في البداية، لو كنتِ أم لأول مرة، ستدخلين إلى عالم مليء بالمشاعر المختلطة. بين الفرح، والخوف، والحيرة، تشعرين أنكِ بحاجة إلى دليل سري يخبرك بما لن يقوله لكِ الآخرون. فالكثير من المعلومات التي تحتاجها الأمهات الجديدات لا تُقال بصراحة، وتُترك لاكتشافها بالتجربة. هذه الأمور لا تقلّ أهمية عن النصائح التقليدية، بل أحيانًا تكون أكثر راحة وطمأنينة للأم.
أما في هذا المقال، فسأشاركك بتفصيل أهم الجوانب التي لا يتحدث عنها الناس كثيرًا، لكنها ستجعل رحلتك أسهل بكثير. من الصحة النفسية، إلى النوم، مرورًا بالعلاقة مع الشريك، وصولًا إلى ثقتك بغرائزك الأمومية. وسندعم كل نقطة بمعلومات موثوقة مبنية على دراسات علمية حديثة.
لا أحد يخبركِ أن مشاعرك المتقلبة طبيعية تمامًا
في البداية، تشعر الأم الجديدة بالحزن من دون سبب، ثم بالسعادة، ومن ثم بالخوف. كل هذا طبيعي. تشير الدراسات إلى أن ما يقارب 80% من الأمهات يعانين مما يُعرف بـ”الكآبة النفاسية” أو “baby blues”. وهي مشاعر اضطراب مزاجي خفيف تحدث خلال أول أسبوعين بعد الولادة (Mayo Clinic, 2021).

ببساطة، هذه المشاعر سببها التغيرات الهرمونية الضخمة، بالإضافة إلى التعب الجسدي وقلة النوم. لذلك، لا تشعري بالذنب إن بكيتِ من دون سبب. الأهم أن تتحدثي مع من تثقين به، وخصوصًا مع طبيبكِ إذا استمر الأمر أكثر من أسبوعين، فقد يتحول إلى اكتئاب ما بعد الولادة، وهو أمر قابل للعلاج.
لا أحد يخبركِ أن النوم يصبح عملة نادرة
من المهم أن تعلمي أن نظام نوم الرضيع لا ينتظم في أول ثلاثة أشهر. كثيرون يرددون “نامي وقت ما ينام الطفل”، ولكن قلّما يقولون لكِ أن هذا ليس سهلًا دائمًا. لو كنتِ أم لأول مرة، ستحتاجين إلى فهم أن الحرمان من النوم ليس فشلًا شخصيًا، بل جزء من المرحلة.
بحسب الأكاديمية الأميركية لطب النوم، عدم الحصول على نوم كافٍ يؤثر على قدرة الأم في التركيز، ويزيد من احتمالية التوتر والاكتئاب (American Academy of Sleep Medicine, 2019). لذلك، لا تترددي في طلب المساعدة من الشريك أو أحد أفراد العائلة، حتى لو لساعة واحدة فقط من الراحة.
لا أحد يخبركِ أن العلاقة مع الشريك قد تتغير مؤقتًا
في هذه المرحلة، ينشغل كل منكما بدوره الجديد. ولكن لو كنتِ أم لأول مرة، قد تشعرين بالابتعاد العاطفي أو كثرة الخلافات الزوجية. هذا طبيعي. دراسة نشرتها مجلة Family Process عام 2020 أظهرت أن 67% من الأزواج يعانون من تراجع في الرضا العاطفي في السنة الأولى من الولادة.

لكن، في المقابل، أكدت نفس الدراسة أن الأزواج الذين يتحدثون بانتظام عن مشاعرهم، ويتقاسمون المهام، ينجحون في تخطي هذه المرحلة بنجاح. ببساطة، الحوار هو المفتاح. خصّصي وقتًا ولو بسيطًا للجلوس مع الشريك، وشاركيه احتياجاتك ومخاوفك من دون لوم.
لا أحد يخبركِ أن الثقة بنفسكِ كأم لا تأتي فورًا
في البداية، تشعرين أنكِ تجهلين كل شيء. وتشكّين في قدرتكِ على التصرّف، حتى في أبسط الأمور كتهدئة الطفل أو حمله. ولكن مع الوقت، يبدأ الحدس الأمومي بالظهور.
تشير دراسة نشرت في مجلة Infant Behavior and Development عام 2018 إلى أن تفاعل الأم مع طفلها يُنمي تدريجيًا ثقتها بنفسها. وكل تجربة صغيرة، حتى إن بدت تافهة، تساهم في هذا التكوين.
فلا تصدقي دائمًا ما يُقال لكِ من الآخرين، وخصوصًا عند مقارنة طفلكِ بغيره. كل طفل مختلف. ثقي بحسكِ الداخلي، وافعلي ما يُناسبكِ ويُناسب طفلكِ.
لا أحد يخبركِ أن جسمكِ يحتاج وقتًا طويلًا للتعافي
يعتقد العديد من الأمهات أن الجسم سيعود كما كان خلال أسابيع. ولكن الحقيقة مختلفة. لو كنتِ أم لأول مرة، يجب أن تعلمي أن الرحم يحتاج من 6 إلى 8 أسابيع ليعود لحجمه الطبيعي، وأن الهرمونات تستغرق وقتًا أطول لتتوازن.

وفقًا للمعهد الوطني لصحة الطفل (NICHD)، يحتاج الجسم إلى عدة أشهر ليستعيد قوّته بالكامل، خاصّةً في حال الرضاعة الطبيعية أو الولادة القيصرية. لذلك، لا تضغطي على نفسكِ ولا تستعجلي استعادة وزنكِ أو شكلكِ السابق.
الراحة، والغذاء الجيد، والمشي الخفيف، كلها خطوات كافية مبدئيًا. كل ما تحتاجينه هو الصبر، والرحمة مع نفسكِ.
لا أحد يخبركِ أن المساعدة ليست ضعفًا
في ثقافتنا، يُربط مفهوم الأم المثالية بأنها قادرة على القيام بكل شيء وحدها. ولكن، علميًا، الضغط الزائد يُهدد الصحة النفسية والجسدية للأم.
في دراسة حديثة نشرتها جامعة تورنتو عام 2021، تبين أن الأمهات اللواتي يحصلن على دعم اجتماعي (من صديقات، أم، شريك، قابلة…) يعانين أقل من التوتر والاكتئاب، ويشعرن بثقة أعلى في أداء دورهن.
لذا، لا تخجلي من طلب المساعدة. من الطبيعي أن تحتاجي من يُحضر لكِ كوب ماء، أو يُمسك الطفل لتأخذي حمامًا سريعًا. هذا لا ينتقص من أمومتكِ، بل يعكس وعيكِ بأهمية التوازن.
الخلاصة
في النهاية، لو كنتِ أم لأول مرة، تذكّري أن كل تجربة فريدة. لا تقيسي نفسكِ بما ترينه على وسائل التواصل، ولا تظني أنكِ وحدكِ في هذه الرحلة.
كل يوم تتعلّمين، وتكبرين مع طفلكِ. سترتكبين أخطاء، وستنجحين، وستبكين، وتضحكين. هذا طبيعي. المهم أن تتقبلي ذاتكِ وتثقي برحلتكِ الخاصة. الأمومة ليست سباقًا، بل مسارًا طويلًا مليئًا بالمفاجآت الجميلة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أهميّة دعم الأب وقت الحمل والولادة.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن من حق كل أم، وخصوصًا لو كنتِ أم لأول مرة، أن تعرف هذه الحقائق قبل أن تصطدم بها في الواقع. ليس من باب التخويف، بل بهدف الطمأنينة. فحين نعلم أن ما نشعر به طبيعي، وأننا لسنا وحدنا، يخفّ الحمل النفسي، ونشعر أننا قادرات على تخطي كل شيء. الأمومة ليست صورة مثالية، بل مشاعر حقيقية وتجارب إنسانية تحتاج إلى دعم، ورحمة، وصوت صادق يرافقها، من دون تزييف.