قد يبدو النوم على الظهر للحامل خيارًا مريحًا في بعض الأحيان، خاصة في مراحل الحمل الأولى. لكن هذا الوضع الشائع يخفي خلفه مخاطر صحية حقيقية قد تطال الأم والجنين على حدٍّ سواء. في الواقع، يشير العديد من أطباء النساء والولادة إلى ضرورة تجنّب هذا الوضع بعد منتصف الحمل، لأنّه قد يسبب ضغطًا على الأوعية الدموية الرئيسية، ما يؤثر سلبًا على تدفق الدم إلى الجنين في الرحم.
في هذا المقال، سوف نشرح بالتفصيل ما الذي يحدث في جسم الحامل عند النوم على الظهر، ولماذا يُعتبر هذا الوضع غير آمن بعد الشهر الرابع. سنتناول المخاطر المرتبطة به، ونتعرّف على الأوضاع البديلة الأفضل. كما سنعرض التوصيات الطبية الحديثة الصادرة عن جهات علمية موثوقة. كلّ ذلك بالاستناد إلى معلومات مدعومة بأحدث الدراسات العلمية.
لماذا يُعتبر النوم على الظهر للحامل خطيرًا؟
الوضعية التي لا تبدو مقلقة، قد تخفي خطرًا داخليًا صامتًا.

عندما تستلقي الحامل على ظهرها، وخاصّةً في الثلث الثاني والثالث من الحمل، يضغط الرحم المتوسّع على الوريد الأجوف السفلي (Inferior Vena Cava). وهو الوريد الذي ينقل الدم من الجزء السفلي من الجسم إلى القلب. هذا الضغط يقلّل من تدفق الدم، ما يؤدي إلى انخفاض في كمية الأكسجين والمغذيات التي تصل إلى الجنين.
بحسب دراسة منشورة في مجلة Obstetrics & Gynecology عام 2017، النوم على الظهر للحامل قد يزيد من خطر ولادة جنين ميت، خاصة بعد الأسبوع الثامن والعشرين. الباحثون وجدوا أن النوم الجانبي، وخصوصًا على الجانب الأيسر، يقلّل بشكل ملحوظ من هذا الخطر مقارنة بالنوم على الظهر.
ما الأعراض التي قد تشعر بها الحامل؟
ليست كلّ المخاطر واضحة، لكنّ الجسم يرسل إشارات تحذيرية.
في حال اعتماد النوم على الظهر للحامل بشكل دائم، قد تبدأ المرأة بملاحظة بعض العوارض المزعجة مثل:
- ضيق في التنفس.
- دوخة عند الاستيقاظ.
- خفقان القلب.
- آلام في أسفل الظهر.
كما أنّ انخفاض ضغط الدم قد يكون أحد المؤشرات على وجود ضغط كبير على الوريد الأجوف. هذه العوارض، وإن بدت عابرة، إلا أنّها تستوجب تغيير وضعية النوم فورًا.
ماذا يقول الأطباء والدراسات الحديثة؟
العلم يُنير الطريق ويوضح المخاطر بالأرقام.

توصي الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد (ACOG) بتجنّب النوم على الظهر بدءًا من منتصف الحمل. كذلك، نشرت دراسة في “The Lancet” عام 2019 تؤكّد أن النوم الجانبي يقلّل خطر المضاعفات المرتبطة بالحمل.
توضح الدراسات أن النوم على الظهر للحامل قد يسبب انخفاضًا في تدفق الدم للرحم، وهذا قد يؤدي إلى بطء في نمو الجنين أو حتى نقص وزنه عند الولادة. وتُشير مراجعة شاملة في مجلة BJOG إلى أن الوضعية المثالية للنوم خلال الحمل هي على الجانب الأيسر. وذلك لأنها تعزّز تدفق الدم إلى المشيمة وتحافظ على ضغط الدم بمستوى طبيعي.
ما البدائل الصحية للنوم؟
تغيير بسيط في الوضعية قد يحمي حياة الجنين.
من الأفضل أن تنام الحامل على جانبها الأيسر، فهذا يساعد على تحسين الدورة الدموية ويخفّف الضغط عن الكبد. إذا وجدت الحامل صعوبة في التكيّف مع هذا الوضع، يمكنها استخدام وسائد الحمل التي تُوضع بين الركبتين أو خلف الظهر لتوفير دعم إضافي ومنع الانقلاب تلقائيًا إلى الظهر أثناء النوم.
أيضًا، تقسيم النوم إلى فترات قصيرة، والحرص على تهوية الغرفة، وتجنّب الأكل الدسم قبل النوم، جميعها عوامل تُساعد في تحسين جودة النوم دون الحاجة إلى العودة لوضعية الظهر الخطرة.
ما النصائح التي يُمكن اتباعها لتجنّب النوم على الظهر؟
التدريب والتكرار يصنعان عادة آمنة. إليك بعض النصائح الفعّالة:

- احرصي على وضع وسادة خلف ظهرك عند النوم على الجانب، تمنعك من الرجوع للوضعية الخلفية.
- اختاري وسادة طويلة تدعم البطن والظهر معًا.
- مارسي تمارين الاسترخاء قبل النوم لتقليل الحركة أثناء الليل.
- احرصي على النوم في بيئة هادئة ومريحة.
هذه التعديلات البسيطة قادرة على تحسين تجربة النوم لديكِ، وتمنح جنينك حماية أكبر.
قد يبدو النوم على الظهر للحامل أمرًا عاديًا أو مريحًا، لكنه في الحقيقة يخفي وراءه مخاطر لا يجب الاستهانة بها. كلّما تقدّمتِ في أشهر الحمل، زاد تأثير الوضعيات الخاطئة على صحتك وصحة جنينك. الوقاية تبدأ من الوعي، وقرار بسيط بتعديل وضعية النوم يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في سير الحمل ونتيجته. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أصوات مذهلة تؤثر على مزاج جنينك قبل الولادة!
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الحديث عن النوم على الظهر للحامل لا يجب أن يُؤخذ كتحذير عابر، بل كمسؤولية علمية يجب على كلّ أمّ مستقبلية أن تعيها بعمق. أحيانًا، التكرار المجتمعي لوضعيات النوم “المريحة” يجعل المرأة تتجاهل صوت جسدها أو لا تدرك تأثيره على الجنين. لذلك، أنصح كلّ حامل بأن تُنصت جيدًا لتوصيات الأطباء، وأن تُجري تغييرات صغيرة ذات أثر كبير، فسلامة الجنين تبدأ من تفاصيل النوم.