هل الحركات الكثيرة للجنين دائمًا علامة جيدة؟ سؤال يُثير فضول الكثير من النساء خلال أشهر الحمل، خصوصًا في الثلث الأخير. فمن جهة، يُطمئن الشعور بالحركة الأم، ويمنحها تأكيدًا أنّ الجنين في الرحم حيّ وينمو. ومن جهة أخرى، قد تُسبّب هذه الحركات المتكرّرة بعض القلق، خاصة إذا بدت غير مألوفة أو مفرطة. لذلك، تُطرح علامات استفهام عدّة حول دلالة هذه الحركات، وهل تعني أن كلّ شيء يسير بشكل طبيعي فعلًا؟
في هذا المقال، سنشرح لكِ ما الذي يعنيه تزايد الحركة داخل الرحم. سننتقل خطوة بخطوة لنفهم طبيعة هذه الحركات، ما هو المعدّل الطبيعي، متى تصبح مؤشّرًا خطيرًا، وكيف تراقبينها بدقة. المقال مبني على معلومات علمية محدثة، وأبحاث موثوقة نُشرت في مجلات طب النساء والتوليد العالمية.
1- الحركات الكثيرة للجنين: متى تبدأ وماذا تعني؟
عادةً، تبدأ الأم بالشعور بحركة الجنين ما بين الأسبوع 16 إلى 25 من الحمل. هذه الحركات تشبه في البداية رفرفة خفيفة، ثم تزداد وضوحًا مع نمو الجنين. عند دخول الشهر السابع، تصبح الحركات أقوى، وتظهر بوضوح عند الجلوس أو الاستلقاء.

وتُشير الكلية الملكية لأطباء النساء والتوليد (RCOG, 2019) إلى أن الحركات المنتظمة تُعَدّ علامة إيجابية على سلامة الجهاز العصبي والدورة الدموية للجنين. إذ أن الجنين النشط غالبًا ما يكون سليمًا من الناحية العصبية.
لكن، هل الحركات الكثيرة للجنين دائمًا علامة جيدة؟ هنا يجب الانتباه. رغم أن النشاط مهم، إلا أن الحركات الزائدة عن الحد الطبيعي أو المفاجئة قد تعكس استجابةً لتوتر، أو نقص أكسجين، أو حتى مشكلة في الحبل السري. لذلك من المهم دائمًا مراقبة النوع والتكرار، لا الكمية فقط.
2- هل هناك رقم محدد للحركات الطبيعية يوميًا؟
نعم، ووفقًا لدراسة نُشرت في مجلة BMC Pregnancy and Childbirth عام 2013، فإنّ عدد حركات الجنين يتراوح عادة بين 10 إلى 30 حركة خلال ساعتين عند الراحة. ينصح الأطباء باتباع قاعدة “العشر حركات”: إذا شعرتِ بـ10 حركات واضحة خلال ساعتين، يكون الوضع طبيعيًا.
لكن، إذا شعرتِ بحركات كثيرة جدًا وبشكل غير معتاد، فقد يكون هناك اضطراب ما. وهنا يبرز مجددًا سؤالنا الرئيسي: هل الحركات الكثيرة للجنين دائمًا علامة جيدة؟. الجواب: ليست دائمًا. الحركة يجب أن تكون منتظمة، لها نمط معتاد، وتتبع جدولًا يوميًا شبه ثابت. التغيّر المفاجئ أو الإفراط غير المفسّر يجب أن يُناقش مع الطبيب فورًا.
3- متى تصبح الحركات الكثيرة مؤشرًا خطرًا؟
في بعض الحالات النادرة، تكون الحركات المفرطة علامة إنذار مبكر. مثلًا:

- إذا ترافقت الحركات مع ألم شديد في البطن.
- إذا جاءت بعد فترة من السكون التام.
- إذا كانت مفاجئة وقوية جدًا خلال دقائق قليلة.
تُشير دراسة نُشرت في American Journal of Obstetrics and Gynecology (2020) إلى أن الحركات الزائدة التي تحدث قبل ولادة جنين ميت في بعض الحالات كانت مرتبطة بمشاكل في الحبل السري أو نقص تروية الدماغ. لذلك، لا يجب تجاهل أي تغيير مفاجئ في نمط الحركة.
أيضًا، قد تعكس هذه الحركات استجابة لارتفاع مفاجئ في سكر الدم أو تناول كميات كبيرة من الكافيين. لذا، يجب النظر دائمًا للسياق العام، وليس فقط عدد الحركات.
4- كيف تراقبين حركة الجنين بشكل علمي؟
لمراقبة حركة الجنين بدقة، اتبعي الخطوات التالية:
- اختاري وقتًا ثابتًا كل يوم (غالبًا بعد الوجبات أو قبل النوم).
- اجلسي في مكان هادئ واستلقي على جانبك الأيسر.
- احسبي عدد الحركات خلال ساعتين.
- إذا شعرتِ بأقل من 10 حركات أو بعدد كبير جدًا بشكل غير معتاد، اتصلي بطبيبك.
كما أن بعض التطبيقات الحديثة تساعد في تسجيل الحركات اليومية، ولكنها لا تُغني عن المتابعة الطبية المباشرة. المهم ألا تعتمدي على شعور عام فقط، بل سجّلي التفاصيل: الوقت، وعدد الحركات، وشدّتها، وأي شعور غير مريح مرفق بها.
نصائح للحفاظ على سلامة الجنين عند وجود حركات كثيرة
للتعامل السليم مع الحركات الزائدة، اتبعي النصائح التالية:

- قلّلي من تناول المنبهات كالقهوة والشوكولا في الليل.
- راقبي ضغط دمك باستمرار.
- تجنّبي القلق الزائد، وركّزي على نوع الحركة بدلًا من كميتها فقط.
- لا تتجاهلي شعورك الداخلي. إذا شعرتِ أن شيئًا ليس على ما يرام، زوري الطبيب فورًا.
الحمل رحلة دقيقة، وجسمك يُرسل لك إشارات مهمة عبر حركات الجنين. فاستمعي إليها بذكاء.
الخلاصة
هل الحركات الكثيرة للجنين دائمًا علامة جيدة؟ الجواب يتوقّف على السياق. أحيانًا تكون الحركة دليلًا رائعًا على صحة الجنين ونموّه، وأحيانًا أخرى تكون جرس إنذار يتطلّب تدخّلًا طبيًا سريعًا. الفكرة الأساسية هي متابعة النمط وليس الرقم فقط، والتمييز بين الحركة الطبيعية والحركة غير المعتادة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشف لكِ عن تأثير مشاعر الغضب والتوتر أثناء الحمل على الجنين.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الوعي الجسدي للأم من أقوى الأدوات التي تملكها في الحمل. فعندما تتصالح المرأة مع إحساسها الداخلي وتتابع التغييرات بعقلانية، تصبح أكثر قدرة على حماية جنينها من أي خطر. لذلك، لا تهملي أي تفصيل، ولو بدا صغيرًا. فالحركات هي لغة الجنين الأولى، والأم الذكية تُحسن الإصغاء.