تُعَدّ المعاناة من شعور بالدوخة بعد الشهر الرابع من العوارض التي قد تُربِك الكثير من النساء الحوامل. خاصّةً مع دخول مرحلة الحمل الثانية التي يُفترض أن تكون أكثر استقرارًا. فبينما تتوقعين أن تختفي العلامات المزعجة التي رافقتكِ في الأشهر الأولى من الحمل، تتفاجئين بإحساس بالدوار وعدم الاتزان. ما يثير لديكِ القلق بشأن صحة جنينكِ وسلامتكِ الجسدية.
في هذا المقال، سنوضح لكِ الأسباب العلمية الكامنة خلف هذا الشعور، ونُفصّل الحالات الطبية المرتبطة به. كما سنستعرض العلامات التي تستوجب الاستشارة الطبية الفورية. ستحصلين على خطّة واضحة للتصرّف عند الشعور بالدوخة، مدعومة بالمراجع الطبية الحديثة والتوصيات العلمية.
هل يُعتبر شعور بالدوخة بعد الشهر الرابع طبيعيًا؟
قد تكون الدوخة شائعة، لكنّ استمرارها بعد الشهر الرابع يتطلب فهمًا أعمق.

في المرحلة الثانية من الحمل، يتوسّع حجم الرحم بسرعة ويزداد الضغط على الأوعية الدموية. ما يؤثّر على تدفّق الدم نحو الدماغ. رغم أن بعض الدوخة تُعتبر فسيولوجية وغير خطيرة، إلّا أنّ استمرار شعور بالدوخة بعد الشهر الرابع قد يدلّ على مشاكل صحية تتطلب المتابعة.
أظهرت دراسة نُشرت في مجلة Obstetrics & Gynecology عام 2022 أن 38% من النساء الحوامل أفدنَ بالشعور بالدوار خلال الثلث الثاني من الحمل. كما تبيّن أن بعض الحالات كانت مرتبطة بانخفاض ضغط الدم الانتصابي أو انخفاض مستوى الحديد (Lee et al., 2022).
الأسباب المحتملة لشعور الدوخة في هذه المرحلة
تظهر عدة عوامل تؤدي إلى شعوركِ بالدوخة، بعضها طبيعي، والبعض الآخر يحتاج إلى تدخل.
1- انخفاض ضغط الدم
يحدث توسّع في الأوعية الدموية نتيجة التغيرات الهرمونية. مما يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم. هذا الانخفاض يُقلل من تدفق الدم إلى الدماغ. ما يسبب الدوخة عند الوقوف أو تغيّر الوضعية بسرعة.
2- فقر الدم
أحد أكثر الأسباب شيوعًا للمعاناة من شعور بالدوخة بعد الشهر الرابع هو نقص الحديد. فالحديد يُعَدّ أساسيًا لنقل الأكسجين عبر الدم. عند انخفاضه، يتأثر وصول الأكسجين إلى المخ، فتشعرين بالدوار.
تشير الأبحاث إلى أن أكثر من 40% من النساء الحوامل يعانين من درجات متفاوتة من فقر الدم خلال الحمل (WHO, 2023).
3- نقص السكر في الدم
يستهلك الجنين كميات كبيرة من الجلوكوز. وإذا لم تتناولي وجبات متوازنة، قد ينخفض مستوى السكر في الدم. ما يؤدّي إلى إحساس مفاجئ بالدوخة أو حتى الإغماء.
4- ضغط الرحم على الوريد الأجوف
عند الاستلقاء على الظهر، يضغط الرحم على الوريد الرئيسي الذي يُعيد الدم من الجزء السفلي للجسم إلى القلب. هذه الوضعية تُقلّل من تدفق الدم وتؤدّي إلى انخفاض مفاجئ في الضغط، ما يسبب الدوخة.
متى تصبح الدوخة مؤشر خطر؟
تُشير بعض العوارض إلى حالات طبية طارئة لا يمكن التغاضي عنها. إذا ترافقت شعور بالدوخة بعد الشهر الرابع مع العوارض التالية، يجب مراجعة الطبيب فورًا:

- رؤية مشوشة أو غباش في العينين
- خدر في الأطراف أو صعوبة في الحركة
- ألم في الصدر أو سرعة في ضربات القلب
- صداع شديد لا يزول بالراحة
- نزيف مهبلي أو ألم في البطن
قد تشير هذه العلامات إلى تسمّم حمل، أو مشاكل قلبية، أو خلل في تروية الدماغ. كلّ هذه الحالات تستوجب تشخيصًا طبيًا دقيقًا.
كيف تتعاملين مع الدوخة بطريقة آمنة؟
اتباع خطوات بسيطة قد يُخفّف بشكل كبير من عوارض الدوخة ويمنع تكرارها.
1- احرصي على الترطيب
اشربي كميات كافية من الماء يوميًا. فالجفاف يؤدّي إلى انخفاض ضغط الدم ويزيد من احتمالية الدوخة.
2- تناولي وجبات صغيرة ومتعددة
تجنبي البقاء لساعات طويلة بدون طعام. ركّزي على تناول البروتينات والحديد والخضار الورقية. أضيفي الفواكه المجففة والمكسرات لموازنة السكر في الدم.
3- غيري وضعيتكِ ببطء
عند الاستيقاظ من النوم أو عند الوقوف، تحركي ببطء لتفادي انخفاض الضغط المفاجئ.
4- تجنبي النوم على ظهركِ
نامي على جانبكِ الأيسر لتحسين تدفق الدم إلى القلب والدماغ، وتقليل الضغط على الأوردة الكبرى.
5- راجعي طبيبكِ دوريًا
اطلبي فحص دم لتقييم مستوى الحديد والسكر والضغط بشكل دوري. قد يصف الطبيب مكمّلات غذائية ضرورية أو يوصي بإجراء فحوص إضافيّة عند الحاجة.
هل توجد علاقة بين التوتر والدوخة في الحمل؟
نعم، يؤدّي الجانب النفسي دورًا لا يُستهان به. فالتغيرات الهرمونية والقلق حول الحمل والولادة قد تؤدي إلى نوبات من التوتر والهلع. هذه الحالات تُحدث تسارع في ضربات القلب وضيق تنفس، ما يُسبب الإحساس بالدوخة.

في دراسة أجرتها American Journal of Psychiatry (2021)، وُجِدَ أنّ النساء الحوامل اللواتي يُعانين من القلق المزمن أكثر عرضة للشعور بالدوار حتّى من دون وجود مسبب عضوي واضح.
لذلك، يُنصح باللجوء إلى ممارسة تمارين التنفس، والاسترخاء، والمشي الخفيف، إضافةً إلى الدعم النفسي عند الحاجة.
الخلاصة
لا تُعَدّ المعاناة من شعور بالدوخة بعد الشهر الرابع عارضًا بسيطًا دائمًا، بل قد يكون مؤشّرًا لحال طبية تتطلّب المتابعة. لا تهملي الأمر، بل استمعي إلى جسدكِ وتواصلي مع طبيبكِ بانتظام. التوازن بين التغذية، والراحة، والفحوص الدورية هو مفتاح المرور بحمل صحي وآمن. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وقدّمنا لكِ معلومات عن الشهر الرابع من الحمل.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أجد أن كل امرأة حامل تستحق أن تُحاط برعاية واعية تراعي أدق التفاصيل. لا تتركي أي عرض يمرّ من دون تفسير، خاصّةً إن كان متعلقًا بدوخة مستمرة. اطمئني دائمًا عبر العلم والاستشارة، ولا تتردّدي في طرح أي تساؤل على طبيبكِ، فالصحّة في هذه المرحلة مسؤولية مزدوجة لكِ ولطفلكِ المنتظر.