تُعتبَر اسباب نزيف الرحم من أكثر المشاكل النسائية التي تُقلق الأطباء، وتُربك النساء في الوقت نفسه، لأنّها قد ترتبط بأسباب بسيطة أحيانًا. لكنّها أحيانًا أخرى تُخفي خلفها أمراضًا خطيرة تستوجب علاجًا عاجلًا. النزيف المهبلي غير المنتظم لا يعني بالضرورة الدورة الشهرية، بل قد يكون إشارة إلى اضطراب في الهرمونات، أو وجود أورام ليفية، أو حتى مشاكل في بطانة الرحم. لذلك، لا بدّ من الوعي بأسباب هذا النزيف، وفهم الإشارات التي يرسلها الجسم، لأنّ إهمالها قد يعرّض المرأة لمضاعفات خطيرة يصعب علاجها لاحقًا.
في هذا المقال، سنتناول خمس فقرات توضّح أبرز اسباب نزيف الرحم التي تتجاهلها كثير من النساء من دون إدراكٍ كافٍ لخطرها. وذلك بالاعتماد على دراسات طبية موثوقة من مصادر عالمية. كما سنتحدث عن العوامل الهرمونية، والأورام الليفية، واضطرابات بطانة الرحم، وموانع الحمل، وأمراض الغدّة الدرقية.
الاضطرابات الهرمونية وتأثيرها المباشر على الرحم
تُعتبر الاضطرابات الهرمونية من أكثر اسباب نزيف الرحم شيوعًا بين النساء في سنّ الإنجاب. فعندما يختلّ التوازن بين هرموني الإستروجين والبروجستيرون، تتأثر بطانة الرحم بشكلٍ مباشر.
- ارتفاع الإستروجين من دون وجود كمية كافية من البروجستيرون يؤدّي إلى زيادة سماكة البطانة.
- وعندما تصبح البطانة سميكة جدًا، تبدأ بالنزف بشكلٍ غير منتظم وخارج موعد الدورة الشهرية.
- تُعرَف هذه الحال باسم “خلل التبويض” أو “anovulation”.
تشير الدراسات الصادرة عن Mayo Clinic (2024) إلى أنّ الفتيات المراهقات والنساء في مرحلة ما قبل انقطاع الطمث أكثر عرضة لمواجهة هذه المشكلة بسبب تغيّرات الهرمونات المفاجئة.
ومن الجدير بالذكر أنّ الضغط النفسي، والوزن الزائد، وتغيّر نمط النوم، جميعها عوامل تفاقم هذا الخلل، وتزيد من احتمال حدوث النزيف المفاجئ.
لذلك، من الضروري الانتباه لأيّ نزيف غير اعتيادي، لأنّه قد يكون ناتجًا عن اضطراب بسيط في الهرمونات. لكنّ الإهمال قد يحوّله إلى مشكلة مزمنة.
الأورام الليفية الرحمية وتأثيرها الصامت
من أبرز اسباب نزيف الرحم أيضًا وجود الأورام الليفية. وهي أورام حميدة تنمو داخل جدار الرحم أو على سطحه.
- هذه الأورام ليست سرطانية، لكنها قد تسبب نزيفًا غزيرًا ومطوّلًا.
- وغالبًا ما تزداد شدّة النزيف خلال الدورة الشهرية أو بين دورتين.
بحسب National Institutes of Health (NIH, 2023)، تُصيب الأورام الليفية حوالي 70٪ من النساء في مرحلة الأربعينيات والخمسينيات، وغالبًا ما تمرّ من دون عوارض في البداية.
لكن مع مرور الوقت، يبدأ الجسم بإظهار إشارات واضحة مثل:
- نزيف مطوّل يستمر أكثر من سبعة أيام.
- ألم أسفل البطن أو الظهر.
- شعور بالضغط على المثانة أو الأمعاء.
العلاج يتنوّع بين الأدوية الهرمونية لتقليص حجم الورم، أو التدخل الجراحي عند الضرورة.
من المهم جدًا إجراء فحص بالموجات فوق الصوتية كلّ فترة، لأنّ الكشف المبكر يساعد في السيطرة على النزيف قبل أن يصبح مهدّدًا لصحة المرأة العامة.
اضطرابات بطانة الرحم: عندما تصبح البطانة مصدرًا للنزيف
تُعَدّ اضطرابات بطانة الرحم من أكثر الأسباب إهمالًا، رغم أنّها من أخطر اسباب نزيف الرحم على المدى البعيد.
هناك حالان رئيسيتان:
- بطانة الرحم المهاجرة (Endometriosis)، حيث تنمو أنسجة تشبه بطانة الرحم خارج مكانها الطبيعي، مثل المبيضين أو قناتي فالوب.
- تضخّم بطانة الرحم (Endometrial Hyperplasia)، وهو زيادة في سماكة البطانة نتيجة فرط الإستروجين.
هاتان الحالان تُسببان نزيفًا بين الدورات، وأحيانًا بعد الجماع، وقد ترافقهما آلام حادة.
بحسب دراسة منشورة في PubMed (2022)، تُعتبر بطانة الرحم المهاجرة من الأسباب الرئيسية للعقم المزمن عند النساء، وتؤدي غالبًا إلى التهابات مزمنة داخل الحوض.
ويُشير الأطباء إلى أنّ التشخيص المبكر عبر فحص السونار والتحاليل الهرمونية ضروري لتجنّب المضاعفات.
ولأنّ عوارضها تتشابه مع عوارض الدورة الشهرية، فإنّ النساء كثيرًا ما يتجاهلنها. ما يجعل الحال تتفاقم بصمت على مدى سنوات.
موانع الحمل الهرمونية وآثارها الجانبية
رغم أنّ موانع الحمل تُستخدم للوقاية وتنظيم الدورة، إلا أنّها قد تكون من اسباب نزيف الرحم غير المتوقعة.
- الحبوب المحتوية على هرمون الإستروجين والبروجستيرون قد تُحدث نزيفًا خفيفًا في الأسابيع الأولى من الاستخدام.
- بينما اللولب الهرموني قد يسبّب نزيفًا متقطّعًا أو إفرازات بنية اللون لفترات طويلة.
تشير مراجعة طبية من Cleveland Clinic (2023) إلى أنّ الجسم يحتاج إلى نحو ثلاثة أشهر للتأقلم مع موانع الحمل الجديدة.
لكن إذا استمرّ النزيف بعد هذه المدة، أو أصبح غزيرًا، يجب مراجعة الطبيب فورًا لتعديل الجرعة أو تغيير النوع.
كما أنّ إيقاف موانع الحمل فجأة من دون استشارة طبية قد يؤدي أيضًا إلى نزيف مفاجئ بسبب الاضطراب الهرموني الحادّ الذي يحدث في الجسم.
ومن المهم التذكير أنّ اختيار وسيلة منع الحمل يجب أن يتم بناءً على تقييم دقيق لحال الرحم والمبيضين، وليس بقرار شخصي عشوائي.
أمراض الغدّة الدرقية والعوامل الصحية الأخرى
من الأسباب التي يغفلها كثيرون أنّ الغدّة الدرقية تؤدي دورًا مباشرًا في تنظيم الدورة الشهرية.
- قصور الغدة الدرقية يؤدي إلى بطء في إفراز الهرمونات الأنثوية، ما ينتج عنه نزيف طويل وغير منتظم.
- في المقابل، فرط نشاطها قد يسبب انقطاعًا مؤقتًا في الدورة ثم نزيفًا مفاجئًا وغزيرًا.
بحسب Harvard Health Publishing (2023)، تُعتبر الفحوص الدورية لهرمونات الغدة خطوة ضرورية لكلّ امرأة تعاني من نزيف غير مبرّر.
كما أنّ المعاناة من بعض الأمراض المزمنة مثل السكري، وارتفاع ضغط الدم، واستخدام أدوية مميعة للدم، قد تزيد من احتمال النزيف الرحمي.
ولذلك، لا بدّ من مقاربة شاملة تشمل مراجعة التاريخ الطبي الكامل للمريضة، لا الاكتفاء بعلاج العرض الظاهر فقط.
الخلاصة
تُظهر الدراسات الحديثة أنّ اسباب نزيف الرحم متعدّدة، ومتداخلة، ولا يمكن الحكم عليها من خلال ملاحظة واحدة أو عرضٍ بسيط.
الوعي الصحي، والفحص الدوري، والمتابعة المستمرة مع الطبيب النسائي، هي أساس الوقاية والعلاج المبكر.
فالنزيف ليس دائمًا علامة خطر، لكنه مؤشر لا يجوز تجاهله أبدًا. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وأجبناكِ على سؤال: هل نزول ماء من المهبل يعنى الحمل أم مشكلة صحية خطيرة؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ المرأة يجب أن تتعامل مع كلّ نزيف غير اعتيادي كرسالة من جسدها تستحقّ الإصغاء إليها، لا كأمرٍ عابر. فالصحة النسائية لا تحتمل التأجيل، والمعرفة الدقيقة حول اسباب نزيف الرحم هي مفتاح الأمان والطمأنينة لكلّ امرأة تسعى لحياةٍ متوازنة وصحّةٍ مستقرة.
