لا شكّ أنّ دعم الأب يغيّر حياة الأم بشكل جذري. في بداية رحلة الأمومة، تمرّ المرأة بتحوّلات نفسية وجسدية واجتماعية عميقة. خلال هذه المرحلة الحسّاسة، يظهر دور الأب ليس فقط كشريك حياة، بل كعنصر دعم أساسي يمنح الأم توازنًا وراحة نفسية لا تقدَّر بثمن. فحين تشعر المرأة أنّ من بجانبها يُقدّر مشاعرها، ويشاركها أعباء الحياة اليومية، يصبح الحمل والولادة وما بعدهما تجربة أقل توترًا وأكثر انسجامًا.
في هذا المقال، نسلّط الضوء على التأثير العميق لـ دعم الأب في حياة الأم. سنناقش كيف يُسهام هذا الدعم في تعزيز الصحة النفسية، ويقوّي العلاقة الأسرية، ويؤثّر حتى على نمو الطفل. سنتناول أيضًا نتائج أبحاث علمية حديثة تؤكّد أهمية هذا الدور، قبل أن نختتم بخلاصة شاملة حول هذا الموضوع الإنساني المؤثّر.
دعم الأب يُقلّل من اكتئاب ما بعد الولادة
عند الولادة، تمرّ الأم بمرحلة معقّدة نفسيًا. تشير دراسة نُشرت في Journal of Affective Disorders أنّ النساء اللواتي يحصلنَ على دعم فعّال من الزوج، تقلّ لديهن نسبة الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة بنسبة تصل إلى 40%. يقتصر هذا الدعم لا على الكلام فقط. بل يشمل المساعدة في العناية بالمولود، ومشاركة المسؤوليات المنزلية، والاهتمام بصحّة الأم الجسديّة والنفسيّة.

من جهة أخرى، أكّدت دراسة أجريت في جامعة Cambridge أنّ النساء اللواتي يشعرنَ بالاحتواء من قبل الزوج، يعانين من توتّر أقل، ويستعدن عافيتهن بعد الولادة بسرعة أكبر. ببساطة، عندما تكون الأم مرتاحة نفسيًا، تنعكس هذه الراحة على جودة رعايتها لطفلها.
دعم الأب يُعزّز التوازن العاطفي للأم
تشعر الأم بالثقل العاطفي نتيجة ضغوط الحياة اليومية والتحديات المتكررة في رعاية الطفل. وهنا يأتي دعم الأب كصمّام أمان يوفّر لها الطمأنينة والاحتواء. فعندما يبادر الأب بالسؤال عن حالها، ويستمع بصدق لما تشعر به، تتعزّز ثقتها بنفسها، وتشعر أنها ليست وحيدة في هذه الرحلة.
كما أظهرت دراسة نُشرت في Psychology Today أنّ الأزواج الذين يتشاركون في اتخاذ القرارات العائلية، ويدعمون شريكاتهم نفسيًا، يتمتّعون بعلاقات زوجية أكثر استقرارًا. العلاقة الصحية بين الزوجين تنعكس إيجابًا على الصحة العاطفية للأم، وتمنحها طاقة إيجابية تساعدها في تجاوز التعب والتحديات.
دعم الأب يحسّن الرضا الأسري وجودة الحياة
من المهم أن ندرك أنّ دعم الأب لا يعود فقط بالفائدة على الأم. بل يُغيّر ديناميكية الحياة الأسرية بالكامل. فحين يتواجد الأب كمشارك فعّال في التربية والقرارات اليومية، يشعر الطفل بالاستقرار، وتشعر الأم بأنّ الحياة متوازنة. أظهرت دراسة منشورة في The American Journal of Family Therapy أنّ تحقيق التوازن في المسؤوليات بين الوالدين يُقلّل من النزاعات الزوجية، ويرفع من مستوى الرضا داخل الأسرة.

وبالإضافة إلى ذلك، حين يرى الطفل أباه يساعد والدته، يتعلّم من خلال القدوة أهمية التعاون، والاحترام، والمشاركة. وبالتالي، يكون الطفل أكثر وعيًا في تعاملاته المستقبلية. هذا الأثر التربوي العميق لا يمكن تجاهله. وذلك لأنه يزرع في الطفل مبادئ إنسانية منذ سنواته الأولى.
دعم الأب يُسرّع شفاء الأم بعد الولادة
من الناحية الجسدية، تمرّ الأم بعد الولادة بفترة نقاهة تحتاج فيها إلى من يرعاها كما ترعى طفلها. في هذه الفترة، يُعتبر دعم الأب عنصرًا حاسمًا في تسريع الشفاء. فحين يقوم الأب بتحضير الوجبات، أو رعاية الطفل لفترات قصيرة حتى تنال الأم قسطًا من الراحة، يعود ذلك عليها بفائدة كبيرة.
نشرت مجلة Birth: Issues in Perinatal Care دراسة تفيد بأنّ الأمهات اللواتي تلقّين دعمًا فعليًا في الأسابيع الأولى بعد الولادة تعافين بسرعة، وكان لديهن طاقة أفضل لتلبية احتياجات أطفالهن. هذا يدلّ على أهمية إشراك الأب في كل تفاصيل ما بعد الولادة، وليس الاكتفاء بدور ثانوي.
دعم الأب يقوّي الرابطة بين الزوجين
عندما يرى الشريك في الأمومة مسؤولية مشتركة، يشعر كلا الطرفين بقرب أكبر. مشاركة الأب في التفاصيل اليومية تعزّز العلاقة العاطفية وتمنح الحياة الزوجية بُعدًا أعمق. فالاحترام المتبادل، والتقدير، وتوزيع المهام بشكل عادل، هي أساسات لعلاقة طويلة الأمد مليئة بالحب والدعم.

تُشير دراسة حديثة من Harvard University إلى أنّ العلاقات الزوجية التي تتّسم بالتعاون والمشاركة الفعلية ترتبط بمعدلات أعلى من السعادة والاستقرار الأسري. هذا النوع من الترابط ليس فقط صحيًا للأم. بل ضروري أيضًا لخلق بيئة متوازنة ينمو فيها الطفل بثقة وأمان.
الخلاصة
من خلال ما سبق، يتبيّن لنا أن دعم الأب ليس تفصيلًا ثانويًا أو مجاملة رمزية، بل هو عنصر فعّال في صحة الأم النفسية والجسدية، وفي نجاح الحياة الأسرية بشكل عام. ينعكس هذا الدعم على جميع أفراد الأسرة، من الزوجة إلى الطفل، وحتى على جودة العلاقة الزوجية نفسها.
في مجتمعاتنا، لا بدّ من إعادة رسم صورة الأب التقليدية، والاعتراف بأهمية دوره العاطفي والتربوي. فمشاركة الأب في حياة الأم وتقديم الدعم المستمر، ليست فقط مسؤولية. بل شراكة حقيقية تنقذ الأرواح، وتبني مستقبلًا أفضل. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ كيف تعززين التواصل العائلي في وسط زحمة الحياة اليومية؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ الأمومة ليست وظيفة فردية، بل رحلة جماعية تحتاج إلى تآزر حقيقي بين الأم والأب. عندما يصبح دعم الأب ثابتًا ومحبًّا وصادقًا، تشعر المرأة بأنها قادرة على اجتياز الصعاب، مهما بلغت شدّتها. في لحظة واحدة من الدعم الصامت، أو عناق بعد يوم طويل، قد تجد الأم ما يكفي من القوة لتستمر. لذا، أدعو كل أب أن لا يقلّل من أثر حضوره، لأن حضوره هو الحصن، وهو الأمان، والبداية الحقيقية لأمّ سعيدة وأسرة متماسكة.