يُعدّ سبب كثرة النوم عند النساء موضوعًا مهمًا يثير قلقًا متزايدًا بين الخبراء، خصوصًا مع ارتفاع معدّلات الشعور بالتعب المزمن واضطرابات النوم لدى النساء حول العالم. فالكثير من النساء يشعرنَ بحاجة مفرطة للنوم، تتجاوز المعدّل الطبيعيّ اليوميّ البالغ سبع إلى ثماني ساعات. وقد تُعتبر هذه الحال مجرّد تعبٍ عابر، لكنّ الدراسات الحديثة تُشير إلى أنّها قد تخفي وراءها مشاكل صحّية أو هرمونية تحتاج إلى متابعة دقيقة.
في هذا المقال، سنتناول الأسباب العلميّة وراء هذه الظاهرة بالتفصيل، مع تسليط الضوء على العوامل الهرمونية والنفسية والعضوية، وتأثير نمط الحياة. بالإضافة إلى الحالات المرضيّة التي قد تفسّر فرط النوم. وسنعرض في الختام خلاصة شاملة حول سبل التعامل مع هذه الحال بوعي ومسؤوليّة.
التغيّرات الهرمونية وتأثيرها على النوم
تبدأ أوّل المؤشّرات غالبًا من الهرمونات. فالهرمونات الأنثوية، مثل الإستروجين والبروجيستيرون، تؤدّي دورًا مباشرًا في تنظيم دورة النوم والاستيقاظ. عندما يحدث اختلال في توازنها، سواء خلال الدورة الشهرية أو أثناء الحمل أو بعد الولادة أو في سنّ اليأس، تشعر المرأة بتعبٍ شديد ورغبة مستمرّة في النوم.

- يشير المعهد الوطني للصحة الأمريكي (NIH) إلى أنّ البروجيستيرون، المعروف باسم “هرمون الهدوء”، يسبّب بطئًا في النشاط العصبيّ ويزيد الحاجة للنوم.
- أمّا انخفاض الإستروجين في فترة ما قبل الدورة أو بعد انقطاع الطمث فيؤدّي إلى اضطرابات في المزاج، وضعف في جودة النوم، وشعور متكرّر بالنعاس نهارًا.
كما أنّ فقر الدم الناتج عن نقص الحديد شائع بين النساء، ويُعتبر من الأسباب التي تعزّز الشعور بالخمول والنوم الزائد. وبذلك، يمكن القول إنّ سبب كثرة النوم عند النساء في كثير من الحالات يرتبط مباشرةً بالتغيّرات الهرمونية المستمرّة التي تميّز المرحلة الإنجابية وما بعدها.
العوامل النفسية والضغوط اليومية
يُعدّ العامل النفسي من أبرز المسبّبات التي يصعب اكتشافها بسهولة. فالمرأة غالبًا ما تتحمّل أعباء متعدّدة: العمل، والأسرة، والمشاعر، والضغوط الاجتماعية. هذه المسؤوليات تؤدّي إلى إرهاق نفسيّ عميق، يُترجم في بعض الأحيان برغبة زائدة في النوم كوسيلة دفاعيّة يبتكرها الدماغ للهروب من الضغط.
- تشير أبحاث Mayo Clinic إلى أنّ المعاناة من الاكتئاب واضطرابات القلق ترتبط بخلل في نواقل السيروتونين والدوبامين في الدماغ، ما يؤثّر في تنظيم النوم.
- كما أنّ النساء أكثر عرضة من الرجال للإصابة بالاكتئاب الاضطرابيّ الموسميّ (SAD) خلال الشتاء. وهو ما يزيد الرغبة بالنوم خلال النهار.
من ناحية أخرى، تُظهر دراسات نُشرت في Journal of Sleep Research أنّ كثرة التفكير قبل النوم، والقلق المستمرّ، والضغوط غير المعالجة، تضعف نوعيّة النوم وتؤدّي إلى إحساس دائم بعدم الراحة، رغم طول فترة النوم. وهنا يظهر أنّ سبب كثرة النوم عند النساء قد يكون نفسيًّا بامتياز، يرتبط بالحال الذهنية والمزاجية أكثر من كونه خللًا جسديًّا واضحًا.
نمط الحياة والعادات اليومية
يُعَدّ أسلوب الحياة من العوامل التي لا تقلّ أهميّة. فالنساء اللواتي يعشنَ نمطًا خاملًا أو يتبعن نظامًا غذائيًّا فقيرًا بالعناصر الأساسية، غالبًا ما يشعرن بتعب دائم.

- قلّة الحركة البدنية تُخفّض نشاط الدورة الدموية. ما يقلّل من وصول الأوكسجين إلى الدماغ، ويزيد الشعور بالنعاس.
- تناول الأطعمة الغنيّة بالكربوهيدرات والسكّريات في المساء يؤدّي إلى ارتفاع سريع في سكر الدم، يعقبه انخفاض حادّ يسبّب خمولًا.
- كذلك، السهر الطويل أمام الشاشات يُربك إفراز الميلاتونين. وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم النوم.
بحسب دراسة صادرة عن Cleveland Clinic، فإنّ ممارسة النشاط البدنيّ المعتدل لمدّة نصف ساعة يوميًّا، وتحسين النظام الغذائيّ الغنيّ بالبروتين والخضار، يُساهمان في تقليل الإحساس بالنعاس بنسبة تصل إلى 40%. لذا، يمكن القول إنّ سبب كثرة النوم عند النساء قد يكون ببساطة مرتبطًا بنمط حياة غير متوازن يحتاج إلى تعديل.
الأمراض الخفيّة واضطرابات الغدّة
أحيانًا، لا يكون السبب واضحًا أو بسيطًا. بل يكمن في اضطرابات داخليّة تحتاج إلى تشخيص دقيق. فالغدّة الدرقية مثلًا تُعدّ أحد المفاتيح الأساسية لتنظيم الطاقة في الجسم. عندما يحدث قصور فيها، يبطؤ الأيض وتظهر علامات التعب والنوم المفرط.
- قصور الغدّة الدرقية أكثر شيوعًا بين النساء، خصوصًا بعد سنّ الأربعين.
- كذلك، داء السكّري من النوع الثاني، ومتلازمة تكيّس المبايض (PCOS)، يمكن أن يسبّبا اضطرابات هرمونية تؤثّر في النوم.
- كما أنّ انقطاع النفس أثناء النوم (Sleep Apnea)، الذي غالبًا ما يُشخّص عند الرجال، يطال النساء أيضًا. لكن بطريقة مختلفة وأقلّ وضوحًا، فيجعل نومهنّ طويلًا وغير مريح.
وجدت دراسة من Harvard Medical School أنّ النساء المصابات بانقطاع النفس الخفيف أثناء النوم قد يعانين من نعاس مفرط من دون أن يُظهر الفحص التقليدي المشكلة. ما يفسّر لماذا قد يمرّ الأمر من دون اكتشاف سريع. وهنا تكمن خطورة إهمال الحال. لأنّ سبب كثرة النوم عند النساء قد يكون عرضًا لمشكلة عضويّة دقيقة تحتاج متابعة طبيّة مختصّة.
العلاقة بين جودة النوم والصحّة العقلية
لا يمكن فصل النوم عن الصحّة العقلية. فالنوم الجيّد يعزّز الذاكرة والمزاج والتركيز. لكنّ الإفراط في النوم، كما تؤكّد دراسات National Sleep Foundation، قد يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، والاكتئاب، والخرف في المدى البعيد.

- النوم أكثر من تسع ساعات يوميًّا باستمرار يرفع احتمالية ضعف القدرات الإدراكية مع التقدّم في العمر.
- كما أنّ الجسم يفقد توازنه الطبيعيّ بين النوم العميق والنوم الخفيف. ما يؤدّي إلى كسل ذهنيّ وصعوبة في الاستيقاظ.
من هنا، يجب النظر إلى النوم المفرط ليس كراحةٍ إضافيّة، بل كإشارة تحذير تحتاج إلى تحليلٍ دقيق. إنّ سبب كثرة النوم عند النساء ليس واحدًا، بل نتيجة تفاعل معقّد بين الهرمونات، والنفس، والعادات، والجسد. وهو ما يتطلّب نظرة شاملة لا تقتصر على العلاج بالأدوية فقط.
الخلاصة
إنّ النوم المفرط لدى النساء ليس مجرّد عادة. بل ظاهرة ذات أبعاد جسدية ونفسية معقّدة. تتقاطع فيها التغيّرات الهرمونية، والضغوط النفسية، والعادات اليومية، وأحيانًا الأمراض الخفيّة. لذلك، من الضروريّ عدم الاستهانة بالعلامات التي يرسلها الجسد. وذلك لأنّها قد تكشف اضطرابًا يحتاج إلى تدخّلٍ مبكر. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وعرضنا لكِ اطعمة تقوي الذاكرة وتجعلكِ أكثر حيوية ونشاطًا كل يوم!
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ الوعي الذاتيّ هو الخطوة الأولى لفهم الجسد واحترام إيقاعه الطبيعيّ. فعلى كلّ امرأة أن تُصغي إلى جسدها، وأن تُميّز بين التعب العابر والتعب المستمرّ. كما أنصح بإجراء فحوصات دوريّة للدم والغدّة، واعتماد نظام حياة صحيّ متوازن بين العمل والراحة. النوم هبة إلهية، لكنّ الإفراط فيه قد يكون إنذارًا، لا راحةً. لذا، لا بدّ من التعامل مع سبب كثرة النوم عند النساء كإشارة مهمّة لا يمكن تجاهلها. بل كدعوة إلى اكتشاف الذات والعناية الحقيقيّة بالصحة.
