لم تَعُد ممارسة رياضات منزلية سهلة ترجع لك لياقتك بعد الولادة خيارًا ثانويًا، بل أصبحت ضرورة لكل أم تبحث عن استعادة صحتها وقوتها بعد رحلة الحمل والولادة. فالولادة تغيّر الكثير في جسم المرأة، بدءًا من العضلات وحتى الطاقة العامة. ومع ذلك، يمكنكِ عبر تمارين بسيطة في منزلكِ أن تحقّقي نتائج ملحوظة من دون الحاجة إلى أدوات أو مدرّب خاص.
في هذا المقال، سنأخذكِ خطوة بخطوة نحو أهم هذه التمارين، مدعومة بمعلومات علمية من أبحاث حديثة في مجال اللياقة بعد الولادة. سنوضّح لكِ كيف تؤثر هذه الرياضات على عضلاتكِ، وكيف تساعدكِ على تحسين المزاج وتعزيز الثقة بالنفس. بالإضافة إلى تقديم نصائح تطبيقية لدمجها في روتينكِ اليومي بأمان.
تمارين التنفّس العميق وتقوية عضلات البطن
بعد الولادة، تحتاج عضلات البطن إلى إعادة تنشيط واستعادة قوتها. يبدأ ذلك بتمارين التنفّس العميق التي تفعّل العضلات العميقة للجذع.
أظهرت دراسة في Journal of Women’s Health Physical Therapy أن ممارسة التنفّس العميق مع شدّ عضلات البطن السفلية يساعد على تحسين استقرار الحوض ودعم الظهر. يمكنكِ الجلوس أو الاستلقاء، ثم أخذ نفس عميق عبر الأنف، وشدّ البطن أثناء الزفير ببطء. لا تستهلك ممارسة هذا التمرين وقتًا، ويمكنكِ القيام به أثناء جلوسكِ مع طفلكِ.
هذه الخطوة أساسية لأنها تهيّئ جسمكِ لبقية التمارين، وتمنع حدوث آلام أسفل الظهر أو مشاكل في القوام.
القرفصاء (Squats) لتقوية الساقين والحوض
تُعَدّ ممارسة القرفصاء من التمارين الفعّالة التي لا تحتاج أي معدات. تعيد ممارسة هذا التمرين تنشيط عضلات الساقين والحوض. وهما من أكثر المناطق تأثرًا بفترة الحمل.
وفقًا لدراسة منشورة في Strength and Conditioning Journal، تساعد ممارسة تمارين القرفصاء على زيادة تدفق الدم وتحسين المرونة في المفاصل. مما يسهل الحركة اليومية ويقلّل الشعور بالتعب. للقيام به، افتحي ساقيكِ بمقدار عرض الكتفين، ثم انزلي بجسمكِ وكأنكِ تجلسين على كرسي وهمي، مع الحفاظ على الظهر مستقيمًا.
هذا التمرين لا يقوي العضلات فقط، بل يرفع معدل حرق السعرات. مما يسرّع عملية استعادة وزنكِ الطبيعي.
تمرين الجسر (Bridge) لشدّ المؤخرة والظهر
تُعَدّ ممارسة تمرين الجسر من الرياضات المثالية لتقوية عضلات المؤخرة وأسفل الظهر بعد الولادة.
تشير أبحاث في Journal of Orthopaedic & Sports Physical Therapy إلى أن هذا التمرين يساعد في إعادة تنشيط العضلات التي تضعف نتيجة الجلوس لفترات طويلة أثناء العناية بالمولود. استلقي على ظهركِ مع ثني الركبتين ووضع القدمين على الأرض، ثم ارفعي الحوض ببطء حتى يصبح الجسم في خط مستقيم من الركبتين إلى الكتفين، ثم انزلي ببطء.
يمكنكِ تكراره 10–15 مرة في البداية، وزيادة العدد تدريجيًا. فهو يعيد التوازن للعضلات ويحسّن القوام.
الاندفاع الأمامي (Lunges) لتقوية الجسم بالكامل
الاندفاع الأمامي يقوّي الساقين، ويعيد التوازن الحركي الذي قد يتأثر بعد الحمل.
أظهرت دراسة في European Journal of Applied Physiology أن هذا النوع من التمارين يفعّل عدة مجموعات عضلية في وقت واحد. مما يعزز القوة الكلية للجسم. قفي مستقيمة، تقدمي خطوة كبيرة للأمام. ثم اثني الركبتين حتى يصبح الفخذ الأمامي موازيًا للأرض، مع الحفاظ على الظهر مستقيمًا.
تساهم ممارسة هذا التمرين أيضًا في تحسين الدورة الدموية وتقليل احتباس السوائل في الساقين. وهي مشكلة شائعة بعد الولادة.
تمارين التمدّد لزيادة المرونة وتقليل التوتر
لا تكتمل أي خطة لياقة من دون التمدّد. بعد الولادة، تصبح العضلات أكثر عرضة للتشنّجات، لذا فإن التمدّد المنتظم ضروري.
بحسب دراسة في Scandinavian Journal of Medicine & Science in Sports، التمدّد يخفف التوتر العضلي ويحسّن نطاق الحركة، مما يساعد الأم على القيام بأنشطتها اليومية براحة أكبر. يمكنكِ البدء بتمديد عضلات الظهر والساقين، مع التركيز على التنفس العميق لزيادة الاسترخاء.
يمنحكِ هذا التمرين البسيط إحساسًا فوريًا بالراحة، ويهيّئكِ لبذل جهد بدني أكبر في التمارين الأخرى.
الخلاصة
في النهاية، إنّ ممارسة رياضات منزلية سهلة ترجع لك لياقتك بعد الولادة ليست مجرد حل بديل عن الذهاب إلى النادي. بل هي وسيلة فعّالة وواقعية لكل أم ترغب في تحسين صحتها واستعادة نشاطها من داخل بيتها. هذه التمارين، رغم بساطتها، تحمل فوائد عميقة مدعومة بأدلة علمية، وتساعدكِ على استعادة قوة العضلات، وتحسين القوام، وزيادة الطاقة اليومية.
الأهم هو البدء تدريجيًا والاستمرار، لأن المواظبة هي سر النجاح في أي برنامج لياقة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وعضرنا لكِ الجدول الزمني الحقيقي لتعافي كل جزء من جسدكِ بعد الولادة.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ ممارسة التمارين المنزلية بعد الولادة ليست مجرد نشاط بدني عابر، بل هي استثمار طويل الأمد في صحتكِ الجسدية وطاقتكِ النفسية والعاطفية. فهي تمنحكِ إحساسًا عميقًا بالتحكم في جسدكِ واستعادة ثقتكِ بنفسكِ بعد التغيّرات الكبيرة التي مررتِ بها خلال الحمل والولادة، وتعيد إليكِ شعور القوة والحيوية الذي قد تظنين أنكِ فقدته. كما أنّ هذه التمارين تساهم في تحسين مزاجكِ عبر تحفيز إفراز هرمونات السعادة، مما يساعدكِ على مواجهة ضغوط وتحديات الأمومة بمرونة وهدوء أكبر. أنصحكِ بأن تبدئي بخطوات صغيرة ومنتظمة، حتى لو لبضع دقائق يوميًا، مع الإصغاء الجيد لاحتياجات جسدكِ وعدم الضغط عليه أكثر من اللازم. لأن الاستمرارية والاعتدال هما سر الوصول إلى نتائج واضحة وملموسة خلال وقت أقصر مما تتوقعين.
