هل يجب أن تخبري زملاءك في العمل بحملك؟ سؤال يُطرَح كثيرًا منذ لحظة تأكيد الحمل، خصوصًا لدى المرأة العاملة التي توازن بين التزاماتها المهنية ومسؤولياتها الصحية والعائلية. يُعَدّ الحمل حدثًا شخصيًا ومميزًا، لكنه في ذات الوقت يؤثّر على بعض تفاصيل العمل اليومية. ما يفتح الباب أمام تساؤلات مهمة حول التوقيت، والطريقة، والأشخاص الذين يجب إبلاغهم.
في هذا المقال، سنقدّم لكِ دليلًا عمليًا ومبنيًّا على أبحاث علمية وتجارب واقعية، حول سؤال: هل يجب أن تخبري زملاءك في العمل بحملك؟ ومتى يكون الوقت الأنسب لفعل ذلك؟ وكيف تتحدثين عن الأمر بطريقة مهنية تحافظ على خصوصيتك وتراعي بيئة العمل؟. سنتناول هذه الأسئلة عبر محاور محددة ومنظمة. لا سيّما إذا كنتِ تعملين في بيئة عمل ضاغطة تحاولين فيها الحفاظ على صحّتكِ من دون خسارة موقعك.
هل الحمل شأن خاص أم معلومة يجب مشاركتها؟
قبل كل شيء، من المهم أن نوضّح الفرق بين الخصوصية والشفافية.

بدايةً، الحمل تجربة شخصية، لكن في بيئة العمل، قد تنعكس على الأداء، والمواعيد، والقدرة الجسدية. تشير بعض الدراسات الحديثة، مثل تلك المنشورة في Journal of Occupational Health Psychology، إلى أن الإفصاح عن الحمل في الوقت المناسب يساعد في تقليل الشعور بالتوتر المرتبط بمحاولة إخفاء التغييرات الجسدية أو طلب المساعدة بهدوء.
من جهة أخرى، بيئة العمل تختلف. في بعض المؤسّسات، تُشجَّع الصراحة والدعم. في مؤسسات أخرى، قد تواجه المرأة نظرة سلبية أو تقليلًا من قدراتها. لذلك، السؤال لا يكون فقط “هل يجب أن تخبري زملاءك في العمل بحملك؟” بل “متى يكون من الحكمة فعل ذلك؟”.
متى يكون الوقت المثالي لإبلاغ زملائك؟
التوقيت عامل أساسي في هذا القرار.
عادةً، يُفضّل الكثير من النساء الانتظار حتى نهاية الثلث الأول من الحمل، أي بعد الأسبوع الثاني عشر، خصوصًا أنّ خطر الإجهاض يقل بعد هذه المرحلة. من الناحية الطبية، هذا الوقت يُعتبر آمنًا للإفصاح، بحسب American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG).
إضافةً إلى ذلك، إبلاغ الزملاء في هذا التوقيت يمنحهم وقتًا كافيًا للتأقلم مع المتغيرات المتوقعة، خصوصًا في حال كان عملكِ يتضمّن مهامًا جسدية أو سفرًا متكررًا. لا داعي للإفصاح فور التأكد من الحمل، لكن لا يُنصح أيضًا بالانتظار حتى يظهر البطن بوضوح ويبدأ الآخرون بطرح الأسئلة.
كيف تتحدثين عن حملك في العمل؟
يؤدّي الأسلوب دورًا كبيرًا في تقبّل الآخرين للخبر.

أولًا، حافظي على البساطة. لا داعي للتفاصيل الطبية أو الشخصية. اكتفي بجملة واضحة مثل: “أردت أن أخبركم بأنني حامل، وسأحرص على تنظيم عملي لضمان استمرار سير المهام بسلاسة”.
ثانيًا، اختاري التوقيت المناسب خلال يوم العمل. لا تطرحي الموضوع أثناء اجتماعات الضغط أو وسط انشغالات الفريق. من الأفضل أن تبدئي بإبلاغ المدير أو المسؤول المباشر، ثم تُشاركي الخبر مع الزملاء القريبين.
ثالثًا، احرصي على نبرة مهنية وهادئة. الهدف هو إعلامهم لا طلب موافقتهم. اظهري ثقتك بنفسك وبقدرتك على التوفيق بين الحمل والعمل، فهذا يُعزّز من صورة إيجابية عنكِ لدى الفريق.
ماذا يقول العلم عن تأثير الإفصاح على العلاقات المهنية؟
تُظهر الأبحاث أن الإفصاح المُنظّم يُعزّز من بيئة العمل الداعمة.
وفق دراسة نُشرت في Harvard Business Review، النساء اللواتي أخبرن زملاءهنّ بحملهنّ بطريقة واضحة ومهنية تلقّين دعمًا نفسيًا ومساعدات عملية أكثر. كما شعرن براحة أكبر في التعبير عن احتياجاتهن خلال الحمل.
أيضًا، عند وجود علاقة صحية بين الموظفين، يصبح الخبر فرصة لتقوية الروابط، وليس العكس. فكلّما كانت العلاقة مبنية على الاحترام والصدق، كلّما أصبح الحمل جزءًا طبيعيًا من الحوار.
لكن من المهم الإشارة إلى أنّ بعض النساء قد يتعرّضن لتعليقات سلبية أو تلميحات غير مريحة. هنا، على الموظفة أن ترسم حدودًا واضحة، وأن تُبلغ الإدارة في حال تطوّر الموقف.
من الأفضل أن يعرف أولًا: المدير أم الزملاء؟
السياق يحدّد الأولوية. غالبًا، يُنصح بأن يكون المدير أو المشرف أول من يعلم. السبب بسيط: هو المسؤول عن تنظيم الجداول وتوزيع المهام، وقد يكون له دور في تيسير أمورك خلال الحمل وبعد الولادة. من ثمّ، يمكن إبلاغ الزملاء المقرّبين.

تذكّري أن هدفك هو تحقيق التوازن بين خصوصيتكِ وبين استمرارية العمل. لا يلزمك إبلاغ الجميع، بل فقط من يؤثر حملك على سير عملهم أو يتعاملون معكِ مباشرة.
الخلاصة
في النهاية، هل يجب أن تخبري زملاءك في العمل بحملك؟ سؤال لا توجد له إجابة واحدة صحيحة. يعتمد الأمر على طبيعة عملك، وعلاقتك بزملائك، وبيئة المؤسسة، ومرحلة الحمل.
لا تتعجّلي القرار، ولا تشعري بالذنب إن اخترتِ الخصوصية لبعض الوقت. كلّ امرأة تعيش تجربتها بطريقتها، والمهم أن تشعري بالأمان والثقة خلال هذه المرحلة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن حقيقة الشعور بالذنب لأنك لا تستمتعين بالحمل.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الشفافية المدروسة هي الخيار الأفضل. عندما تُخبري زملاءكِ بطريقة مهنية وفي الوقت المناسب، تُفسحين المجال لبناء بيئة عمل داعمة وإنسانية. في المقابل، الحفاظ على الخصوصية حقّ كامل لكِ، ولا أحد يملك أن يفرض عليكِ متى أو كيف تتحدثين عن حملكِ. الأهم أن تتخذي القرار بناءً على قناعتكِ، لا على توقعات الآخرين.