متى يتحرك الجنين ويبدأ بالتعبير عن وجوده داخل الرحم؟ هذا السؤال يرافق كل امرأة في بداية حملها، لأنّ اللحظة التي تشعر فيها الأمّ بحركة طفلها تمثّل حدثًا استثنائيًا يربطها أكثر بالجنين. هذه الركلات الصغيرة ليست مجرّد إحساس عابر، بل علامة على مراحل متقدّمة من نمو الجهاز العصبي والعضلي. لذلك فإنّ معرفة توقيت الحركة الأولى تساعد الأمّ على الاطمئنان على تطوّر الحمل ونموّ الجنين في الرحم بشكل طبيعي.
أمّا في هذا المقال فسوف نسلّط الضوء على متى يبدأ الجنين بالحركة، والعوامل التي تؤثّر في توقيتها، والدلالات العلميّة لهذه الحركات المبكرة. كما سنستعرض الحقائق الطبيّة التي تفسّر كيف يشعر بكِ الجنين أثناء الحمل، إضافة إلى نصائح للأمّ لزيادة تواصلها مع طفلها قبل الولادة. وفي الختام سنختتم بخلاصة حول قيمة هذه التجربة العاطفية والعلميّة في آنٍ واحد.
بداية الحركة: متى تبدأ الأمّ بالشعور بالركلات؟
تُعتبر حركة الجنين علامة واضحة على سلامة نموّه، وهي من اللحظات التي تمنح الأمّ شعورًا بالطمأنينة والانتماء إلى حياة تنمو داخلها. غالبًا ما تبدأ الأمّ بالشعور بهذه الحركة بين الأسبوع السادس عشر والأسبوع العشرين من الحمل. في البداية تكون الإشارات خفيفة أشبه بفقاعات صغيرة أو رفرفة غير مألوفة، ما يجعل بعض النساء في حيرة من أمرهنّ. لكن مع نموّ الطفل وتطوّر جهازه العضلي والعصبي، تتحوّل هذه الإشارات إلى ركلات واضحة وقويّة يمكن تمييزها بسهولة.

العامل الزمني هنا يرتبط بعوامل متعدّدة. فالنساء اللواتي يمررن بالحمل الأوّل قد يتأخرن قليلًا عن النساء اللواتي سبق لهنّ الحمل. السبب أنّ الخبرة السابقة تساعد المرأة على التمييز بين الحركة الجنينيّة الحقيقية والتقلّصات الطبيعيّة للأمعاء. كما أنّ وزن الأمّ وبنية جسدها قد يؤثّران في إدراك الإحساس، إذ تشعر النساء النحيلات بالحركة في وقت أبكر مقارنة بغيرهنّ. لذلك فإنّ السؤال “متى يتحرك الجنين؟” لا يملك إجابة واحدة مطلقة، بل يتأثّر بعوامل جسديّة وخبرة سابقة وظروف الحمل. ومن هنا تأتي أهميّة متابعة الطبيب الذي يشرح للأمّ التطوّر الطبيعي للحمل ويساعدها على فهم هذه المرحلة الدقيقة.
العوامل المؤثّرة في توقيت الحركة الأولى
هناك عوامل علميّة متعدّدة تفسّر اختلاف التوقيت بين امرأة وأخرى. يؤثّر حجم الأمّ وبنية جسدها في شدّة الإحساس. فالنساء النحيلات يشعرن بالحركة في وقت أبكر مقارنة بالنساء اللواتي يمتلكن طبقة دهنيّة سميكة في جدار البطن. كما أنّ موقع المشيمة يترك أثرًا كبيرًا. فإذا كانت المشيمة في الجهة الأماميّة، قد تُخفّف من الإحساس بركلات الجنين، بينما إذا كانت في الخلف، تُنقل الحركات بشكل أوضح.
إضافةً إلى ذلك، يؤدّي عمر الحمل دورًا مهمًا. فمع تقدّم الأسابيع، يزداد حجم الجنين وتزداد حركاته قوّة وتنوّعًا. ومن جهة أخرى، هناك اختلافات فرديّة بين الأجنّة أنفسهم. فبعضهم يُظهر نشاطًا مبكرًا، بينما بعضهم الآخر يبقى أكثر هدوءًا. وهذا التباين طبيعي ولا يدلّ بالضرورة على وجود مشكلة صحيّة.
ما الذي يحدث علميًّا داخل رحمكِ؟
الحركة الجنينيّة ليست مجرّد انعكاسات عضليّة عشوائيّة. توضح الدراسات العلميّة أنّ هذه الحركات تعكس تطوّر الجهاز العصبي المركزي. مع بداية الأسبوع الثامن، يبدأ الجنين بتحريك أطرافه داخل الرحم، لكن الأمّ لا تشعر بها لأنّها تكون ضعيفة جدًا. مع اكتمال الأعصاب واتّصالها بالعضلات، تتحوّل الحركات إلى ركلات أقوى وأكثر تنسيقًا.

من الناحية الطبيّة، هذه الحركات تسمح للجنين بتقوية عضلاته وتدريب جهازه العصبي. كما أنّها تساعد على تطوير العظام والمفاصل. لذلك يعتبر الأطباء أنّ حركة الجنين مؤشّر صحي لا غنى عنه لمتابعة الحمل. وعندما تضعف الحركة فجأة أو تتوقف، قد يوصي الطبيب بإجراء فحوص إضافيّة للتأكّد من سلامة الطفل.
هل يشعر الجنين بأمّه فعلًا؟
إحدى التساؤلات المثيرة هي: هل يمكن للجنين أن يشعر بوجود أمّه أو يتأثّر بعواطفها؟ الأبحاث الطبيّة الحديثة تشير إلى أنّ الجنين يبدأ بتطوير حواسّه تدريجيًا. ففي الأسبوع الثالث والعشرين تقريبًا، يبدأ بسماع الأصوات المحيطة، وأوّلها صوت الأمّ. كما أنّه يتأثّر بنبرة صوتها ومشاعرها.
إضافة إلى السمع، يتأثّر الجنين بحركات جسم الأمّ. عندما تتحرّك أو تمارس نشاطًا بدنيًا، يشعر بتغيّر في وضعيّته داخل الرحم. وحتى الغذاء الذي تتناوله الأمّ يؤثّر على نشاطه. فمثلًا، بعد تناول وجبة غنيّة بالسكّر، قد يزداد نشاط الجنين بسبب ارتفاع مستوى الطاقة. كل هذه المؤشّرات تدلّ على أنّ الجنين يتفاعل مع محيطه المباشر، ما يجعل الركلات وسيلة للتواصل المبكر بينه وبين الأمّ.
كيف يمكن تعزيز التواصل مع الجنين؟
الأمّ قادرة على تعزيز العلاقة مع طفلها منذ المراحل الأولى عبر وسائل بسيطة. التحدّث مع الجنين بصوت هادئ، والاستماع إلى الموسيقى الهادئة، والمداومة على اللمس الخفيف للبطن، كلّها خطوات تشجّع الجنين على التفاعل. كما ينصح الأطباء بالالتزام بنظام غذائي صحي ومتوازن لضمان حصول الطفل على العناصر الأساسيّة لنموّه.

إلى جانب ذلك، من المهم مراقبة نمط الحركة اليومي. بعد الأسبوع الثامن والعشرين تقريبًا، يصبح للجنين روتين واضح في الحركة. بعض الأطباء يوصون بأن تخصّص الأمّ وقتًا يوميًّا لحساب عدد الركلات. هذه الطريقة البسيطة تساعد في رصد أي تغيير قد يستدعي استشارة الطبيب.
الخلاصة
إنّ معرفة متى يتحرك الجنين ليست مجرّد معلومة طبيّة، بل تجربة عاطفيّة وعلميّة في الوقت نفسه. الحركة الأولى تحمل رسالة اطمئنان للأمّ بأنّ طفلها ينمو بطريقة صحيحة. كما تعكس هذه الحركات انسجام الجهاز العصبي والعضلي للجنين، وتشير إلى استعداده للحياة خارج الرحم. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أسباب الشعور بالم اسفل البطن يمين للحامل.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، فإنّ لحظة شعور المرأة بحركة جنينها تختصر معاني الأمومة في أوضح صورها. فهي لحظة تواصل مباشر بين الأمّ وطفلها، حيث يمتزج العلم بالعاطفة، والحقيقة الطبيّة بالشعور الإنساني العميق. لذلك أنصح كل امرأة بأن تستقبل هذه الإشارات باطمئنان، وأن تعتبرها لغة صامتة بين قلبها وقلب طفلها المنتظر.