هل أعراض الحمل مثل أعراض الدورة؟ هذا السؤال يتكرّر عند أغلب النساء في بداية كل شهر. يعود السبب إلى التشابه الكبير بين العوارض التي تسبق نزول دم الحيض والعوارض الأولى للحمل. الصداع، والإرهاق، والانتفاخ، وتقلب المزاج كلها مظاهر تجعل المرأة في حيرة. أحيانًا تظنّ أنّ الدورة على وشك النزول، وأحيانًا تشعر أنّ حملًا قد بدأ.
ولكي تتضح الصورة، سنعرض في هذا المقال خطة دقيقة. سنبدأ بتوضيح التشابه في العوارض، ثم ننتقل إلى الفروقات العلمية التي تُفسّرها التغيّرات الهرمونية. بعد ذلك سنعرض العلامات التي ترجّح الحمل، وسنشرح الفرق بين النزف الانغراسي ونزف الحيض. وأخيرًا سنتوقف عند متى يجب على المرأة مراجعة الطبيب أو إجراء فحص.
التشابه بين العوارض في الحالين
من المهم أن نفهم أنّ معظم النساء يواجهن عوارض متشابهة في الحمل المبكر والدورة الشهرية. يظهر التعب في الحالين، بسبب تغيّرات هرمونية معقّدة. يصبح الصدر حساسًا، وأحيانًا مؤلمًا. الانتفاخ أيضًا نتيجة احتباس السوائل وتأثير البروجستيرون. وحتى تغيّر المزاج شائع، فقد تظهر العصبية أو الحزن أو القلق.

لكن هذا التشابه ليس مفاجئًا. في كلتا الحالين يتحكّم الهرمون نفسه، وهو البروجستيرون. قبل الدورة يرتفع البروجستيرون استعدادًا لاحتمال حدوث حمل. وإذا لم يحصل الحمل ينخفض فجأة، فيحدث النزف. أما في الحمل فيستمر البروجستيرون بالارتفاع ليحافظ على بطانة الرحم. لذلك تظهر العوارض نفسها تقريبًا في البدايات.
الفروقات الهرمونية والفسيولوجية
مع أنّ العوارض متشابهة، إلا أنّ هناك فروقات جوهرية لا بد من معرفتها. في الدورة، الهرمونات تمر بدورة محدّدة: ارتفاع الإستروجين، ثم ارتفاع البروجستيرون، ثم هبوطهما مع نزول الدم. في الحمل، الهرمونات لا تهبط. بل على العكس، يبدأ الجسم بإفراز هرمون جديد هو hCG، أو ما يعرف بهرمون الحمل.
هذا الهرمون hCG هو المسؤول عن تثبيت الحمل، وهو أيضًا الذي يكشفه فحص البول أو الدم. لذلك، إذا شعرت المرأة بعوارض مشابهة لكنها استمرت ولم تنتهِ مع موعد الدورة، فهذا مؤشر. كذلك، استمرار غثيان الصباح أو الشعور بالدوخة أكثر مما هو معتاد في فترة ما قبل الحيض دليل إضافي على أنّ الحمل قائم.
العلامات الأكثر دلالة على الحمل
هناك عوارض محددة تميل إلى أن تكون أكثر ارتباطًا بالحمل. من أبرزها الغثيان الصباحي، الذي يظهر عادة بعد أسبوعين إلى أربعة أسابيع من الإخصاب. صحيح أنّ بعض النساء قد يشعرن باضطراب في المعدة قبل الدورة، لكن الغثيان المستمر مع تقيؤ يُعتبر علامة فارقة.

أيضًا، التبول المتكرر يزداد في الحمل نتيجة زيادة تدفق الدم إلى الكلى، وبدء الرحم بالتوسع قليلًا. أما في الدورة، فالتبول لا يتأثر عادةً. إضافة إلى ذلك، التذوق والشم يتغيران بشكل أوضح أثناء الحمل، فتصبح المرأة أكثر حساسية للروائح والطعام. وهذه علامات تساعد على التمييز.
الفرق بين النزف الانغراسي والحيض
كثير من النساء يخلطن بين نزف الانغراس الذي يحصل عند التصاق الجنين بجدار الرحم وبين دم الحيض. يحدث نزف الانغراس عادة بعد عشرة أيام من التبويض، ويكون خفيفًا جدًّا، لونه وردي أو بني فاتح، ولا يستمر أكثر من يومين أو ثلاثة.
أما دم الحيض، فيكون أثقل وأغمق، ويستمر من ثلاثة إلى سبعة أيام. إضافةً إلى ذلك، نزف الانغراس لا يترافق مع تكتلات دموية، بينما الحيض قد يترافق مع كتل صغيرة. هذه الفروقات مهمة جدًّا لفهم ما إذا كانت المرأة مقبلة على دورة طبيعية أو بداية حمل.
متى يجب استشارة الطبيب أو إجراء فحص
عند استمرار ظهور العوارض بعد موعد الدورة المتوقّع، يصبح من الضروري أن تفكر المرأة في إجراء فحص الحمل. هذا الفحص يمكن أن يُجرى بسهولة في المنزل عبر اختبار البول، لكن تبقى دقته محدودة في الأيام الأولى. لذلك يُنصح بالانتظار عدة أيام بعد تأخر الدورة للتأكّد من النتيجة. أما الفحص الدموي، فهو الأكثر دقة، إذ يكشف عن وجود هرمون الحمل hCG حتى في مراحله الأولى، ويُعطي نتائج موثوقة بنسبة تتجاوز 99%.

إلى جانب ذلك، إذا ظهرت عوارض غير طبيعية أو مقلقة مثل نزف غزير مصحوب بألم حاد أسفل البطن، أو دوار متكرّر يعيق النشاط اليومي، أو إغماء مفاجئ، فإنّ مراجعة الطبيب تصبح أمرًا عاجلًا. قد لا ترتبط هذه العوارض فقط بالدورة أو الحمل. بل قد تشير أيضًا إلى مشكلات أخرى مثل الحمل خارج الرحم أو اضطرابات هرمونية تحتاج إلى متابعة دقيقة.
الطبيب بدوره يملك الوسائل العلمية لتوضيح الصورة. من خلال الفحص السريري والتحاليل المخبرية، إضافة إلى تصوير الرحم بالموجات فوق الصوتية عند الحاجة، يستطيع أن يحدد بدقة ما إذا كانت العوارض مرتبطة ببداية الحمل أو بالدورة الشهرية. كما أنّه يقدّم الإرشادات المناسبة لكل حالة: قد ينصح بالراحة الجسدية لتخفيف الإرهاق، أو ببدء تناول مكملات حمض الفوليك وفيتامين د الضروريين في الأسابيع الأولى للحمل. في المقابل، إذا لم يكن هناك حمل، قد يوجّه المرأة إلى استراتيجيات فعالة لتخفيف عوارض ما قبل الحيض وتحسين جودة حياتها الشهرية.
الخلاصة
في النهاية، يمكن القول إنّ السؤال: هل أعراض الحمل مثل أعراض الدورة؟ لا يملك جوابًا بسيطًا. نعم، هناك تشابه واضح بسبب دور الهرمونات المشتركة. لكن أيضًا هناك فروقات دقيقة تظهر مع الوقت. النزف الخفيف، والغثيان المستمر، والتبول المتكرر، والحساسية المفرطة للروائح، كلها إشارات أكثر قربًا من الحمل. ون الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن مدة تأخر الدورة الشهرية لمعرفة الحمل.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ على المرأة ألّا تكتفي بمراقبة العوارض وحدها. الاعتماد على العوارض فقط قد يسبّب ارتباكًا. الأفضل دائمًا إجراء الفحص المنزلي أو مراجعة الطبيب عند أي شك. بهذه الطريقة تطمئن المرأة على صحتها وتبدأ رحلة الأمومة بوعي واطمئنان.