يُطرَح سؤال هل يجوز طلاق الحامل كثيرًا في المجتمعات العربية والإسلامية، خاصّة في ظلّ ارتفاع نسب وأسباب الطلاق حول العالم. لا تُعَدّ مرحلة الحمل مجرّد فترة بيولوجية، بل هي نقطة تحوّل كبرى في حياة الأسرة. تعيش المرأة خلالها تغيّرات هرمونية وجسدية ونفسية تؤثّر على قراراتها ومشاعرها، والرجل أيضًا يتحمّل مسؤوليات مضاعفة.
في هذا المقال سوف نعرض الموضوع من جوانب مختلفة. سنتحدّث أولًا عن الموقف الشرعي، ثمّ ننتقل إلى الآثار النفسية، وبعدها نوضح المخاطر الطبية، ونناقش الانعكاسات الاجتماعية، وأخيرًا نسلّط الضوء على مصلحة الطفل الذي لم يولد بعد.
الموقف الشرعي من طلاق الحامل
من الناحية الفقهية، أجمع العلماء على أنّ طلاق الحامل صحيح وجائز. ذكر القرآن الكريم في سورة الطلاق بوضوح أنّ المرأة الحامل تُحسب عدّتها حتى تضع حملها. هذا يعني أنّ النص الشرعي وضع تنظيمًا واضحًا لهذه الحال، وأعطى للمرأة الحامل حقّها في العدّة بما يتناسب مع وضعها البيولوجي والإنساني.

لكن رغم هذا الجواز، شدّد الفقهاء على أنّ الطلاق ليس الخيار الأول، بل هو الحل الأخير بعد استنفاد وسائل الإصلاح من صلح، ونصح، واستشارة أهل الخبرة. فالزواج في نظر الإسلام ميثاق غليظ يقوم على المودّة والرحمة، وليس مجرّد عقد شكلي يمكن فضّه بسهولة. ولهذا السبب، يرى كثير من العلماء أنّ وقوع الطلاق في فترة الحمل يُعتبر إضعافًا لركن الاستقرار الأسري، وقد يُدخل المرأة والجنين في حال من الاضطراب النفسي والجسدي.
إضافةً إلى ذلك، نبّهت بعض التفاسير الفقهية إلى أنّ استقرار الأسرة في مرحلة الحمل يؤدّي دورًا أساسيًا في حفظ حقوق الجنين، سواء من جهة النفقة أو من جهة النسب. وبالتالي، فإنّ الطلاق أثناء الحمل وإن كان جائزًا، لا يُستحبّ اللجوء إليه إلا عند الضرورة القصوى، عندما يغدو استمرار الحياة الزوجية خطرًا أو محالًا. وذلك لأنّ ظروف المرأة في هذه المرحلة شديدة الحساسية وتتطلّب عناية مضاعفة.
التأثيرات النفسية على المرأة الحامل
قرار الطلاق في الحمل لا يترك أثرًا شرعيًا فقط، بل ينعكس بقوّة على الصحّة النفسيّة. توضح الدراسات النفسية الحديثة أنّ المرأة الحامل التي تعيش صراعًا زوجيًا أو تهديدًا بالانفصال أكثر عرضة للاكتئاب والقلق. هذه المشاعر قد تزيد من مستوى هرمون الكورتيزول في الدم، ما يؤثّر على نمو الجنين.
المرأة الحامل تحتاج إلى بيئة آمنة ومستقرّة. عندما تشعر بالخوف من المستقبل أو من الوحدة، فإنّ ذلك يضعف قدرتها على التكيّف مع التغيّرات الجسدية. لذلك يُعتبر الطلاق في الحمل عاملًا سلبيًا في كثير من الحالات. خصوصًا إذا لم يكن هناك دعم نفسي أو اجتماعي من العائلة.
الآثار الطبية على الحمل
من منظور طبي، الحمل يتطلّب استقرارًا جسديًا وعاطفيًا. الضغوط النفسية الناتجة عن الطلاق قد تؤدّي إلى مشاكل صحيّة. أشارت أبحاث علمية في مجلّة Journal of Maternal-Fetal & Neonatal Medicine إلى أنّ النساء اللواتي يعانين من توتر شديد خلال الحمل أكثر عرضة لولادة مبكرة أو انخفاض وزن الجنين عند الولادة.

أيضًا، التوتر المزمن يضعف جهاز المناعة ويؤثّر على ضغط الدم ومستوى السكر. لذلك فإنّ قرار الطلاق قد يضرّ بصحة الحامل والجنين معًا، إذا لم تُقدَّم لها متابعة طبية ونفسية كافية. من هنا يتبيّن أنّ الطلاق في هذه الفترة قد يكون ضد مصلحتكِ الصحيّة. إلا إذا كان استمرار الزواج يعرّضكِ لعنف أو تهديد مباشر.
الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية
لا يؤثّر الطلاق على الزوجين فقط، بل يمتد إلى شبكة العلاقات الاجتماعية. تواجه المرأة الحامل التي تنفصل عن زوجها تحدّيات مضاعفة، أبرزها الضغط الاقتصادي. تشير الدراسات الاجتماعية إلى أنّ النساء المطلقات أثناء الحمل يواجهن صعوبة في تغطية نفقات الرعاية الصحية ومستلزمات المولود الجديد. خصوصًا إذا لم يكن هناك دعم مالي ثابت من الزوج.
إضافةً إلى ذلك، المجتمع أحيانًا ينظر إلى المطلّقة الحامل بنظرة قاسية. قد تزيد هذه النظرة من عزلتها وتمنعها من طلب المساعدة. لذلك فإنّ قرار الطلاق خلال الحمل يحتاج إلى تقييم عميق للعوامل الاجتماعية والاقتصادية، وليس فقط للعاطفة أو الخلافات اللحظية.
مصلحة الطفل قبل كل شيء
الطفل الذي لم يولد بعد هو المتأثّر الأكبر بأي قرار. البيئة التي يولد فيها الطفل تؤثّر على نموّه العاطفي والمعرفي في السنوات الأولى. وجود نزاعات زوجية حادّة أو انفصال أثناء الحمل قد يترك أثرًا طويل الأمد على الطفل. سواء من خلال الوضع المادي، أو غياب أحد الأبوين، أو توتّر العلاقة بينهما.

يؤكّد علم النفس التنموي أنّ الأطفال الذين يعيشون في أسر مستقرة يتمتّعون بصحة نفسية أفضل، ويظهرون أداءً أعلى في المدرسة، مقارنةً بأقرانهم الذين نشأوا في بيئات مضطربة. من هنا، يصبح السؤال الأهم ليس فقط: هل يجوز طلاق الحامل؟ بل: هل القرار يصبّ في مصلحة الطفل على المدى الطويل أم لا؟
الخلاصة
يتّضح أنّ موضوع هل يجوز طلاق الحامل يتجاوز حدود الشرع والقانون ليشمل أبعادًا نفسية، وطبية، واجتماعية، واقتصادية. أجاز الشرع الطلاق للحامل، لكنّ الواقع يثبت أنّ القرار قد يكون محمّلًا بالمخاطر إذا لم يُدرس بعمق. لذلك، لا بدّ من استشارة مختصّين في الدين، والطب، وعلم النفس قبل الإقدام على هذه الخطوة المصيرية. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ متى يكون الطلاق صحيحا في الشرع والقانون وما الذي يجب أن تعرفيه؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ الطلاق في الحمل يجب أن يكون الملاذ الأخير فقط، عندما يصبح الاستمرار في الزواج خطرًا أكبر من الانفصال. الاستقرار النفسي للأم هو الأساس لصحة الجنين وسعادته المستقبلية. لذا أنصح كل امرأة أن تضع مصلحتها الصحيّة ومصلحة طفلها قبل أي اعتبار، وأن تسعى دائمًا إلى الحلول الهادئة والحوار البنّاء قبل التفكير في الانفصال.