يُعتبَر جدول التطعيمات للأطفال حجر الأساس في حماية الطفل من الإصابة بالأمراض المعدية التي قد تُهدّد حياته منذ الأيام الأولى بعد الولادة. فالتطعيم لا يمنع المعاناة من المرض فقط، بل يعلّم جهاز المناعة كيف يواجه الفيروسات والبكتيريا بفعالية. ما يجعله مستعدًا لمقاومة العدوى في المستقبل.
ومن خلال هذا المقال، سنُقدّم لكِ دليلًا مبسطًا ومتكاملًا عن جدول التطعيمات للأطفال، بدءًا من اللقاحات الأولى بعد الولادة، وصولًا إلى الجرعات التي تُعطى في عمر المدرسة. سنتناول أهميّة كل لقاح، وتوقيته، وفوائده الصحية على المدى الطويل.
أهمية جدول التطعيمات في السنوات الأولى
في هذه الفقرة، سنوضح لماذا يُعتبر جدول التطعيمات للأطفال أداة وقائية لا غنى عنها.

منذ الولادة، يكون الطفل عرضةً للإصابة بالعديد من الأمراض التي قد تنتقل إليه عبر الهواء أو من خلال التلامس المباشر. لا يكون جهاز المناعة في تلك المرحلة مكتملًا بعد، ما يجعل التطعيم هو الوسيلة الأكثر أمانًا وفعالية لحمايته.
تؤكّد منظمة الصحة العالمية أن الالتزام بجدول التطعيمات يُقلل بنسبة 95% من فرص الإصابة بأمراض مميتة مثل السل وشلل الأطفال. كما أثبتت الدراسات العلمية المنشورة في مجلّة The Lancet أنّ اللقاحات الجماعية ساعدت في القضاء التام على بعض الأمراض في مناطق واسعة حول العالم.
جدول التطعيمات للأطفال منذ الولادة حتى عمر السنة
في هذا القسم، سنتابع معًا اللقاحات الأساسية التي يجب إعطاؤها في العام الأول.
- عند الولادة: يُعطى الطفل لقاح التهاب الكبد B، وهو أساسي جدًا لتقليل خطر الإصابة بعدوى مزمنة قد تؤثر على الكبد مدى الحياة.
- عمر شهرين: يبدأ الطفل في الحصول على مجموعة من اللقاحات المتزامنة. منها اللقاح الثلاثي البكتيري (الدفتيريا، الكزاز، السعال الديكي)، ولقاح شلل الأطفال، ولقاح المستدمية النزلية من النوع b، ولقاح المكورات الرئوية، بالإضافة إلى لقاح فيروس الروتا.
- عمر ٤ أشهر: تُعاد معظم الجرعات السابقة لدعم الجهاز المناعي وتعزيز استجابته.
- عمر ٦ أشهر: يتم إعطاء الجرعة الثالثة من اللقاحات السابقة. كما يمكن إعطاء لقاح الإنفلونزا الموسمية إذا كانت متوفّرة.
- عمر ٩ أشهر: يُعطى لقاح الحصبة في بعض الدول.
يجب التنويه إلى أن جدول التطعيمات للأطفال قد يختلف قليلًا من بلد لآخر بحسب توفّر اللقاحات أو السياسات الصحية المتّبعة، لكن الجوهر العلمي يبقى ثابتًا.
التطعيمات في عمر السنة حتى ٥ سنوات
هنا، تزداد أهمية الجرعات التعزيزية لمساعدة الجسم على تكوين مناعة طويلة الأمد.

- عمر ١٢ شهرًا: يُعطى الطفل لقاح الحصبة، والنكاف، والحصبة الألمانية (MMR). كما يتم استكمال الجرعات الخاصة بفيروس الروتا، والمكورات الرئوية.
- عمر ١٨ شهرًا: تُعطى جرعات إضافية من اللقاح الثلاثي البكتيري ولقاح شلل الأطفال.
- ما بين سنتين و٤ سنوات: غالبًا ما يُعطى لقاح الجدري المائي (الحماق). وكذلك جرعة ثانية من لقاح MMR في بعض الأنظمة الصحية.
خلال هذه الفترة، يُصبح الجهاز المناعي أكثر تطورًا، وتُساهم اللقاحات في تقليل احتمالات الإصابة بالأمراض خلال مرحلة الحضانة أو المدرسة. وهنا تبرز ضرورة مراجعة جدول التطعيمات للأطفال بشكلٍ دوريّ مع طبيب الأطفال، لتفادي أي تأخير في الجرعات.
هل جدول التطعيمات للأطفال آمن؟ توضيحات علمية ضرورية
في هذه الفقرة، سنُفصّل الحقائق العلمية المتعلّقة بسلامة اللقاحات.
تشير البحوث الحديثة، ومنها تقارير مراكز السيطرة على الأمراض (CDC)، إلى أن التطعيمات المستخدمة في جداول الأطفال تخضع لمراحل صارمة من التجارب السريرية قبل الموافقة عليها. كما تتم مراقبتها باستمرار بعد طرحها في الأسواق لرصد أي آثار جانبية نادرة.
أغلب العوارض التي قد تظهر بعد التطعيم، مثل الحُمّى الخفيفة أو الانتفاخ في مكان الحقن، تُعتبَر طبيعية ومؤقتة، ولا تدعو للقلق. وعلى العكس، فإن عدم إعطاء الطفل لقاحًا معينًا يُعرّضه لخطر الإصابة بمضاعفات قد تكون شديدة أو حتى قاتلة.
تؤكّد البيانات من مجلة Pediatrics أن التطعيمات الحديثة آمنة بنسبة تفوق 99%. وهو ما يجعلها من أكثر الإجراءات الطبية الوقائية موثوقية في العصر الحديث.
ما الذي يحدث إذا فات الطفل أحد التطعيمات؟
قد يتأخر الأهل أحيانًا عن مواعيد التطعيم بسبب ظروف مختلفة.

في هذه الحال، من الضروري مراجعة الطبيب فورًا، لأن معظم اللقاحات يمكن استئنافها من دون الحاجة إلى البدء من جديد. هناك جداول بديلة معتمدة تُتيح إعادة تنظيم مواعيد اللقاحات من دون التأثير على الفعالية.
إنّ تجاهل أي جرعة من جدول التطعيمات للأطفال قد يُفقد الطفل مناعة أساسية ضد مرض معيّن. لذلك، يجب الاحتفاظ بسجل التطعيمات وتحديثه بانتظام لتجنّب نسيان أي جرعة.
الخلاصة
في النهاية، يشكّل جدول التطعيمات للأطفال خارطة طريق صحية تبدأ منذ الولادة وتستمر لسنوات. الالتزام به ليس فقط مسؤولية طبية بل أخلاقية أيضًا، لأنه يحمي الطفل ويُساهم في حماية المجتمع من تفشي الأمراض المعدية.
إنّ المعرفة الدقيقة بمواعيد التطعيمات، وأهمية كل جرعة، وآلية عمل الجهاز المناعي في التفاعل مع اللقاحات، تُعطي الأهل قوة القرار، وتمنح الطفل فرصة لبداية صحية وآمنة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن دلالة لون براز الرضيع.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الالتزام بجدول التطعيمات هو من أعظم صور الرعاية التي يمكن أن تقدّمها الأم أو الأب لطفلهما. فكل جرعة تُعطى في موعدها تُعادل حصنًا يُبنى حول جسم الطفل، يمنع عنه الآلام، والأمراض، والزيارات المتكررة إلى المشافي. إن الاستثمار الحقيقي في الطفولة يبدأ من الوقاية، والتطعيم هو بوابة هذه الوقاية. لذا، أنصح كل أم بمتابعة جدول التطعيمات عن كثب، وتوثيقه، والتأكّد من عدم إغفال أي لقاح، حتى لو بدا بسيطًا.