لا تظهر سلبيات الرضاعة الطبيعية على الام دائمًا في الواجهة عند الحديث عن مزايا الرضاعة. الجميع يعرف أنّ حليب الأم يحمل غذاءً متكاملًا للطفل، وأنّه يعزّز جهازه المناعي، لكن قلّة من النساء يلتفتن إلى الثمن الصحي والنفسي الذي قد تدفعه الأم في المقابل. هذه السلبيات قد تكون جسدية مباشرة، أو نفسية غير متوقعة، وتؤدّي أحيانًا إلى الشعور بالتعب عند الأم بدلًا من تقويتها.
في هذا المقال ستجدين عرضًا واضحًا ومنظّمًا لأبرز هذه السلبيات. سنتطرّق إلى الآثار الجسدية التي قد ترافق الرضاعة، والعوارض النفسية المرتبطة بها. إضافةً إلى انعكاسها على الحياة الاجتماعية، والنقص الغذائي المحتمل، وأخيرًا تأثيرها على النوم وجودة الحياة. الهدف هو أن تكون لديكِ صورة واقعية ومتوازنة، تساعدكِ على اتّخاذ قرارات مبنية على معرفة شاملة.
آلام جسدية مستمرة
قد تسبّب الرضاعة الطبيعية آلامًا جسدية للأم. هذه الآلام تشمل تشقّق الحلمات، والتهابات متكرّرة في الثدي مثل التهاب الغدة اللبنية، وهو التهاب مؤلم قد يتطلّب علاجًا بالمضادات الحيوية. كذلك، الضغط المستمر على العمود الفقري والكتفين نتيجة الجلوس لفترات طويلة لإرضاع الطفل قد يؤدّي إلى آلام مزمنة في الظهر.
بحسب دراسة نُشرت في Journal of Human Lactation، نسبة كبيرة من الأمهات يعانين من مشاكل في الوضعية الجسدية أثناء الرضاعة. ما يزيد من احتمال الإصابة بآلام أسفل الظهر والرقبة. وهذا يبيّن أنّ الرضاعة لا ترتبط فقط بالتغذية، بل أيضًا بالراحة الجسدية التي تحتاج إلى متابعة دقيقة. لذلك، تحتاج الأم إلى استشارات حول وضعيات صحيحة وتدريبات بسيطة لوقاية جسمها من الإنهاك.
ضغط نفسي وعاطفي
من أبرز السلبيات النفسية التي قد تعيشها الأم خلال الرضاعة هو الشعور بالضغط النفسي. الأم تجد نفسها مسؤولة وحدها عن تغذية الطفل، ما يزيد من شعور العزلة والضغط. كثير من النساء أبلغن عن مشاعر قلق أو اكتئاب بعد الولادة، وهي حالات قد تتفاقم بسبب الالتزام المستمر بالرضاعة.
أوضحت دراسة في Archives of Women’s Mental Health أنّ نسبة كبيرة من الأمهات اللواتي يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة يجدن الرضاعة الطبيعية عاملًا يزيد من شعورهنّ بالتوتّر، بدل أن يكون مصدر راحة. هذا يعني أنّ التجربة ليست متماثلة لدى الجميع. بعض النساء قد يستمتعن بها، وأخريات قد يشعرن بأنها عبء ثقيل على صحتهنّ النفسية.
تأثير على الحياة الاجتماعية
لا يمكن إنكار أنّ الرضاعة الطبيعية تحدّ من حرية الأم. فهي تضطر للبقاء قريبة من طفلها لساعات طويلة، وتجد صعوبة في الخروج لفترات ممتدّة. هذا الأمر يقلّل من فرص التواصل الاجتماعي، ويؤدّي أحيانًا إلى عزلة اجتماعية غير مقصودة.
كذلك، في الأماكن العامة قد تشعر بعض الأمهات بالحرج من الرضاعة، ما يزيد من الضغط النفسي عليهن. حتى مع وجود غرف مخصّصة في بعض المراكز، يظلّ الأمر غير مريح في كثير من السياقات الاجتماعية. وهذا الانعزال ينعكس على الحال النفسية للأم، ويجعلها أكثر عرضة للشعور بالوحدة.
نقص غذائي محتمل
من سلبيات الرضاعة الطبيعية على الام أنّها قد تؤدّي إلى نقص في عناصر غذائية أساسية. الجسم يحتاج إلى كميات إضافية من الحديد، والكالسيوم، وفيتامين ب12، وغيرها من المعادن والفيتامينات لإنتاج الحليب. إذا لم تحصل الأم على نظام غذائي متوازن، قد تواجه مشاكل مثل تساقط الشعر، وهشاشة العظام، أو ضعف جهاز المناعة.
أكّد تقرير نشره National Institutes of Health (NIH) أنّ فترة الرضاعة تزيد من استهلاك الطاقة اليومية للأم بمعدل 500 سعرة حرارية إضافية. هذا الاستهلاك إن لم يُعوّض بتغذية سليمة، قد يضعف صحة الأم على المدى البعيد. لذلك ينصح الخبراء بتناول وجبات متوازنة غنية بالبروتين والمعادن، والحرص على شرب كميات كافية من الماء.
اضطرابات النوم والإرهاق
تُعتبَر قلة النوم من أكثر السلبيات شيوعًا لدى الأمهات المرضعات. إذ تضطر الأم للاستيقاظ مرارًا خلال الليل لإرضاع الطفل، ما يؤثّر بشكل مباشر على جودة نومها. تراكم قلة النوم يؤدّي إلى إرهاق جسدي وفكري، ويضعف القدرة على التركيز أو اتخاذ القرارات.
جميع هذه العوامل قد تؤثّر سلبًا على حياتها اليومية وصحتها العامة إذا لم تتم معالجتها بشكل مبكر. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وعرضنا لكِ جدول نوم الرضع.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ الوعي بهذه السلبيات خطوة أساسية، وأعتبره بداية مهمّة لكلّ امرأة مقبلة على تجربة الأمومة. لذلك، من الضروري أن تفهم الأم كلّ جانب من التجربة بوضوح، ثم تتعامل معه بعقلانية وثقة. لا يعني ذلك التخلّي عن الرضاعة الطبيعية إطلاقًا، بل يعني فهم التحديات ومواجهتها بشجاعة. في الوقت نفسه، يجب أن تطلب الدعم في اللحظة التي تشعر فيها بالإرهاق، لأنّ الاستعانة بالآخرين لا تُنقص من قيمتها كأم، بل تُعزّز قدرتها على العطاء. وهكذا، تصبح الرضاعة الطبيعية تجربة متوازنة قائمة على وعي لا على ضغط. الرضاعة ليست واجبًا مطلقًا، بل خيارًا حرًّا يتطلّب موازنة دقيقة بين مصلحة الطفل وصحّة الأم. في النهاية، الأم القويّة والواثقة هي التي تمنح طفلها بداية حياة صحيّة وسليمة، لأنّها تعرف كيف تُحبّ بعقل وتُعطي بحكمة، وبهذا تبني أسس أمومةٍ راقية ومستقرّة.
