يشكّل سبب بكاء الطفل بدون سبب مصدر قلق متكرّر لكلّ أمّ جديدة أو حتى ذات خبرة. في لحظات كثيرة، قد تجدين صغيرك يبكي بحرقة، رغم أنكِ أرضعته، وبدّلتِ حفاضه، واحتضنته بحنان. هنا تبدأ الحيرة: لماذا يبكي رغم أن كلّ احتياجاته الأساسية ملبّاة؟
في هذا المقال، سنشرح لكِ خطة متكاملة لفهم هذا النوع من البكاء. أوّلًا سنوضّح مفهومه علميًا. بعد ذلك سنكشف لكِ أبرز الأخطاء التربوية الشائعة التي قد تزيد من بكاء طفلكِ من دون قصد منكِ. ثم سنقدّم نصائح فعّالة يمكنكِ اتّباعها.
مفهوم علمي لسبب بكاء الطفل بدون سبب
كثيرًا ما نسمع الأمهات يقلن: “طفلي يبكي بلا سبب!” لكن هل هذا حقيقي؟

في الحقيقة، بحسب الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP)، لا يوجد ما يُسمّى ببكاء من دون سبب بالمعنى الحرفي. بل هناك دائمًا محفّزات وإن بدت غير واضحة.
من بين المفاهيم العلمية التي توضّح سبب بكاء الطفل بدون سبب نجد مفهوم “البكاء الطبيعي المتزايد” أو ما يُعرف علميًا بـ PURPLE crying. هذه المرحلة تصيب الرضع بين عمر أسبوعين إلى ثلاثة أو أربعة أشهر. في هذه الفترة، ترتفع وتيرة البكاء فجأة، بلا أي مرض عضوي. يُعزى ذلك إلى عدم اكتمال نضوج الجهاز العصبي المركزي لديهم، مما يجعلهم أكثر حساسية لأي منبّه بيئي.
أيضًا، أشارت دراسة نشرتها مجلة Pediatrics سنة 2017 إلى أن 20% من الأطفال الطبيعيين يمرّون بهذه المرحلة. الأهمّ هو وعي الأهل بأن البكاء طبيعي هنا ولا يدلّ بالضرورة على خطأ في الرعاية.
أخطاء شائعة تزيد من بكاء الطفل
في الكثير من الأحيان، قد تكونين أنتِ من دون قصد سببًا في تعزيز هذا البكاء. كيف؟ عبر أخطاء شائعة ترتكبينها يوميًا.

أولًا- تحفيز الطفل الزائد
تُحبّ الأمهات أن يُحيطن الطفل بالألعاب والأصوات والألوان. لكن بحسب Harvard Center on the Developing Child، التحفيز الزائد يُربك دماغ الطفل غير الناضج، ويجعله يشعر بعدم الأمان، مما يؤدي إلى نوبات بكاء غير مفسّرة.
ثانيًا- غياب الروتين
يحتاج الطفل إلى نمط يومي واضح يشعره بالأمان. غياب الروتين في أوقات النوم أو الرضاعة الطبيعيّة أو الاستحمام يربك ساعته البيولوجية. وهنا يظهر سبب بكاء الطفل بدون سبب بشكل أوضح.
ثالثًا- تجاهل إشارات التعب
كثير من الأمهات يُخطئن في تقدير علامات تعب الطفل. حين يتجاوز الطفل مرحلة النعاس إلى مرحلة الإرهاق، يصبح من الصعب تهدئته. عندها يدخل في دوامة بكاء غير مفهومة.
رابعًا- استخدام الشاشات
إنّ استخدام الشاشات (الموبايل، التلفاز) لإلهاء الرضيع يزيد من تحفيز دماغه. العديد من الدراسات، منها دراسة جامعة Toronto عام 2020، تربط بين كثرة التعريض للشاشات وزيادة اضطرابات النوم والبكاء عند الأطفال الرضع.
كيف تتعاملين مع هذا النوع من البكاء؟
الخبر السار هو أنكِ قادرة على تقليل هذا البكاء. فقط عبر خطوات بسيطة ومدروسة.

أوّلاً- حافظي على روتين ثابت
ابدئي بتنظيم يوم طفلكِ. اجعلي الرضاعة، القيلولات، والنوم في مواعيد شبه ثابتة. يشعر الطفل حينها بالأمان.
ثانيًا- تقليل التحفيز
خفّفي عدد الألعاب، خفّفي الإضاءة، وأبعدي الشاشات. البيئة الهادئة تعزّز راحة الطفل. وهكذا قد تقلّلين من سبب بكاء الطفل بدون سبب.
ثالثًا- الاستجابة الفورية
لا تتجاهلي بكاء الطفل بدعوى “تركه يتعلّم تهدئة نفسه”. الدراسات الحديثة، مثل التي
نشرتها Infant Mental Health Journal سنة 2019، تؤكّد أن الاستجابة السريعة ترفع مستوى الأمان النفسي عند الطفل وتقلّل البكاء مع الوقت.
رابعًا- لمسات تهدئة فعّالة
جرّبي ضمّ الطفل بطريقة مريحة. استخدمي لفّه ببطانية ناعمة (swaddling)، أو الهزّ البسيط، أو أصوات “white noise”. هذه التقنيات مدروسة علميًا وتساعد على تنظيم الجهاز العصبي.
متى يجب القلق؟
رغم أن معظم حالات بكاء الطفل طبيعية، إلا أن بعض المؤشرات تستدعي الانتباه.
مؤشرات خطر تشمل:
- استمرار البكاء أكثر من ٣ ساعات يوميًا ولمدة تتجاوز أسبوعًا.
- تغير في لون البشرة مع البكاء (شحوب شديد أو ازرقاق).
- ارتفاع حرارة الطفل من دون سبب واضح.
- رفض الرضاعة بشكل مستمر.
عند ظهور هذه العلامات، يُنصح باستشارة طبيب الأطفال فورًا.
الخلاصة
قد يكون سبب بكاء الطفل بدون سبب معقّدًا. أحيانًا بيولوجيّ وأحيانًا نتيجة لعوامل بيئية أو سلوكية. الأهمّ هو أن تبقي هادئة ومُدركة لما يحصل. عبر تصحيح الأخطاء الشائعة واتباع النصائح العلمية، يمكنكِ مساعدة صغيرك على عبور هذه المرحلة بأقل توتّر ممكن. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن سبب بكاء الطفل المفاجئ وهو نائم.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ فهم الأم للدوافع الحقيقية وراء بكاء طفلها هو الخطوة الأهمّ والأكثر أهميّة لفهم هذه الحال. كثير من الأمهات يشعرن بالذنب أو القلق المفرط. بينما المطلوب هو التسلّح بالعلم والصبر. البكاء لا يعني أنكِ أمّ سيئة، بل هو جزء من نمو الطفل الطبيعي. اعتبريه لغةً طبيعية وحاولي تفسيرها بهدوء وحنان وعاطفة. هكذا تخلقين بيئة صحّية لطفلكِ ولنفسكِ بطريقة سليمة.