تسكن في داخل كل إنسان حاجة عميقة للشعور بالأمان والراحة، وغالبًا ما يجدها في صوت الأم. هذا الصوت يملك قدرة فريدة على تهدئة القلوب وإزالة الشعور بالتوتر، حتى عندما يكون بعيدًا عن العناق المباشر. ومع تطوّر وسائل التواصل، برز سؤال مهم: هل يظل لصوت الأم عبر الهاتف نفس التأثير العاطفي الذي يمنحه حضنها الدافئ؟
في ضوء هذا التساؤل، أجرت جامعة ويسكونسن–ماديسون دراسة ميدانية هدفت إلى قياس تأثير صوت الأم على استجابة الجسم للتوتر. جاءت النتائج مفاجئة وأعادت التأكيد على أن الرابط العاطفي لا يضعف مهما ابتعدت المسافات.
١- تجربة علمية لافتة
اختبر الباحثون مجموعة من الفتيات المراهقات ووضعوهن في مواقف ضاغطة مثل التحدّث أمام الجمهور وحل مسائل رياضية معقّدة. بعد ذلك قُسّمت المشاركات إلى أربع مجموعات: مجموعة حصلت على عناق مباشر من الأم، أخرى تحدّثت معها عبر الهاتف، مجموعة ثالثة تواصلت عبر الرسائل النصية فقط، وأخرى لم تتلقَّ أي تواصل.
٢- نتائج تثير الدهشة
أظهرت النتائج ارتفاع مستوى هرمون الأوكسيتوسين المعروف بهرمون الترابط العاطفي، وانخفاض مستوى الكورتيزول المرتبط بالتوتر، لدى الفتيات اللواتي تلقّين عناقًا مباشرًا أو تواصلن مع الأم عبر الهاتف. المدهش أن التأثير كان متساويًا في الحالتين، بينما لم تُسجَّل النتيجة نفسها عند الاكتفاء بالرسائل النصية أو غياب أي تواصل.
٣- ما الذي يميّز الصوت عن النص؟
يكشف البحث أن نبرة الصوت تحمل شحنة عاطفية لا تستطيع الكلمات المكتوبة نقلها. فالصوت يعكس دفء المشاعر، ويمنح المخ إشارات مباشرة بالطمأنينة. بينما تظل الرسائل النصية باردة وعاجزة عن تحقيق الأثر العاطفي المطلوب.
٤- دروس حياتية لكل أم وابن
تدل هذه النتائج على أن الاتصال الهاتفي البسيط قد يعوّض غياب اللقاءات المباشرة، ويعيد التوازن النفسي عند الشعور بالضغط. لذلك، على الأمهات ألّا يترددن في رفع سماعة الهاتف، وعلى الأبناء ألّا يستهينوا بقوة بضع دقائق من الإصغاء إلى صوت الأم.
يثبت العلم أن صوت الأم يظل جسرًا للأمان، قادرًا على تهدئة الأعصاب وخفض التوتر تمامًا كما يفعل العناق. في عالم تتسارع فيه الحياة، يبقى الحل أحيانًا في أبسط الأشياء: مكالمة قصيرة تعيد الدفء إلى القلب وتمنح الروح طمأنينة لا تُقدَّر بثمن. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ أنّ الموسيقى الكلاسيكية تحفّز نمو الدماغ عند الرضع أكثر من أي نشاط آخر.