مشاعر الأمومة تبدأ قبل الولادة.. وهذه هي الإشارات التي قد لا تلاحظينها من اللحظة الأولى، لكنها حقيقية وعميقة. تؤكّد الدراسات أنّ الأم تبدأ بالتعلّق بطفلها قبل أن تراه، وأن عقلها وجسدها يتحضّران تدريجيًا لاحتضانه منذ الأشهر الأولى من الحمل. في هذه المرحلة، تتغيّر الأولويات، وتصبح مشاعر الحماية، والقلق، والرغبة في الاهتمام، أكثر حضورًا من أي وقت مضى.
في هذا المقال، سنتعرّف على إشارات الأمومة المبكرة من عدّة جوانب. نبدأ بالتغيّرات البيولوجية التي تدفع الأم إلى هذا التحوّل العاطفي، ثم ننتقل إلى العوامل النفسية والاجتماعية. ونختم بكيفية دعم هذه المشاعر وتحويلها إلى علاقة صحية بين الأم وجنينها وطفلها.
1- تغيّرات بيولوجية تزرع بذور الأمومة
منذ اللحظة الأولى للحمل، يبدأ جسم المرأة بالتكيّف تلقائيًا.

يفرز الجسم مجموعة من الهرمونات، أبرزها الأوكسيتوسين والبرولاكتين. هذه الهرمونات تحفّز مشاعر الحنان، وتعزّز التعلّق بالجنين. وفقًا لدراسة منشورة في Frontiers in Psychology، يرتبط مستوى الأوكسيتوسين خلال الحمل بقوة الرابطة بين الأم وطفلها لاحقًا. كلما زاد هذا الهرمون، زادت مشاعر الرعاية والرغبة في الحماية.
إضافة إلى ذلك، يتغيّر دماغ المرأة الحامل. أشارت أبحاث جامعة Leiden في هولندا إلى أن الحمل يعيد تشكيل بعض المناطق الدماغية، خاصة المرتبطة بالاستجابة العاطفية. هذه التغيرات تجعل الأم أكثر تنبّهًا لحاجات الجنين، وأكثر استعدادًا للتفاعل معه حتى قبل أن يولد.
2- تواصل داخلي ينمو مع الوقت
من الإشارات المبكرة أيضًا، أنّ الأمّ تبدأ بالتواصل مع جنينها من دون أن تشعر.
في الثلث الثاني من الحمل، تشعر المرأة بحركات جنينها. تبدأ حينها بلمس بطنها، أو الحديث إليه، أو حتى تخيّل شكله وصوته. هذا التواصل الداخلي يساهم في بناء علاقة عاطفية قوية.
تقول دراسة نُشرت في Infant Mental Health Journal إن النساء اللواتي يتحدّثن مع أجنّتهن أثناء الحمل يكنّ أكثر استعدادًا للعناية بهم بعد الولادة، ويظهرن استجابة أسرع لاحتياجاتهم. هذه الإشارات لا تخدع؛ مشاعر الأمومة تبدأ قبل الولادة.. وهذه هي الإشارات التي تشكّل اللبنة الأولى لعلاقة تدوم مدى الحياة.
3- مشاعر القلق.. دليل على الحب الفطري
في فترة الحمل، تعيش المرأة موجة من القلق والمخاوف.

تشعر بالخوف من الولادة، ومن صحة جنينها، ومن المستقبل. قد تبدو هذه المشاعر سلبية، لكنها في الحقيقة انعكاس واضح لغريزة الأمومة. الخوف يولد من الحب.
حسب دراسة أجرتها جامعة هارفارد، فإن أكثر من 70٪ من النساء الحوامل عبّرنَ عن قلقهنَّ بشأن صحة الجنين في الرحم أكثر من أي أمر آخر. هذا القلق الطبيعي يدل على بداية الشعور بالمسؤولية، ويُعدّ علامة مبكرة على تطوّر العلاقة العاطفية بين الأم وجنينها.
4- الاستعداد الذهني للولادة يعكس العلاقة المبكرة
في الأشهر الأخيرة، تبدأ الأم بتحضير نفسها نفسيًا.
تقوم بترتيب غرفة الطفل، واختيار اسمه، وقراءة الكتب حول التربية. هذه التصرفات البسيطة تعني الكثير. إنها تؤكد أن الأم تعيش علاقة حقيقية مع طفلها، حتى قبل أن تراه.
تشير الدراسات إلى أن الاستعداد النفسي قبل الولادة يُخفف من الاكتئاب النفاسي، ويزيد من قدرة الأم على بناء علاقة آمنة مع مولودها. مشاعر الأمومة تبدأ قبل الولادة.. وهذه هي الإشارات التي تظهر في هذا السلوك اليومي والتخطيط المحبّ.
5- الدعم من الآخرين يعزّز مشاعر الأمومة
لا تكتمل هذه المشاعر من دون بيئة حاضنة.

عندما تشعر الأم بالدعم من شريكها، وأهلها، وأصدقائها، تصبح أكثر قدرة على التعبير عن مشاعرها. تشعر بالأمان. وهذا الشعور يسمح للمشاعر الأمومية بالنمو والازدهار.
وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية WHO، النساء اللواتي يتلقينَ دعمًا نفسيًا واجتماعيًا أثناء الحمل، يظهرن سلوكًا أموميًا أكثر استقرارًا، ويتفاعلنَ بشكلٍ أفضل مع أطفالهنَّ بعد الولادة.
بكلمات بسيطة، الحب الذي تتلقّاه المرأة، يتحوّل إلى حب تمنحه لطفلها. مشاعر الأمومة تبدأ قبل الولادة.. وهذه هي الإشارات التي تتغذّى من الحنان الذي تعيشه المرأة خلال حملها.
الخلاصة
لا تبدأ الأمومة في لحظة الولادة فقط. بل في كل نفس تأخذه المرأة الحامل، وفي كل شعور يتشكّل داخلها، وفي كل خطوة تخطّطها من أجل طفلها. من التغيّرات البيولوجية، إلى القلق، إلى التصرفات البسيطة اليومية، كلها إشارات تؤكد حقيقة علمية وعاطفية عميقة: مشاعر الأمومة تبدأ قبل الولادة.. وهذه هي الإشارات التي لا يمكن تجاهلها.
كل امرأة تعيش هذه المرحلة بطريقة فريدة، لكن القاسم المشترك بينهن هو هذا الحب العظيم الذي يبدأ في الرحم، وينمو في الصدر، ويستمر مدى الحياة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ ما الذي يجعل مشاعر الأمومة مع الطفل فريدة لا تشبه أي حب آخر؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن إدراك المرأة لهذه المشاعر منذ الأشهر الأولى للحمل يمنحها وعيًا مختلفًا، ويجعلها أقرب لطفلها نفسيًا قبل أن تحضنه فعليًا. هذه المشاعر ليست ضعفًا ولا ترفًا، بل هي قوة داخلية تُمكّن المرأة من بناء إنسان سوي عاطفيًا. لذلك، أدعو كل امرأة حامل أن تنصت إلى قلبها، وأن تثق بمشاعرها، وأن تحضن هذا الحب قبل أن يولد.