عندما لا تشعرين بالاتصال مع الجنين.. هل هذا طبيعي؟ سؤال قد يراودك منذ الأسابيع الأولى من الحمل. تشعرين بالحيرة، وقد تراودك مشاعر الذنب أو الخوف، خاصة إذا لم تختبري ذلك الارتباط العاطفي الفوري الذي تتحدث عنه بعض النساء. في الواقع، هذا الشعور شائع أكثر مما تعتقدين، وله أسباب عديدة، نفسية وبيولوجية وهرمونية.
في هذا المقال، سنشرح لماذا قد تمرّين بهذه الحال. سنوضح أيضًا العوامل التي تؤثر في شعورك بالارتباط بالجنين في الرحم، ومتى يعتبر الأمر طبيعيًا، ومتى يجب استشارة مختص. كذلك سنعرض آراء علمية دقيقة ودراسات موثوقة حول هذا الموضوع، لتطمئني وتفهمي نفسك أكثر.
التغيّرات النفسية في بداية الحمل
قد لا تشعرين بشيء رغم معرفتك بالحمل، وهذا طبيعي.

تشير الدراسات إلى أنّ سبب عدم الشعور بالاتصال مع الجنين، قد يكون هو التأقلم النفسي مع فكرة الحمل الجديدة. الحمل يغيّر حياتك بالكامل، ويحتاج دماغك إلى وقت لهضم هذا التغيير. وفقًا لجمعية علم النفس الأمريكية (APA)، فإن حوالي 60% من النساء الحوامل يشعرن بالارتباك أو القلق والتوتّر أو حتى الانفصال العاطفي في الأسابيع الأولى من الحمل. خاصّةً إن كان الحمل مفاجئًا أو غير مُخطَّط له.
كما أن بعض النساء قد يتجنبن الشعور بالارتباط. خاصّةً إذا سبق لهنَّ أن عانينَ من إجهاض أو فقدان حمل سابق، كنوع من الحماية الذاتية من الألم النفسي.
الهرمونات وتأثيرها العاطفي
تؤدّي الهرمونات دورًا كبيرًا في تغيّر مشاعرك خلال الحمل.
من المعروف أن الحمل يغيّر نسب هرمونات الجسم، خاصّةً هرمونَي الإستروجين والبروجستيرون، واللذَين يؤثران في المزاج والنوم والشهية وحتى القدرة على التفاعل العاطفي. تشير دراسة نُشرت في مجلة Journal of Affective Disorders إلى أن التقلّب الهرموني قد يؤدي إلى مواجهة مشاعر متضاربة، منها البرود العاطفي المؤقت تجاه الحمل.
هذا التغيير ليس دائمًا. في الغالب، مع نهاية الثلث الأول، تبدأ هذه المشاعر في التحسن تدريجيًا، خاصّةً عندما يبدأ الجنين بالحركة أو تظهر معالم الحمل على الجسم. عندها، يصبح الحمل واقعيًا أكثر، وقد تشعرين بالاتصال بصورة أعمق.
غياب العلامات الجسدية في البداية
في بداية الحمل، قد لا تشعرين بتغيّرات واضحة على جسدك، ما يُصعّب عليكِ الشعور بالارتباط.

عندما لا تشعرين بالاتصال مع الجنين.. هل هذا طبيعي؟ قد يكون السبب أنك لا تشعرين بحركته بعد، ولا ترين بطنك يكبر بشكل واضح. فغياب هذه العلامات يجعل الحمل يبدو وكأنه “فكرة” أكثر منه “واقع”.
لهذا السبب، تؤكد الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد (ACOG) أن التفاعل الحسي مع الحمل، مثل رؤية الجنين عبر السونار أو الشعور بركلاته الأولى، يساعد كثيرًا في تقوية الرابط العاطفي. هذه التجربة الحسية تحوّل الفكرة المجردة إلى تجربة ملموسة، مما يحفّز العقل العاطفي ويقرّبك من جنينك.
الظروف النفسية والاجتماعية
لا شكّ أنّ العوامل المحيطة بك تؤثر كثيرًا على شعورك بالحمل.
إذا كنتِ تمرّين بظروف معيشية صعبة، أو تعانين من ضغط نفسي أو مشاكل زوجية أو مهنية، فقد يطغى التوتر على كل شعور آخر، بما في ذلك شعورك بالارتباط بالجنين. من المهم أن تعرفي أن التوتر لا يعني أنكِ أمّ سيئة، بل يعني فقط أنكِ تحتاجين إلى دعم نفسي إضافي.
كما أظهرت دراسة نُشرت في British Journal of Psychiatry أن النساء اللواتي يعانين من اضطرابات القلق أو الاكتئاب خلال الحمل يكنّ أكثر عرضة لتأخر الارتباط بالجنين. لذلك، من المفيد دائمًا التحدث مع طبيبة نفسية مختصة إذا شعرتِ بأن هذه المشاعر تؤثر على حياتك اليومية.
متى تقلقين؟
ليس دائمًا ما تشعرين به يدعو للقلق، لكن أحيانًا تحتاجين لاستشارة.

إذا استمرت مشاعر الانفصال عن الجنين حتى الثلث الثالث من الحمل، أو لاحظتِ أنك لا تهتمين بصحتك أو لا تشعرين بأي حماسة لاستقبال طفلك، فمن الأفضل التحدث مع مختصة في الصحة النفسية.
في بعض الحالات، قد تكون هذه المشاعر مؤشرًا على الاكتئاب قبل الولادة، وهي حال معروفة ويمكن علاجها بفعالية. العلاج لا يعني دائمًا أدوية، بل يمكن أن يشمل جلسات دعم، واستشارات أسرية، أو حتى تغييرات بسيطة في نمط حياتك اليومي.
خطوات لتعزيز الاتصال مع الجنين
هناك طرق فعّالة لبناء هذا الرابط، حتى لو لم تشعري به تلقائيًا.
ابدئي بخطوات بسيطة. خصّصي وقتًا يوميًا للتحدث مع جنينك، أو لقراءة قصة له، أو حتى للاستماع إلى موسيقى هادئة أثناء وضع يدك على بطنك.
مارسي تقنيات التنفس والاسترخاء. هذه التقنيات لا تساعد فقط على تهدئة الشعور بالتوتر، بل تعزّز الوعي الجسدي والعاطفي بالحمل.
كما أن كتابة يوميات الحمل أو التقاط صور أسبوعية لبطنك قد تكون وسيلة جميلة لرؤية التغيّرات وتعزيز علاقتك بهذه المرحلة المهمة من حياتك.
الخلاصة
عندما لا تشعرين بالاتصال مع الجنين.. هل هذا طبيعي؟ نعم، هو طبيعي وشائع ومفهوم. المشاعر خلال الحمل تتبدّل، وتُبنى مع الوقت، ولا تخضع لقواعد ثابتة. الأهم أن تمنحي نفسك المساحة والرحمة والصبر.
لا تضغطي على نفسك لتشعري بشيء لا يأتي تلقائيًا. بدلًا من ذلك، ركّزي على ما يمكنك فعله لتقوية هذا الرابط تدريجيًا، إن أردتِ. ومع الوقت، ستكتشفين أن كل امرأة تخوض رحلتها الخاصة مع الأمومة. ومن الجدي بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ هل الحمل يعيد تشكيلك؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن المجتمع يضع معايير قاسية على مشاعر الأمومة، كأنّها يجب أن تظهر فورًا وبشكل مثالي. لكن في الحقيقة، المشاعر الإنسانية أكثر تعقيدًا من ذلك. لا عيب أبدًا في أن تحتاجي وقتًا لتشعري بقرب من جنينك. المهم هو الوعي، والتقبّل، والبحث عن الدعم عندما تحتاجينه. الأمومة ليست لحظة، بل مسار كامل يبدأ بالرحمة تجاه الذات.