من افضل اوقات المذاكرة التي تساعد طفلكِ على زيادة تركيزه هي تلك الفترات التي ينسجم فيها العقل مع الساعة البيولوجية للجسم. هذه الأوقات ليست عشوائية، بل مدعومة بدراسات علمية توضّح كيف يختلف مستوى اليقظة والانتباه على مدار اليوم. لذلك، اختيار التوقيت الصحيح قد يمنح طفلكِ نتائج أفضل من ساعات طويلة من المذاكرة في أوقات غير مناسبة.
في هذا المقال، سنكشف لكِ عن الفترات المثالية للمذاكرة المدعومة بالعلم. سنبدأ بالصباح الباكر ودوره في تنشيط الدماغ عند الأطفال. ثم ننتقل إلى فترة بعد الظهر التي تعزز الحفظ، ونوضح أهمية الاستراحة القصيرة في منتصف اليوم. وأخيرًا نناقش كيف تهيئين البيئة المثالية لدعم هذه الأوقات.
الصباح الباكر وانطلاقة الدماغ
الصباح هو أكثر الأوقات التي ينشط فيها العقل، إذ يكون الجسم قد استعاد طاقته بعد نوم مريح، ويكون الدماغ في أعلى درجات اليقظة والاستعداد. خلال هذه الساعات الأولى، يكون نشاط الخلايا العصبية أسرع، ما يتيح للطفل استقبال المعلومات الجديدة بسهولة. تشير الأبحاث المنشورة في Journal of Experimental Psychology إلى أن الذاكرة قصيرة المدى والقدرة على حل المشاكل تكون في ذروتها في الصباح. وهو ما يجعل هذا الوقت مثاليًا لاستيعاب المواد الصعبة.

هذا يعني أن الصباح يعد من افضل اوقات المذاكرة لطفلكِ، خاصّةً للمواد التي تحتاج إلى تركيز وفهم معمّق مثل الرياضيات والعلوم. إضافةً إلى ذلك، فإن ضوء الشمس الطبيعي يحفّز إنتاج هرمون الكورتيزول بشكل متوازن، وهو الهرمون الذي يعزز التركيز ويزيد من حيوية الدماغ. كما أن تناول فطور متوازن قبل المذاكرة، يحتوي بروتينات وحبوب كاملة، يضاعف من فاعلية هذا الوقت ويمنح الطفل قدرة أكبر على الاستمرار من دون الشعور بتعب سريع.
لذلك، من المهم أن تعوّدي طفلكِ على الاستفادة من هذا الوقت الذهبي. يمكنكِ وضع خطة دراسية تبدأ بالمواد الأصعب صباحًا، وترك المهام الأخف لفترات لاحقة من اليوم. وبهذا، يضمن الطفل إنجاز الجزء الأكبر من دراسته قبل أن تتشتت أفكاره بالأنشطة اليومية أو الألعاب.
منتصف النهار وحفظ المعلومات
بعد مرور ساعات من النشاط، قد يعتقد البعض أن الطفل يفقد تركيزه كليًا. لكن الدراسات تبيّن أن منتصف النهار، خصوصًا ما بين الساعة ١١ صباحًا والواحدة ظهرًا، يُعتبر وقتًا مناسبًا لحفظ المعلومات واسترجاعها.
بحسب دراسة صادرة عن Frontiers in Human Neuroscience، فإن القدرات المعرفية المسؤولة عن الذاكرة الطويلة المدى تكون في حال استعداد خلال هذه الفترة. لذلك، إذا أراد طفلكِ أن يراجع مواد الحفظ مثل قواعد اللغة أو المفردات، فهذا الوقت مثالي.
إضافةً إلى ذلك، يمكن استغلال فترة الهدوء التي تسبق الغداء لمذاكرة خفيفة ومنظمة بعيدًا عن أي ضوضاء. ما يساعد على تخزين المعلومات بكفاءة أكبر.
بعد الظهر وتنشيط الإبداع
يُعتقد أحيانًا أن فترة ما بعد الظهر هي أضعف الأوقات للمذاكرة، لكن الحقيقة مختلفة. خلال هذه الساعات، يميل الدماغ إلى الإبداع أكثر من التفكير التحليلي.
وفقًا لتقرير نشر في Chronobiology International، يرتفع نشاط الدماغ عند الأطفال المرتبط بالخيال وحل المشاكل الإبداعية في الفترة بين الثالثة والخامسة عصرًا. لذا، يمكن استغلال هذا الوقت في الأنشطة الدراسية التي تحتاج إلى تطبيق عملي أو تجارب علمية أو حتى كتابة موضوعات الإنشاء.
بهذا الشكل، يصبح بعد الظهر من افضل اوقات المذاكرة إذا استُخدم بطريقة مناسبة لمهام محددة، لا للحفظ المكثّف.
أهمية الاستراحة القصيرة في تعزيز التركيز
قد لا يكون التوقيت وحده كافيًا لنجاح المذاكرة، بل إن الاستراحة القصيرة بين الجلسات الدراسية تؤدّي دورًا مهمًا. أظهرت دراسة من جامعة إلينوي أنّ أخذ فواصل قصيرة منتظمة يساعد في تجديد الانتباه وتحسين القدرة على التركيز لفترات أطول.

لذلك، من الأفضل أن تمنحي طفلكِ استراحة مدتها عشر دقائق بعد كل ٤٠ دقيقة من المذاكرة. يمكن أن يمضيها في شرب الماء أو القيام بحركات بسيطة. هذه العادة تساعد في تثبيت المعلومات وتقليل الإرهاق الذهني، وتجعل كل جلسة مذاكرة أكثر فاعلية.
تهيئة البيئة المثالية لدعم هذه الأوقات
حتى لو اخترتِ من افضل اوقات المذاكرة، فلن تجني ثمارها إذا لم توفري بيئة مناسبة. يحتاج طفلكِ إلى مكان هادئ بعيد عن مصادر التشويش مثل الأجهزة الإلكترونية أو التلفاز.
كذلك، من المهم أن يتوافر ضوء طبيعي أو إضاءة جيدة، مع كرسي مريح وطاولة مناسبة. كما أن تناول وجبة خفيفة صحية مثل المكسرات أو الفواكه قبل المذاكرة يمدّ الدماغ بالطاقة اللازمة.
تهيئة هذه الظروف تجعل من الأوقات المثالية تجربة فعالة، وتحوّل المذاكرة إلى نشاط منتظم لا يُشعر الطفل بالضغط أو الملل.
الخلاصة
يتضح من كل ما سبق أن اختيار التوقيت المناسب للمذاكرة قد يُحدث فرقًا هائلًا في تحصيل طفلكِ الدراسي. فالصباح الباكر يدعم الفهم العميق، منتصف النهار يعزز الحفظ، بعد الظهر ينشّط الإبداع، والاستراحة القصيرة تحافظ على التركيز. ومع بيئة مناسبة، تتحول المذاكرة من مهمة صعبة إلى نشاط ممتع وفعّال. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وعرضنا لكِ جدول تنظيم الوقت اليومي للطالب.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ نجاح الطفل في الدراسة لا يعتمد على عدد الساعات بقدر ما يعتمد على جودة الوقت وكيفية استغلاله. لذلك، أنصحكِ أن تركزي على الأوقات التي يتوافق فيها نشاط دماغ طفلكِ مع متطلبات المذاكرة، بدلًا من إرهاقه في ساعات غير مناسبة. بهذه الطريقة، ستحصلين على نتائج أفضل مع جهد أقل، وستغرسين في طفلكِ عادة المذاكرة الذكية التي سترافقه طوال حياته.