أحس زوجي ما يفهمني، عبارة تتردد في أعماق الكثير من النساء. شعور بالغربة داخل علاقة من المفترض أن تكون مأوى للفهم والدعم. حين تشعر المرأة أن شريك حياتها لا يصغي لها أو لا يدرك عمق مشاعرها، يتسلل الإحباط إلى قلبها، وتتزاحم الأسئلة في ذهنها: هل المشكلة في طريقتي؟ أم أن شريكي غير قادر على التواصل العاطفي؟. هذه التساؤلات قد تهدد الاستقرار النفسي للزوجة، وتفتح أبوابًا لصراعات قد لا تكون ظاهرة ولكنها تنهش الروابط الزوجية في صمت.
في هذا المقال، سوف نتناول جذور هذا الإحساس، ونوضح أسباب غياب التفاهم بين الزوجين. بعد ذلك، ننتقل إلى خطوات بسيطة وفعالة تساعدك على خلق مساحة من التواصل العميق والآمن، من دون أن تخلقي صدامًا أو تدخلين في جدال. نستخدم معلومات علمية مستندة إلى أبحاث في علم النفس والتواصل الأسري، مع تقديم أمثلة واقعية تسهّل عليكِ الفهم والتطبيق.
لماذا تقولين: أحس زوجي ما يفهمني؟
بكل بساطة، هناك اختلاف طبيعي بينكِ وبين زوجكِ في طريقة التفكير. غالبًا يتواصل النساء من خلال المشاعر، بينما الرجال يركّزون على الحلول. هذا لا يعني أن زوجكِ لا يهتم بكِ، بل قد تكون طريقته في التعبير مختلفة تمامًا. مثلًا، بدل أن يقول “أنا أفهمكِ”، قد يحاول إصلاح ما يزعجكِ أو يتجنّب النقاش حتى لا تتوتر العلاقة.
أثبتت دراسات كثيرة هذا الفارق. أظهرت دراسة نشرتها جامعة ستانفورد أن الرجال يحتاجون إلى وقت أطول لمعالجة المعلومات العاطفية مقارنةً بالنساء. لذلك، عندما تبوحين بما في قلبكِ، قد لا يكون ردّ فعله كما تتوقعين. ليس لأنه لا يهتم، بل لأنه ببساطة لا يعرف كيف يتجاوب مع المشاعر فورًا.
افهمي لغته الخاصة
قبل أن تطلبي منه أن يفهمكِ، ابدئي أنتِ بمحاولة فهمه. كيف يعبّر عن حبه؟ وكيف يظهر اهتمامه؟ يعبّر بعض الرجال بالفعل لا بالكلام. قد يظهر حبه من خلال عمله، أو اهتمامه بتفاصيل بيتكما، أو حتى بسؤاله عن راحتكِ بشكلٍ غير مباشر.
مثال بسيط: إذا لاحظتِ أنه يُحضر لكِ قهوتكِ كل صباح من دون أن يقول كلمة حب، فهذا أسلوبه في التعبير. تعلّمي أن تقرئي هذه الإشارات الصغيرة، وامنحيها قيمة. مع الوقت، سيفهم أنكِ تحترمين طريقته، وقد يبدأ بمحاولة فهم طريقتكِ أيضًا.
استخدمي الحوار الإيجابي بدل العتاب
الطريقة التي تتحدثين بها تُحدث فرقًا كبيرًا. عندما تقولين له: “أنت لا تفهمني أبدًا”، سيشعر بالهجوم، وقد يغلق قلبه تمامًا. ولكن عندما تقولين: “أحتاج أن أشرح لك شعوري حتى نرتاح سويًا”، سيفتح المجال للاستماع.
من المهم أيضًا أن تختاري الوقت المناسب. لا تتحدثي إليه وهو متعب، ولا تفتحي مواضيع عميقة في لحظات الشعور بالقلق والتوتر. خصّصي وقتًا هادئًا للحوار، مثل بعد العشاء أو في نزهة قصيرة.
بيّنت دراسة من مركز “غوتمن” للعلاقات الزوجية أن الحوار الإيجابي المنتظم، حتى لو دام عشر دقائق أسبوعيًا فقط، يقلل من سوء الفهم بنسبة كبيرة.
عبّري عن نفسكِ بوضوح ولكن بلطف
أحس زوجي ما يفهمني.. ولكن هل أُعبّر عن نفسي بطريقة واضحة؟ أحيانًا، تتحدّث المرأة بطريقة عاطفية جدًا تجعل الرجل لا يفهم ماذا يجب أن يفعل. لذلك، من المهم أن توضحي له ما تحتاجينه تمامًا.
مثال: بدلًا من أن تقولي “أنا متعبة من كل شيء”، قولي “أحتاج أن أرتاح نصف ساعة بعد الغداء”. الوضوح لا يعني القسوة، بل يساعده على فهمك بطريقة عملية.
في الوقت نفسه، لا تستخدمي كلمات قاسية أو جارحة. عبّري عن شعوركِ، وليس عن اتهامك له. قولي: “أنا أشعر بالوحدة أحيانًا”، بدلًا من “أنت لا تهتم بي إطلاقًا”.
خصّصي وقتًا ثابتًا للتواصل
تحتاج العلاقات إلى صيانة. مثلما تهتمّين بمنزلكِ ونظافته، عليكِ أن تهتمي أيضًا بحياتكِ العاطفية. حدّدي وقتًا ثابتًا أسبوعيًا للحديث معه. لا داعي أن يكون لقاء رسمي، فقط لحظات تشاركان فيها ما شعرتما به خلال الأسبوع كفيلة في تعزيز التواصل بين الزوجين.
استخدمي هذه اللحظات لتُظهري له تقديرك، لا فقط لعرض الشكاوى. عندما يشعر أنه مقبول ومقدَّر، سيصبح أكثر استعدادًا لسماعكِ وفهمكِ. هذا النوع من الحوار المنتظم يخلق بيئة من الأمان العاطفي.
لا تترددي في طلب مساعدة خارجية
إذا شعرتِ أن المحاولات المتكررة لا تنجح، لا عيب في طلب استشارة من مختصّ نفسي أو مدرّب علاقات زوجية. هناك حالات يكون فيها الزوج غير مدرّب على التواصل، ليس لأنه لا يريد، بل لأنه لم يتعلّمه أبدًا. المساعدة الخارجية أحيانًا تكون المفتاح لفتح قنوات الحوار من جديد.
أكّدت تقارير من الجمعية الأمريكية للعلاج الأسري أن 75٪ من الأزواج الذين حضروا جلسات إرشاد زوجي شهدوا تحسنًا كبيرًا في فهم بعضهم البعض بعد خمس جلسات فقط.
الخلاصة
أحس زوجي ما يفهمني.. شعور حقيقي ومؤلم. لكنه ليس نهاية الطريق. بل هو دعوة لبداية جديدة. حين تحاولين فهمه وتعبّرين عن ذاتكِ بلطف، تبدأ المسافة بينكما تضيق. التفاهم لا يأتي من أول محاولة، بل من الإصرار على التواصل، ومن النية الصادقة في بناء علاقة صحّية.
استخدمي خطوات بسيطة، كرّري المحاولة، وكوني مرنة. مع الوقت، ستكتشفين أنكِ لم تكوني وحدكِ أبدًا، بل فقط كنتِ بحاجة إلى مفتاح جديد لفتح قلبه. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وعرضنا اختبار يكشف الفراغ العاطفي عند المرأة.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أؤمن أن كل امرأة تستحق أن تُفهم وتُحترم. لكن الفهم لا يأتي فقط من الطرف الآخر، بل يبدأ من داخلنا. عندما نهدأ، وننضج في التعبير، ونختار كلماتنا بحكمة، نمنح علاقتنا فرصة حقيقية للنمو. ليست كل علاقة بحاجة إلى صراع كي تتغيّر، أحيانًا، فقط نحتاج إلى أسلوب مختلف، ونظرة أعمق، وصبر محب.
