يُعَدّ رسم شجرة العائلة للأطفال من أكثر الأنشطة التربوية متعةً وفائدةً في آنٍ واحد. بعد مرور سنوات على تطوّر وسائل التعليم التفاعلي، بات هذا النوع من الرسم أداة تعليمية تنمّي وعي الطفل بانتمائه الأسري، وتغرس فيه مشاعر الحب، والارتباط، والتقدير لأفراد عائلته. ممّا يُعيد الانسجام إلى أجواء الحياة العائلية.
في هذا المقال، نسلّط الضوء على أهمية ممارسة هذا النشاط البسيط في بناء هوية الطفل الاجتماعية. ثم ننتقل لتحليل فوائده النفسية والعاطفية، ونقترح خطوات عمليّة لتطبيقه في المنزل أو في المدرسة. وأخيرًا، نعرض نصائح تسهّل تنفيذه وتزيد من فعاليته لدى الأطفال.
ما هي شجرة العائلة وكيف نُبسط مفهومها للطفل؟
لفهم أهمية رسم شجرة العائلة للأطفال، لا بد أوّلًا من شرح المفهوم. شجرة العائلة هي مخطط رسومي يُظهر الأفراد الذين ينتمون إلى نفس الأسرة، مع توضيح العلاقة بين كل فرد وآخر، مثل: الأب، والأم، والأجداد، والأشقاء، والعمات.

بهدف تبسيط الفكرة، يمكن استخدام رموز وأشكال محببة مثل القلوب، أو صور مصغّرة، أو وجوه مرسومة، بدلًا من الأسماء فقط. عند ذلك، يصبح الرسم أداة تعليمية تنمّي التفكير البصري وتُثري الإدراك الزمني والتسلسلي لدى الطفل. وهي مهارات مرتبطة مباشرة بتطور الدماغ الأمامي، كما أظهرت دراسات تربوية متعددة (Papalia et al., 2021).
الفوائد النفسية لرسم شجرة العائلة للأطفال
لا يقتصر رسم شجرة العائلة للأطفال على الترفيه أو التسلية بل يتجاوز ذلك ليقدّم دعمًا نفسيًا عميقًا. عندما يكتشف الطفل جذوره، يشعر بالأمان. هذا الانتماء الأسري يخفف من حدة الشعور بالقلق الاجتماعي، ويمنحه شعورًا بالقيمة داخل منظومة أكبر منه.
بحسب دراسة نُشرت في Journal of Child and Family Studies، فإن الأطفال الذين يمارسون أنشطة تعرّفهم على هويتهم الأسرية يظهرون قدرة أكبر على ضبط الانفعالات وبناء علاقات مستقرّة مع الآخرين (Fivush, 2010). هذا يدل على أن رسم شجرة العائلة يُعد أداة وقائية تعزّز التوازن العاطفي وتقلّل من الشعور بالوحدة أو الانفصال.
خطوات مبسطة لرسم شجرة العائلة بطريقة ممتعة
قبل البدء، من الأفضل تجهيز المواد مثل: أوراق ملونة، وأقلام، وصور عائلية، ومقص آمن للأطفال. إليكِ خطوات عملية لتنفيذ النشاط:

- ابدئي مع الطفل برسم الجذع، واكتبي فيه اسمه.
- من الجذع، ارسموا فروعًا تشير إلى الوالدين.
- أضيفي الأجداد والأشقاء حسب الترتيب الزمني.
- يمكن استخدام الألوان لتحديد كل جيل.
- اجعلي الطفل يختار رموزًا أو رسومات لكل شخص.
خلال هذه الخطوات، حاوري الطفل عن ذكرياته مع كل فرد، أو صفات مميزة يحبّها بهم. بذلك، تدمجين الجانب العاطفي مع المهاري، مما يُفعّل مراكز التعلّم في الدماغ بشكل متكامل (Siegel, 2012).
كيف يساهم النشاط في تقوية الروابط العائلية؟
أثناء رسم شجرة العائلة للأطفال، يتفاعل أفراد الأسرة مع بعضهم بشكل مباشر. يُمكن للأم أن تسرد للطفل حكايات عن الجد، أو للجد أن يشارك صورًا من الماضي. هذا التواصل البسيط يخلق حوارًا بين الأجيال، ويقوّي جسور المحبة والتفاهم.
يؤكّد علم النفس العائلي أن ممارسة أنشطة مشتركة بين الآباء والأبناء تزيد من إفراز الأوكسيتوسين، وهو هرمون مرتبط بالشعور بالحب والثقة (Carter, 2014). لذا، يُمكن اعتبار هذا النشاط وسيلة بيولوجية طبيعية لتقوية العلاقات داخل المنزل.
نصائح لضمان نجاح النشاط مع مختلف الأعمار
لكي ينجح رسم شجرة العائلة للأطفال، ينبغي مراعاة عمر الطفل واهتماماته:

- للأطفال دون سن ٦ سنوات، استخدمي رسومات بسيطة وملونة.
- للأطفال بين ٧ و٩ سنوات، شجعيهم على كتابة الأسماء بأنفسهم.
- للمراهقين، يمكن توسيع النشاط إلى إعداد شجرة ثلاثية الأبعاد أو رقمية.
كذلك، حاولي تكرار النشاط مرة كل فترة، وإضافة أفراد جدد كلما تغيّرت ظروف العائلة. هذا يساعد الطفل على إدراك الديناميكية في الحياة الأسرية، ويجعله أكثر تقبّلًا للتغييرات.
في الختام، يتضح أن رسم شجرة العائلة للأطفال هو أكثر من مجرّد نشاط فني. إنه وسيلة تعليمية وتربوية تعزز مشاعر الانتماء، وتقوّي العلاقات، وتطوّر مهارات عقلية واجتماعية مهمة في عمر مبكر. من خلال ممارسة هذا النشاط، نبني لدى الطفل وعيًا عاطفيًا ومعرفيًا يجعله أكثر توازنًا واستقرارًا. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وعرضنا لكِ اسئلة عامة للاطفال تجذب انتباههم وتكشف لكِ أسرار شخصياتهم!
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن نشاط رسم شجرة العائلة للأطفال يجب أن يُدرَج كجزء أساسي ومُستدام من الروتين التربوي اليومي في البيوت والمدارس، لما له من أثر عميق يتجاوز حدود الورقة والألوان. فهذا النشاط لا يتطلّب تجهيزات مكلفة أو أدوات معقّدة، بل يحتاج فقط إلى لحظات صادقة تُجمع فيها الأسرة حول ذاكرة مشتركة، وتُمنح فيها الفرصة للطفل كي يرى نفسه كجزء من سلسلة بشرية تنتمي إليه ويَنتمي إليها. إن هذا الإدراك المبكر لهويته العائلية يُعزز ثقة الطفل بنفسه، ويمنحه شعورًا بالأمان العاطفي في عالم سريع التغير. كما أن التكرار الدوري لهذا النشاط، مع تحديثه بما يستجدّ من أفراد وأحداث، يُعيد إحياء الروابط العائلية ويجعل الحوار بين الأجيال أكثر دفئًا وعمقًا، ممّا يُسهم في بناء شخصية متزنة، وحنونة، ومتصالحة مع جذورها.