تشكّل طرق تعليم المشي للأطفال محطة أساسيّة في نموّهم الجسدي والنفسي. تتابع الأم خطوات صغيرها منذ محاولاته الأولى للوقوف، وتشهد لحظات سقوطه ونهوضه وتمسّكه بالأثاث من حوله. هذه اللحظات ليست حركات عفويّة، بل ثمرة تطوّر دقيق في الجهاز العصبي والعضلات بإشراف الدماغ. وتشير الأبحاث العلميّة إلى أنّ الطفل يطوّر قدراته الحركيّة تدريجيًا، فيبدأ بالجلوس ثم الزحف، قبل أن يصل إلى مرحلة الوقوف فالمشي المستقل.
في هذا المقال سنعرض خطة واضحة لتسهيل هذه المرحلة. سنتناول خمس نقاط أساسية: أولًا، البيئة المناسبة. ثانيًا، تمارين التوازن. ثالثًا، دور الغذاء. رابعًا، استخدام الألعاب الذكية. خامسًا، كيفية التعامل مع المخاوف. والهدف أن نمنح كل أم أدوات عملية تساعدها على تعزيز ثقة طفلها بنفسه وتسريع تقدّمه بخطوات آمنة.
تهيئة البيئة المنزلية
من الضروري في المراحل الأولى أن يتوفّر للطفل محيط آمن يساعده على بدء تدريبات المشي. ينبغي أن تكون الأرضية مستوية وغير قابلة للانزلاق، مع الحرص على إبعاد الأدوات الحادّة والطاولات ذات الحواف الصلبة والسجاد المتحرّك. كما أنّ توفير مساحة واسعة وخالية من العوائق يمنح الطفل حرية الحركة، ويخفّف من احتمالات التعثّر أو السقوط المتكرر.

كما أنّ الضوء الجيد يساعده على إدراك المسافات بوضوح ويزيد من شعوره بالأمان. ويُنصح الأطباء بتوفير حذاء مريح ومرن، لكن في المراحل الأولى يفضَّل أن يحاول الطفل المشي حافيًا داخل المنزل لتعزيز الإحساس بالأرض وتحفيز الأعصاب في باطن القدم. هذا التلامس المباشر يطوّر التوازن ويقوّي العضلات الدقيقة.
إضافةً إلى ذلك، يمكن للأم أن تخصّص زاوية صغيرة خالية من الأثاث لتصبح مساحة تدريب يومية. هذه المنطقة تمنح الطفل حرية التجربة من دون خوف من الاصطدام. وعند وضع بعض المقاعد أو الوسائد حوله، يشعر بالأمان لأنّ هناك ما يستند إليه عند الحاجة. تجهيز البيئة بهذه الطريقة لا يسهّل التدريب فقط، بل يحوّل التجربة إلى نشاط ممتع ومشجّع.
تمارين التوازن اليومية
من جهة أخرى، يؤدّي تحقيق التوازن دورًا محوريًا في نجاح المشي. يمكن للأم أن تبدأ بتمارين بسيطة، مثل جعل الطفل يقف ممسكًا بيدها لفترة قصيرة، ثم تشجيعه على تركها لثوانٍ معدودة. كذلك، يمكن وضع ألعاب صغيرة على ارتفاع منخفض ليحاول الطفل التقاطها أثناء الوقوف.
إضافةً إلى ذلك، يساعد دفع العربات المخصّصة للأطفال على تعزيز قوة الساقين. وقد أظهرت دراسة نُشرت في مجلة Pediatrics أنّ الأطفال الذين يُمارسون أنشطة متكرّرة للتوازن يبدؤون المشي بثقة أسرع من غيرهم. التدريب المستمر هنا لا يعني الضغط، بل يعني التكرار الهادئ والممتع.
التغذية الداعمة للنمو
أيضًا، لا يكتمل تعليم المشي للأطفال في المنزل من دون تغذية صحيّة. العناصر الغذائية مثل الكالسيوم، والفيتامين “د”، والبروتين أساسية لبناء العظام والعضلات. الحليب، والبيض، والسمك، والخضار الورقية مصادر مثالية لهذه العناصر.

إلى جانب ذلك، يحتاج الطفل إلى الحديد لمنع فقر الدم الذي يسبّب الشعور بالتعب ويؤثّر في النشاط البدني. وقد أثبتت الأبحاث أنّ الأطفال الذين يحصلون على غذاء متوازن يتمكّنون من تطوير مهارات المشي والوقوف بسرعة أكبر. الغذاء لا يمنح الطاقة فقط، بل يحمي من التعرّض للسقوط المتكرّر نتيجة ضعف العضلات.
الألعاب والوسائل الذكية
كذلك، يمكن للألعاب التعليمية أن تؤدّي دورًا فعّالًا. الألعاب التي تصدر أصواتًا عند الضغط عليها تشجّع الطفل على الحركة باتجاهها. الكرات الكبيرة أيضًا تحفّز التنسيق بين اليد والعين، وتساعده على المشي بخطوات قصيرة خلفها.
كما يمكن استخدام الوسائد الكبيرة لتشكيل مسار صغير يحاول الطفل تجاوزه. هذه الطرق لا تجلب المتعة فقط، بل تعلّم الطفل كيفية التوازن في أوضاع مختلفة. وقد أكّد خبراء النموّ أنّ اللعب الحرّ يضاعف فرص اكتساب المهارات الحركية، لأنّه يجمع بين التسلية والتمرين في الوقت نفسه.
التعامل مع الخوف والتردّد
أخيرًا، من الطبيعي أن يشعر الطفل بالخوف من السقوط. هنا يأتي دور الأم في تقديم الدعم النفسي. التشجيع بالكلمات، والتصفيق عند نجاح المحاولة، يمنحانه دافعًا قويًا. كما يُنصح بعدم المقارنة بينه وبين أطفال آخرين، لأنّ وتيرة النمو تختلف من طفل لآخر.

في حال تأخّر المشي عن عمر 18 شهرًا، من الأفضل مراجعة طبيب الأطفال. فقد تكون هناك أسباب تحتاج إلى تقييم متخصص، مثل ضعف العضلات أو مشاكل في النظر أو التوازن. التدخّل المبكر يضمن نتائج أفضل ويخفّف من قلق الأهل.
الخلاصة
إنّ تعليم المشي للأطفال في المنزل رحلة مليئة بالتحديات واللحظات المؤثرة. تبدأ بتهيئة بيئة آمنة، وتمتد إلى التغذية السليمة، وتنتهي بألعاب محفّزة ودعم نفسي مستمر. هذه الخطوات البسيطة تتحوّل إلى قاعدة متينة يبني عليها الطفل مهاراته الحركية القادمة، من الجري إلى القفز. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ أنّ الرضاعة الطبيعية الحلّ الأقوى ضد السمنة.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ دور الأم في هذه المرحلة يبدأ أولًا بالملاحظة الدقيقة، ثم يتجاوز بسرعة حدود المراقبة ليصل إلى دمج الرعاية مع الوعي العلمي. وبعد ذلك، عندما توازن الأم بين التشجيع والاحتواء، وتجمع في الوقت نفسه بين اللعب والتدريب، تُصبح المرحلة أكثر انسجامًا. وهكذا تتحوّل هذه الفترة إلى أجمل فصل في طفولة صغيرها، وأيضًا إلى أهم استثمار في استقلاليته المستقبلية.