة الخفيفة المعلّبة، غنية بأحماض أوميغا 3 التي تدعم نموّ الدماغ وشبكية العين عند الطفل. المهم اختيار الأنواع قليلة الزئبق، والحرص على تناول حصتين إلى ثلاث حصص أسبوعيًا بكمّيات معتدلة. من المفيد أيضًا تنويع مصادر البروتين البحري بالاعتماد على الجمبري أو الأسماك البيضاء، إذ تعتبر أكثر أمانًا وتقدّم عناصر غذائية مهمّة مثل اليود والفيتامين D.
الأجبان الطريّة غير المبسترة
الأجبان من الأطعمة المحبّبة لدى كثير من النساء، لكن الأجبان الطريّة المصنوعة من حليب غير مبستر مثل الفيتا، والبري، والكامامبير قد تحتوي بكتيريا الليستيريا. هذه البكتيريا تستطيع عبور المشيمة وإصابة الجنين مباشرة.

قد تسبّب الليستيريا إجهاضًا أو ولادة مبكرة. المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض أوضح أنّ النساء الحوامل أكثر عرضة بعشر مرّات للإصابة بهذه العدوى مقارنة بغيرهن. الحل يكمن في التأكّد من أنّ كل منتج جبن مكتوب عليه “مبستر”، أو استبدال الأجبان الطريّة بالأنواع الصلبة مثل الشيدر أو البارميزان.
الكافيين الزائد والمشروبات الغازية
الكافيين مادّة منبّهة موجودة في القهوة، والشاي، والمشروبات الغازية، ومشروبات الطاقة. الحامل التي تستهلك كميّة كبيرة منه قد تعرّض جنينها لخطر انخفاض الوزن عند الولادة أو اضطرابات في ضربات القلب. تشير أبحاث الكلية الأمريكية لأطباء النساء والولادة إلى أنّ الحدّ الأعلى المسموح هو ٢٠٠ مليغرام يوميًا. أي ما يعادل كوبًا واحدًا من القهوة المتوسّطة.
لا يقتصر الخطر على القهوة فقط. بعض المشروبات الغازية تحتوي كافيين، إضافةً إلى نسب عالية من السكّر الذي يزيد احتمال الإصابة بسكّري الحمل. لذلك يُفضّل شرب الماء، أو العصائر الطبيعية المبسترة، أو شاي الأعشاب الآمن بعد استشارة الطبيب.
الأطعمة المعالجة والمعلّبات
الأطعمة الجاهزة، واللحوم الباردة، والمعلّبات تبدو سهلة وسريعة، لكنّها مليئة بالمواد الحافظة، والدهون المتحوّلة، والأملاح الزائدة. هذه العناصر ترفع ضغط الدم، وتزيد احتباس السوائل، وقد تؤثّر سلبًا في نموّ المشيمة.

أظهرت دراسة منشورة في Journal of Nutrition أنّ الاستهلاك العالي للأطعمة المعالجة أثناء الحمل يرتبط بزيادة خطر السمنة لدى الأطفال مستقبلًا. لذلك، من الأفضل تحضير وجبات طازجة في المنزل، واختيار الحبوب الكاملة، والخضار، والفواكه كبدائل صحّية.
الخلاصة
أخيرًا، تبيّن لنا أنّ الاكلات الممنوعة للحامل ليست تفصيلًا بسيطًا بل قاعدة أساسية لحماية الجنين. اللحوم النيّئة، والأسماك الغنيّة بالزئبق، والأجبان غير المبسترة، والكافيين المفرط، والأطعمة المعالجة، كلّها تشكّل مصادر خطر حقيقية إذا لم يتم الانتباه إليها. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ متى يتحرك الجنين ويشعر بكِ؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ وعي الحامل هو خط الدفاع الأوّل عن طفلها. كل لقمة تؤثّر في مستقبل صغير يتكوّن داخل الرحم. لذلك، أنصح كل امرأة حامل بالبحث، وطرح الأسئلة على طبيبها، والحرص على بدائل آمنة تعطيها الطمأنينة. التغذية ليست مجرّد عادة يومية، بل هي رسالة أمومة تبدأ قبل الولادة وتستمرّ مدى الحياة.