ما لا يُقال عن الحمل للنساء العاملات في الوظائف الشاقة يُخفي وراءه معاناة صامتة تعيشها آلاف النساء يوميًا. تبدأ الحكاية من اللحظة التي تُعلن فيها المرأة خبر حملها، لكن لا يتغيّر شيء في بيئة عملها الشاق. فهي لا تزال مطالبة بالوقوف لساعات طويلة، أو بحمل أثقال، أو بالتنقل في ظروف صعبة.وذلك من دون مراعاة لحالها الجسدية أو النفسية.
في هذا المقال، سنكشف النقاب عن التحديات الحقيقية التي تواجهها الحامل في الوظائف المرهقة. أولًا، سنستعرض الآثار الصحية على الحامل والجنين في الرحم. ثم ننتقل إلى النقاش حول الحقوق القانونية والتمييز المهني. وأخيرًا، سنتطرّق إلى التوصيات التي تقترحها الدراسات الحديثة لحماية النساء الحوامل في أماكن العمل الصعبة.
1- الحمل والعمل الشاق: صراع يومي غير مرئي
كل امرأة حامل تعمل في وظيفة شاقة، تخوض يوميًا معركة صامتة. فالحمل، بطبيعته، يُحمّل الجسم تغييرات فسيولوجية معقدة. ومع ذلك، تُجبر كثير من النساء على الاستمرار في المهام المرهقة نفسها قبل الحمل.

وفق دراسة نُشرت في Journal of Occupational Health، إنّ تعرّض المرأة الحامل لأعمال تتطلّب بذل مجهودًا بدنيًا كبيرًا يزيد من خطر الإجهاض بنسبة تصل إلى 36٪، ويضاعف من احتمالات الولادة المبكرة أو انخفاض وزن الجنين عند الولادة.
تكرار الوقوف لساعات طويلة، ورفع الأوزان، والتعرض للمواد الكيميائية أو الضوضاء المرتفعة، جميعها عوامل قد تضر الجنين من دون أن تُظهر علامات فورية. لذلك، تُعَدّ بيئة العمل غير الآمنة تهديدًا حقيقيًا، وليس مجرد ظرف مؤقّت.
2- الضغط النفسي المستمر وتأثيره على الحمل
في معظم الحالات، لا تواجه المرأة الحامل فقط الضغط الجسدي، بل تعاني أيضًا من ضغط نفسي مستمر. الخوف من فقدان الوظيفة، أو من اعتبارها “غير منتجة”، أو من الانتقاد من قِبل الزملاء أو المدراء، يخلق عبئًا نفسيًا كبيرًا.
أكّدت دراسة في Journal of Psychosomatic Obstetrics & Gynecology أن الضغط النفسي المرتبط بالعمل يزيد من إفراز هرمون الكورتيزول، الذي بدوره يؤثّر على نمو الجهاز العصبي لدى الجنين.
بكلمات أبسط، الضغط اليومي في بيئة العمل الشاقة لا يضر الأم فقط. بل يمكن أن يترك أثرًا طويل الأمد على الطفل نفسه.
3- غياب التعديلات المهنية: أين الحماية؟
ما لا يُقال عن الحمل للنساء العاملات في الوظائف الشاقة يتعلّق غالبًا بغياب التدابير الواقعية لحمايتهن. رغم وجود قوانين في العديد من الدول تفرض تقليل ساعات العمل أو تعديل المهام خلال الحمل، إلا أنّ التطبيق ضعيف. خصوصًا في القطاعات غير النظامية.

في الواقع، كثير من النساء لا يجرؤن على طلب تعديل في مهامهن خوفًا من الانتقام أو التخلي عنهن. في دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية (ILO)، تبين أن 60٪ من النساء الحوامل في المهن البدنية لا يحصلنَ على أي تعديل في ظروف العمل. بل يواصلن العمل بنفس الوتيرة طوال الحمل.
وهذا الغياب في التفاعل المؤسسي يعكس تجاهلًا مؤسفًا للواقع البيولوجي للحمل، ويعرّض حياة النساء والأجنة للخطر.
4- حلول ممكنة وفق الأبحاث العلمية
رغم سوداوية الصورة، إلا أنّ الحلول ممكنة إذا وُجِدت الإرادة. ما لا يُقال عن الحمل للنساء العاملات في الوظائف الشاقة قد يتحوّل إلى نقاش مفتوح يدفع إلى التغيير.
الدراسات توصي بما يلي:
- تقليل ساعات الوقوف إلى أقل من 3 ساعات يوميًا.
- تجنّب رفع الأوزان التي تتجاوز 5 كغ بشكلٍ متكرّر.
- توفير استراحات منتظمة للجلوس أو المشي القصير.
- تعديل المهام لتجنّب التعرّض لمواد خطرة.
- دعم نفسي منتظم من فريق العمل أو من استشاريين نفسيين مختصّين في طبّ النساء.
هذه التوصيات ليست رفاهية، بل ضرورة لحماية الجنين وتجنّب مضاعفات قد تُكلّف الأسرة والمجتمع كثيرًا.
حمل العاملات بين واجبين: الأمومة والنجاح المهني
ما لا يُقال عن الحمل للنساء العاملات في الوظائف الشاقة، يُخفي مفارقة مؤلمة. المرأة تجد نفسها ممزّقة بين دورها الطبيعي كأمّ، وبين رغبتها في الحفاظ على استقلالها المهني ومصدر دخلها.

في أغلب الحالات، لا تحصل هذه النساء على دعم حقيقي من أماكن العمل أو من النظام الصحي. بل يُطلَب منهنَّ أن “يتحمّلن” وأن “يُثبتن قوتهن”، وكأن الأمومة ضعف أو عبء يجب إخفاؤه.
لكن في الحقيقة، الاعتراف بتلك التحديات، والسعي إلى معالجتها، هو ما يدل على التقدّم والإنسانية، لا العكس.
الخلاصة
في الختام، ما لا يُقال عن الحمل للنساء العاملات في الوظائف الشاقة يجب أن يتحوّل إلى ما يُقال بصوت عالٍ. لا يجوز أن تستمر معاناة النساء الحوامل في الخفاء، ولا أن يُنظر إلى الحمل كعقبة في مسيرة العمل. فسلامة الأم وجنينها مسؤولية جماعية تتطلب وعيًا مجتمعيًا، وتدخّلات قانونية، وإجراءات واقعية في بيئات العمل. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ كيف تحمين صحتك من دون خسارة موقعك في بيئة عمل ضاغطة؟.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن تجاهل الصعوبات التي تواجهها المرأة الحامل في الوظائف الشاقة هو نوع من التمييز الصامت. لا يكفي الاحتفاء بالأمومة في المناسبات، بل يجب أن نمنحها الاحترام الحقيقي عبر السياسات الواقعية والدعم الفعلي. كل امرأة عاملة وحامل تستحق بيئة عمل تحترم احتياجاتها، وتحميها من التهديدات الصحية والنفسية. فالاعتراف بالمعاناة هو بداية الحل، والحديث عن ما لا يُقال عن الحمل للنساء العاملات في الوظائف الشاقة خطوة أولى نحو العدالة المهنية والإنسانية.