متى يعتبر الطفل تأخر في الكلام؟ يشغل هذا السؤال بال الكثير من الأمهات، خاصّةً عند مقارنة أطفالهنَّ بأقرانهم في نفس العمر. فاللغة ليست مجرد كلمات، بل أداة يعبر بها الطفل عن احتياجاته، ومشاعره، وأفكاره. لذا، عندما يتأخر الطفل في اكتساب المهارات اللغوية، يصبح القلق مبررًا.
في هذا المقال، نضع بين يديكِ دليلًا شاملًا لفهم مراحل النطق الطبيعية حسب العمر، ونشرح لكِ العلامات التي تدل على وجود تأخر، والأسباب المحتملة وراءه. إضافةً إلى طرق فعالة لدعم طفلكِ في هذه المرحلة المهمة. كل ذلك بالاستناد إلى معلومات موثوقة من دراسات علمية حديثة تهدف إلى تطوير مهارات طفلك اللغوية.
ما هي مراحل النطق الطبيعية حسب عمر الطفل؟
من الضروري أن تفهمي أولًا كيف تتطور مهارات الكلام عند الطفل تدريجيًا منذ ولادته. فالمقارنة السليمة تبدأ من معرفة المرجع العلمي.

منذ الولادة وحتى عمر 3 أشهر، يبدأ الطفل بالتفاعل مع الأصوات، كالالتفات نحو مصدر الصوت والبكاء بصوت واضح. ثم، بين 4 و6 أشهر، يبدأ في إصدار أصوات تشبه الحروف، مثل “غا” أو “با”. بعد ذلك، بين 7 و12 شهرًا، يُتوقّع أن يبدأ الطفل بالمناغاة المنتظمة ويُصدر كلمات بسيطة مثل “ماما” أو “بابا”.
بين السنة والسنة ونصف، يبدأ بتكوين كلمات واضحة أكثر، وفي عمر السنتين يجب أن يكون قادرًا على استخدام من 50 إلى 100 كلمة تقريبًا، ويستطيع ربط كلمتين معًا. عند عمر 3 سنوات، يبدأ الطفل في تكوين جمل بسيطة وفهم الأسئلة. أما في عمر 4 سنوات، فيفترض أن يكون حديثه مفهومًا من قبل الآخرين بنسبة تصل إلى 90%.
إذا لم يحقّق الطفل هذه المؤشرات في وقتها، يجب التوقف عند ذلك.
متى يعتبر الطفل تأخر في الكلام مقارنة بالمراحل الطبيعية؟
هنا يأتي السؤال الأساسي: متى يعتبر الطفل تأخر في الكلام؟
يُعتبَر الطفل متأخرًا لغويًا إذا لم يُصدر أي أصوات واضحة أو لا يستجيب للصوت قبل عمر 9 أشهر. كذلك، إذا لم يقل أي كلمة حتى عمر سنة ونصف، أو لم يبدأ بتكوين جمل قصيرة في عمر 3 سنوات، أو إذا كان كلامه غير مفهوم في عمر 4 سنوات، فإن هذه علامات تأخر.
وفقًا للأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP)، تأخر الكلام يُشخَّص عندما لا يطوّر الطفل مهارات لغوية مناسبة لعمره من دون وجود مشاكل حسّية أو عقلية واضحة. لذا، التشخيص يتطلب تقييمًا شاملًا، يشمل النطق، والسمع، والتطور المعرفي العام.
ما الأسباب العلمية وراء تأخر الكلام عند الأطفال؟
لفهم التأخر، لا بدّ من معرفة أسبابه. وتشير الدراسات إلى أن الأسباب قد تكون عضوية أو بيئية أو نفسية.

أولًا، من الأسباب العضوية: ضعف السمع. فعدم سماع الأصوات بوضوح يؤثر على تعلّم النطق. كذلك، قد تؤدي المعاناة من اضطرابات النمو العصبي، مثل التوحد أو طيف التوحّد أو اضطراب اللغة التعبيرية، إلى تأخر واضح في اكتساب اللغة.
ثانيًا، تشمل الأسباب البيئية نقص التفاعل اللفظي مع الطفل، كأن يمضي وقتًا طويلًا أمام الشاشات أو لا يسمع كلمات وجملًا يوميًا من الكبار. فالبيئة الغنية باللغة تُعد عاملًا حاسمًا في تحفيز النطق.
ثالثًا، قد تؤدّي العوامل النفسية دورًا. مثلًا، تعرّض الطفل لصدمة نفسية مبكرة، أو وجود قلق داخل الأسرة، قد يؤثر سلبًا على رغبته في التواصل.
في بعض الحالات، يكون التأخر مجرد تأخر نمائي بسيط، ويتعافى الطفل مع الوقت والدعم المناسب.
ما الخطوات التي يمكن اتخاذها لمساعدة الطفل؟
بمجرد ملاحظة التأخر، لا تنتظري كثيرًا. الخطوة الأولى هي التقييم المهني. يجب عرض الطفل على طبيب أطفال، ومعالج نطق، ومختصّ سمع.
بعد ذلك، يُفضل البدء بجلسات تدخل مبكر، حيث يكتسب الطفل المهارات الأساسية عبر اللعب المنظم والتفاعل. وأظهرت الأبحاث، مثل دراسة منشورة في Journal of Speech, Language, and Hearing Research، أن التدخل المبكر يزيد بشكل ملحوظ من فرص التحسن.
أيضًا، يمكن للأهل المساهمة بشكل كبير. كيف؟ من خلال:
- التحدث مع الطفل بوضوح وبصوت هادئ.
- قراءة القصص له يوميًا.
- تكرار الكلمات أمامه وربطها بحركات أو صور.
- تقليل وقت الشاشة، وزيادة وقت اللعب والتفاعل اللفظي.
لا تنتظري أن يتكلم بمفرده، كوني أنتِ مصدر اللغة والأمان.
متى يكون القلق مبررًا؟ ومتى نمنح الطفل وقتًا إضافيًا؟
ليست كل الحالات تتطلب تدخّلًا سريعًا، لكن في حال استمر غياب الكلمات بعد عمر السنتين، أو لم يتطوّر نطقه إطلاقًا حتى عمر 3 سنوات، فإن القلق هنا يصبح ضروريًا.

كذلك، إذا كان الطفل لا يفهم التعليمات البسيطة أو لا يتفاعل مع الآخرين، حتى من دون استخدام الكلام، فإن هذه إشارات حمراء يجب الانتباه لها.
أما إذا كان الطفل يفهم جيدًا، ويتفاعل، لكن نطقه بطيء قليلًا، فقد يكون من فئة “المتأخرين المؤقتين في النطق”، وهي حال تتحسّن مع الزمن.
ولكن يبقى التشخيص المهني هو الفصل في جميع الأحوال.
الخلاصة
متى يعتبر الطفل تأخر في الكلام؟ سؤال يتطلب وعيًا، ومتابعة دقيقة، وتعاونًا بين الأهل والمختصّين. فاللغة ليست مجرد مهارة، بل هي بوابة الطفل نحو التعلم، والاندماج، والثقة بالنفس. وكل تأخير غير ملاحَظ أو غير مُعالَج قد يؤثر على مستقبل الطفل الدراسي والاجتماعي.
التأخر في الكلام لا يعني بالضرورة وجود مشكلة دائمة، لكن تجاهله هو ما يصعّب الأمور. كلما بدأ التدخل أبكر، زادت فرص التحسن بشكل ملحوظ. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن تأثير الصراخ أمام طفلكِ على دماغه.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن وعي الأم بمراحل تطور النطق هو المفتاح الأساسي للكشف المبكر. لا يجب أن تنتظري حتى “يتكلم من تلقاء نفسه”، بل عليكِ أن تكوني المبادِرة في بناء بيئة غنية بالكلام والتفاعل. وتذكّري دائمًا: الاستماع لطفلكِ لا يكون فقط عندما يتكلم، بل أيضًا حين يصمت. لأن خلف هذا الصمت قد تكمن حاجة لمساعدته ليكتشف صوته ويعبّر عن ذاته.