متى يكتمل نمو الجنين تمامًا؟ سؤال أساسي يرافق رحلة الحمل منذ أسابيعها وأشهرها الأولى. تبدأ الأم بمراقبة التطورات أسبوعًا بعد أسبوع، وتنتظر سماع تفاصيل عن قلبه، ورئتيه، ودماغه. كل مرحلة تحمل تطورًا نوعيًا يقرّب الجنين من اكتمال التكوين.
ولكي نفهم هذه المراحل بشكل علمي ومنهجي، سنستعرض في هذا المقال أهم المراحل التي يمرّ بها الجنين وصولًا إلى النضج الكامل، ثم نوضّح العلامات التي تؤكد للأم أنّ صغيرها أصبح جاهزًا للحياة خارج الرحم. سنتناول نمو الأعضاء الحيوية، ونضج الجهاز العصبي، واستعداد الرئتين، والعلامات السريرية التي يلاحظها الأطباء.
اكتمال النمو بين الأسابيع الأخيرة من الحمل
يبدأ الجنين بالتكوّن منذ لحظة الإخصاب، لكن اكتمال النمو لا يحدث إلّا في المرحلة الأخيرة من الحمل. في العادة، يشير الأطباء إلى أنّ الأسبوع السابع والثلاثين هو الحدّ الذي يصبح فيه الجنين مكتملًا من الناحية الطبية. قبل هذا التوقيت، يُعتبر الوليد “خديجًا” ويحتاج أحيانًا إلى دعم خارجي للتنفس أو التنظيم الحراري.

ومع اقتراب الأسبوع الأربعين، تزداد فرص اكتمال كافة الأعضاء. القلب يضخّ الدم بكفاءة، والدماغ ينمو بسرعة، والكبد يباشر إنتاج بعض الإنزيمات، والجهاز الهضمي يصبح قادرًا على معالجة الحليب بعد الولادة. لهذا السبب، تركّز الدراسات الطبية على أنّ اكتمال النمو ليس لحظة واحدة. بل مسار تدريجي ينتهي مع لحظة المخاض الطبيعي.
كما تشير الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد إلى أنّ الفترة ما بين 39 و40 أسبوعًا تُعدّ “الأفضل” لنمو الجنين، إذ تسجَّل فيها أقل معدلات المضاعفات. في هذه المرحلة، يكون الجنين قد بلغ وزنًا صحيًا يتجاوز غالبًا ثلاثة كيلوغرامات، وطبقة الدهون تحت الجلد تزداد سماكة، ما يساعده على تنظيم حرارته فور الولادة. كذلك، تتقوّى العظام تدريجيًا باستثناء الجمجمة التي تبقى مرنة لتسهيل المرور عبر قناة الولادة. كل هذه المؤشرات العلمية تعكس أنّ اكتمال النمو يُعتبر عملية متكاملة تشمل أعضاء متعدّدة تعمل بتناغم، لا مجرد وصول إلى رقم محدّد في أسابيع الحمل.
نضج الجهاز العصبي ودوره في الاكتمال
يُعتبَر النظام العصبي محورًا رئيسيًا في تحديد متى يكتمل نمو الجنين. في الأسابيع المبكرة، تتشكّل الخلايا العصبية بسرعة هائلة. لكنّها تحتاج إلى وقت طويل لتكوين الشبكات المعقّدة التي تتحكّم بالحركة، والتنفس، والوظائف الحيوية.
مع دخول الثلث الثالث من الحمل، يظهر تطور ملحوظ في الدماغ، حيث تتكون التلافيف الدماغية وتزداد الروابط العصبية. هذه المرحلة تسمح للجنين بتحريك أطرافه بانتظام، والقيام بحركات مصّ وبلع، وهي إشارات مهمّة على نضج عصبي مقبول. عند اكتمال هذا الجهاز، يصبح الجنين قادرًا على الاستجابة للمؤثرات الخارجية، مثل الأصوات والضوء، وهو ما يطمئن الأم أنّ نموه يسير بشكل سليم.
اكتمال الرئتين كعلامة محورية
من أبرز العوامل التي تحدّد متى يكتمل نمو الجنين هو نضج الرئتين. الرئة من آخر الأعضاء التي تصل إلى مرحلة الجهوزية الكاملة. في الأسابيع ما بين 34 و37، يبدأ إنتاج مادة “السيرفاكتانت” التي تمنع انهيار الحويصلات الهوائية عند التنفس.

إذا وُلد الطفل قبل هذه الفترة، قد يحتاج إلى دعم تنفسي أو علاج داخل الحاضنة. بينما بعد الأسبوع السابع والثلاثين، تكون الرئتان جاهزتين لتأمين تبادل الأكسجين بشكل طبيعي. لذلك، يعتبر الأطباء اكتمال الرئة المؤشر الأوضح على استعداد الجنين للانتقال إلى الحياة خارج الرحم من دون مخاطر كبيرة.
المؤشرات الجسدية والسلوكية التي يلاحظها الأطباء
إلى جانب الفحوص الطبية، توجد علامات سريرية تساعد على تحديد اكتمال النمو. الوزن يعتبر أوّل هذه المؤشرات، حيث يشير بلوغ الجنين ما بين 2.7 و3.5 كيلوغرامًا إلى جهوزية جيدة. كذلك، يُعتبر انتظام نبض القلب واستقراره دليلًا على نضج الدورة الدموية.
كما تلاحظ الأم بنفسها بعض التغيرات: انخفاض وتيرة الحركات العشوائية وزيادة حركات أكثر دقة، مثل المصّ أو قبض اليد. هذه السلوكيات تدلّ على اكتمال الجهاز العصبي العضلي. أيضًا، ظهور طبقة دهنية تحت الجلد يمنح الجنين مظهرًا ممتلئًا، ما يعني أنّه قادر على تنظيم حرارته بعد الولادة.
أهمية المتابعة الطبية لتحديد الاكتمال
المتابعة المنتظمة مع الطبيب تساعد الأم على معرفة متى يكتمل نمو الجنين بشكل دقيق. التصوير بالموجات فوق الصوتية يتيح قياس محيط الرأس، وطول عظام الفخذ، وكمية السائل الأمنيوسي. جميع هذه المؤشرات تُستخدم للتأكّد من سلامة النمو.

إضافةً إلى ذلك، الفحوص المخبرية تكشف عن وظيفة الكبد والكلى، فيما يراقب الطبيب وضع المشيمة وتدفق الدم. هذه الإجراءات تضمن للأم أنّ الجنين لا يواجه تأخرًا في النمو أو أي اضطراب يعرّضه للخطر. لذا، المتابعة الدورية ليست رفاهية، بل خطوة ضرورية لحماية الأم والجنين معًا.
الخلاصة
نستطيع القول إنّ الإجابة على سؤال: متى يكتمل نمو الجنين ترتبط بعدة عوامل مترابطة تشمل نضج الأعضاء الحيوية، وتطوّر الجهاز العصبي، وجهوزية الرئتين. لا يحدث اكتمال النمو فجأة، بل يكتمل تدريجيًا حتى يصل الجنين إلى مرحلة يصبح فيها مستعدًا للولادة بأمان. العلامات الطبية والسلوكية تمنح الأم الطمأنينة وتساعدها على متابعة تقدم صغيرها خطوة بخطوة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ أنّ أمومتك تبقى في جسدك إلى الأبد!
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ وعي المرأة بهذه المراحل يخفّف كثيرًا من القلق الذي يرافق الحمل. المعرفة تمنحها قدرة على التصرّف بحكمة، والالتزام بمواعيد المتابعة الطبية، وتبنّي نمط حياة صحي يدعم الجنين حتى يصل إلى مرحلة الاكتمال. الحمل ليس مجرد انتظار، بل رحلة وعي ومسؤولية تترك أثرًا عميقًا في حياة الأم وطفلها.