تُعدّ غيرة المرأة على زوجها من أكثر المشاعر التي تُثير الجدل في العلاقات الزوجية. تعبّر الغيرة عن ارتباط عاطفي قوي، وعن رغبة طبيعية في الحفاظ على الشريك. غير أنّ هذا الشعور، الذي يبدو بسيطًا في بدايته، قد يتحوّل بسرعة إلى حال من القلق والتوتّر. لذلك، من المهم أن تفهم المرأة حدود الغيرة الصحية، وأسبابها النفسية، ومتى تتحوّل إلى خطر على العلاقة.
سأتناول في هذا المقال تحليلًا علميًّا متدرّجًا لمفهوم الغيرة. سنشرح أولًا أسبابها العميقة من منظور علم النفس، ثم نُبيّن الحالات التي تُعتبر فيها الغيرة دليلًا على الحب الحقيقي. بعد ذلك، سننتقل إلى العلامات التي تكشف تحوّل الغيرة إلى سلوك مَرَضيّ أو إنذار خطر. وسنختتم بعرض الطرق العلمية التي تُساعد المرأة على ضبط هذا الشعور، حفاظًا على توازن العلاقة الزوجية وسعادتها.
تعريف الغيرة ودوافعها النفسية
تُعبّر غيرة المرأة على زوجها عن خوف داخلي من فقدانه أو من تعرّض العلاقة للتهديد. يشرح علماء النفس أنّ الغيرة تنشأ من مزيج من الحب والتعلّق والقلق. وعندما يشعر الدماغ بتهديد للعلاقة، يُفعّل منطقة اللوزة الدماغية (Amygdala) المسؤولة عن الانفعالات. ما يفسّر التصرّفات العاطفية المفاجئة.

تشير دراسة في مجلة Personality and Social Psychology Review إلى أنّ الغيرة ليست مجرّد انفعال سلبي، بل استجابة دفاعية تطوّرت لحماية الروابط الاجتماعية. وتُظهر الأبحاث أنّ النساء غالبًا ما يعبّرن عن غيرتهن بطرق عاطفية، مثل الانزعاج أو السؤال المتكرّر، بينما يميل الرجال إلى ردّات فعل سلوكية. لذلك، تُعتبر الغيرة من الناحية البيولوجية آلية للحفاظ على العلاقة، لكنها تحتاج إلى وعي وضبط حتى لا تتحوّل إلى مشكلة.
بالإضافة إلى ذلك، تؤدّي تجارب الطفولة دورًا أساسيًا في تكوين مشاعر الغيرة. فالمرأة التي كبرت في بيئة تفتقر إلى الأمان العاطفي قد تشعر بغيرة مفرطة لاحقًا، حتى في المواقف البسيطة. وكلّما شعر الإنسان بأن قيمته مرتبطة بقبول الآخر، زادت احتمالات الغيرة غير المتّزنة.
غيرة المرأة كدليل حبّ صحي
تظهر غيرة المرأة على زوجها أحيانًا كإشارة على الاهتمام الحقيقي والحب الصادق. عندما تعبّر المرأة عن غيرتها باعتدال، فهي تُعلن بطريقة غير مباشرة عن رغبتها في الحفاظ على العلاقة. هذا النوع من الغيرة يعكس وجود توازن عاطفي، لأنّه ينبع من حبّ ناضج لا من خوف.
يشير علماء العلاقات الأسرية إلى أنّ الغيرة المعتدلة تُنشّط التواصل العاطفي بين الزوجين. فعندما تشعر المرأة بغيرة بسيطة وتُصارح زوجها بها، تتولّد لحظة صراحة تُعيد التقارب بينهما. ومع ذلك، يشترط الخبراء أن تُعبّر المرأة عن غيرتها بلطف ومن دون اتهامات.
كذلك، تؤدّي الغيرة الصحية دورًا في تقوية الثقة الذاتية لدى الطرفين. فهي تذكّر الزوج بأنّه محبوب ومهم، وتمنح الزوجة شعورًا بأنها قادرة على التعبير عن مشاعرها. وعندما يُدار هذا الشعور بوعي واحترام، يتحوّل إلى طاقة إيجابية تُغذّي العلاقة ولا تُضعفها.
نقطة أخرى مهمة هي أنّ الغيرة البسيطة تُعزّز الرغبة في التجديد داخل العلاقة. فعندما تشعر المرأة بأن هناك منافسة رمزية، تسعى إلى العناية بنفسها أكثر، وتحسين التواصل بين الزوجين، والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة التي تُنعش الزواج. وهنا تصبح الغيرة حافزًا للتطوير، لا مصدراً للصراع.
متى تصبح الغيرة جرس إنذار؟
في المقابل، تتحوّل غيرة المرأة على زوجها إلى إنذار خطر عندما تفقد السيطرة على أفكارها وسلوكها. فحين تبدأ الشكوك تتزايد بلا دليل، ويتحوّل الاهتمام إلى مراقبة دائمة، تخرج الغيرة من إطارها الطبيعي.

تُظهر دراسات من جامعة Ohio State أنّ الغيرة المرضية ترتبط غالبًا بانخفاض مستوى هرمون السيروتونين، ما يزيد من مشاعر التوتر والملاحقة. هذه الحال تجعل المرأة في دائرة من الخوف الدائم، وقد تؤدي إلى تدهور الثقة المتبادلة.
كذلك، تُعدّ الغيرة غير المبرّرة علامة على ضعف الثقة بالنفس. عندما تشعر المرأة بأنها أقلّ من غيرها، تبدأ بمقارنة نفسها بالنساء الأخريات، ما يُغذّي القلق والشكوك. ومع الوقت، تُصبح العلاقة الزوجية محاطة بجدار من التوتّر والصمت.
ومن العلامات التحذيرية أيضًا: تتبّع الهاتف، أو السؤال المتكرّر عن كلّ تفصيل، أو اتهام الزوج من دون سبب. هذه السلوكيات تُرهق الطرفين وتُضعف التواصل. ومع استمرارها، قد تتحوّل الغيرة إلى شكل من التحكّم العاطفي الذي يُهدّد استقرار الزواج.
الأسباب الخفية وراء الغيرة المفرطة
يُرجّح علماء النفس أنّ الغيرة الشديدة ليست دائمًا مرتبطة بالحبّ، بل بالخوف من الرفض أو الخيانة. وتشير بحوث من Frontiers in Psychology إلى أنّ الأشخاص الذين يعانون من تعلّق قَلِق (Anxious Attachment) يُظهرون مستويات أعلى من الغيرة، لأنهم يحتاجون إلى طمأنات مستمرة من الشريك.
قد تزداد الغيرة أيضًا بسبب التجارب السابقة، مثل التعرّض للخيانة أو الإهمال في علاقة سابقة. هذه الذكريات تُنشّط مناطق في الدماغ المسؤولة عن الخطر، وتجعل المرأة في حالة تأهّب دائم.
إضافة إلى ذلك، تؤثّر وسائل التواصل الاجتماعي في تضخيم الغيرة. إذ تُظهر الأبحاث أنّ متابعة الزوج لحسابات نساء أخريات تُثير شعورًا بالمقارنة والتهديد. وكلّما زاد التعرّض للمنشورات المثالية، ارتفع الشعور بعدم الأمان. لذلك، يُنصح بالحدّ من المراقبة الإلكترونية والتركيز على الثقة الواقعية.
كيف تضبط المرأة غيرتها بذكاء؟
حتى تحافظ المرأة على توازنها، يجب أن تُدير غيرة المرأة على زوجها بوعي. أولًا، عليها أن تُعبّر عن مشاعرها بالكلام لا بالفعل. فالتواصل الصريح يُخفّف التوتّر ويُعيد الاطمئنان. ثانيًا، يُستحسن أن تُراقب أفكارها قبل أن تُصدقها، لأنّ الغيرة تبدأ غالبًا من تصوّرات خاطئة لا من حقائق.

كذلك، تُفيد ممارسة التأمّل وتمارين التنفّس في تهدئة الجهاز العصبي وتقليل القلق. وقد أثبتت دراسات في Journal of Behavioral Therapy أنّ النساء اللواتي يستخدمن تقنيات الاسترخاء يقلّ لديهنّ مستوى الغيرة المَرَضيّة بنسبة كبيرة.
كما يُساعد تعزيز الثقة الذاتية على كسر دائرة الغيرة. فعندما تشعر المرأة بقيمتها المستقلة، لا ترى في كلّ تفاعل خطرًا على علاقتها. بالإضافة إلى ذلك، يُفضَّل أن تشارك الزوج في أنشطة مشتركة تُعزّز الألفة والطمأنينة، مثل السفر أو المشاريع الثنائية أو حتى الحوار المسائي المنتظم.
وأخيرًا، من المفيد أن تطلب المرأة المساعدة النفسية عند الحاجة. فالعلاج السلوكي المعرفي (CBT) أثبت فعاليته في تعديل أنماط التفكير غير الواقعية التي تُغذّي الغيرة، مما يتيح استعادة السلام الداخلي والثقة المتبادلة.
الخلاصة
تُظهر الدراسات أنّ غيرة المرأة على زوجها ليست دائمًا مشكلة، بل يمكن أن تكون لغة حبّ صادقة إذا أُديرت بعقلانية. فالغيرة المعتدلة تُعبّر عن ارتباط وجداني صحي، بينما الغيرة المفرطة تُنذر بخطر يهدّد التوازن العاطفي. بين هذين الحدّين، يكمن السرّ في الوعي والسيطرة على النفس. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ كيف يعيد المرح الدفء إلى العلاقات؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ الغيرة ليست عيبًا، بل إنّها انعكاس لطبيعة إنسانية عميقة. لكنّها تصبح خطيرة حين تُفقد المرأة سلامها الداخلي. لذلك، أنصح كلّ امرأة بأن تُحبّ بثقة، لا بخوف، وأن تجعل من غيرتها حافزًا للعطاء لا سلاحًا للشك. فالعلاقة الزوجية تزدهر عندما تمتزج العاطفة بالحكمة، وتتحوّل الغيرة من جرس إنذار إلى جسر تواصل آمن.
