يُعَدّ سبب بكاء الطفل المفاجئ وهو نائم من أكثر الأمور التي تثير قلق الأمهات. فكم من مرّة استيقظتِ في منتصف الليل على صوت بكاء طفلكِ من دون أن تعرفي ما يحدث؟ أحيانًا يبكي الطفل فجأة أثناء نومه، من دون ارتفاع حرارة، أو مرض ظاهر، أو حتى جوع. هنا تبدأ المخاوف: هل هذا طبيعي؟ هل يشير إلى اضطراب خطير؟
في هذا المقال، سنشرح لكِ الأسباب الشائعة وراء هذا السلوك، مدعومة بدراسات علمية حديثة. بعد ذلك، سننتقل إلى كيفية التفريق بين الحالات الطبيعية والمشاكل التي تستدعي زيارة الطبيب. وأخيرًا، سنقدّم نصائح عملية تساعدكِ على تهدئة طفلكِ وتعزيز نومه الهادئ.
طبيعة نوم الأطفال
لنبدأ بفهم طبيعة نوم الطفل. فالنوم عند الأطفال ليس شبيهًا بنوم الكبار. يمرّ الطفل بدورات نوم متكررة. كل دورة تتضمن مراحل نوم خفيف ونوم عميق.

في المراحل الخفيفة، يصبح الطفل أكثر عرضة للاستيقاظ أو التحرك أو البكاء. أظهرت دراسة في Journal of Sleep Research أنّ نسبة الاستيقاظات العفوية عند الرضّع والأطفال الصغار تصل إلى 5 – 6 مرات في الليلة (Scher, 2001).
هنا، من الطبيعي أن يبكي الطفل أثناء انتقاله بين مراحل النوم. في هذه الحال، لا يدعو البكاء للقلق، خصوصًا إذا ما عاد الطفل إلى النوم بسرعة.
الرعب الليلي
الرعب الليلي (Night terrors) هو سبب آخر شائع. يحدث عادة عند الأطفال بين عمر 2 و 6 سنوات. في هذا الاضطراب، يصرخ الطفل فجأة أثناء النوم، يبدو خائفًا، وأحيانًا يفتح عينيه، لكنّه لا يكون واعيًا.
بحسب American Academy of Sleep Medicine، لا يُعتبر الرعب الليلي خطيرًا ولا يشير إلى اضطراب نفسي دائم. بل يحدث بسبب عدم نضج الجهاز العصبي المركزي للطفل (AASM, 2014).
في هذه الحال، لا تحاولي إيقاظ طفلكِ. اكتفي بمتابعته من بعيد وتأكدي من أنّه في مكان آمن. عادةً، يهدأ الطفل من تلقاء نفسه ويكمل نومه.
الكوابيس
تُعدّ الكوابيس من الأسباب المتكررة وراء سبب بكاء الطفل المفاجئ وهو نائم. بعكس الرعب الليلي، يستيقظ الطفل بعد الكابوس وهو مدرك لما يحدث. قد يخبركِ عن حلم مخيف.

الكوابيس شائعة بين عمر 3 و 10 سنوات. بحسب دراسة منشورة في Sleep Medicine Clinics، أكثر من 50% من الأطفال يعانون من الكوابيس في مرحلة ما من الطفولة (Lewis et al., 2016).
الضغوط النفسية، ومشاهدة مشاهد مخيفة، أو حتى تغيّرات بسيطة في روتين اليوم قد ترفع من احتمال حدوث الكوابيس.
نصيحتي هنا: وفّري لطفلكِ بيئة نوم مريحة، وقلّلي من التعرض لشاشات الأجهزة الإلكترونية قبل النوم، وشاركيه ممارسة نشاطات تهدّئه قبل النوم كقراءة قصة.
الألم الجسدي أو عدم الراحة
أحيانًا، يبكي الطفل أثناء النوم بسبب ألم جسدي غير ظاهر. على سبيل المثال:
- تسبّب عوارض التسنين ألم اللثة وقد يوقظ الطفل ليلًا.
- إنّ المعاناة من المغص والغازات قد تدفع الرضيع إلى البكاء أثناء النوم.
- تُعدّ التهابات الأذن من الأسباب المزعجة، خصوصًا في الليل.
في دراسة من Pediatrics, تبيّن أن بكاء الطفل أثناء النوم بدون سبب واضح استدعى تشخيص التهاب الأذن عند 25% من الحالات (Casselbrant et al., 1995).
لذلك، في حال تكرّر بكاء الطفل ليلًا مع علامات مرضية كارتفاع الحرارة أو صعوبة الرضاعة، من الأفضل مراجعة الطبيب.
اضطرابات النمو
مع كل قفزة نمو يمرّ بها الطفل، تحدث تغيّرات في نومه. قد يستيقظ أكثر من المعتاد أو يبكي فجأة.

تُظهر دراسات عديدة أن اضطرابات النوم تظهر بشكل مترافق مع مراحل التطور الكبرى: بدء الحبو، والمشي، أو الكلام (Scher, 2001).
في هذه الحال، ما يحدث طبيعي تمامًا. الأهم هو الصبر ودعم الطفل خلال هذه الفترة.
متى يدلّ البكاء على مشكلة خطيرة؟
أحيانًا، لا يكون سبب بكاء الطفل المفاجئ وهو نائم بسيطًا. من الضروري الانتباه إلى العلامات التالية:
- ارتفاع حرارة الجسم مع البكاء.
- تيبّس في الجسم أو حركات غير طبيعية.
- صعوبة في الاستيقاظ أو الخمول الشديد.
- صراخ متواصل لا يهدأ حتى بحمل الطفل.
في حال ظهور أيّ من هذه العوارض، استشيري الطبيب فورًا.
في الختام، من المهم أن تعلمي أنّ سبب بكاء الطفل المفاجئ وهو نائم في أغلب الأحيان لا يدلّ على مشكلة خطيرة. معظم الحالات تكون طبيعية ومترافقة مع تطوّر نوم الطفل أو اضطرابات عابرة مثل الرعب الليلي أو الكوابيس.
لكن في المقابل، على الأهل البقاء يقظين. متى ما ظهرت علامات مقلقة، يُفضَّل طلب الاستشارة الطبية.
أخيرًا، كوني دومًا إلى جانب طفلكِ خلال هذه المراحل. فالحصول على الحنان والاطمئنان من الأم يُعزّز شعور الأمان لديه ويُساعده على تخطّي هذه الفترات الصعبة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن عدد ساعات نوم الرضيع بحسب كل مرحلة من عمره.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ وعي الأم بهذه الظاهرة يقلّل من قلقها، ويسمح لها بالتصرّف بحكمة. الأهم هو فهم طبيعة نوم الطفل، وتقبّل أنّ مراحل بكائه أحيانًا جزء طبيعي من نموّه. ومع الحب والدعم المستمرّ، سيكتسب طفلكِ نومًا أكثر هدوءًا واستقرارًا مع مرور الوقت.