هل يؤثر توترك على نمو الجنين؟ إليكِ الإجابة بكل وضوح. في فترة الحمل، تمرّين بتجارب كثيرة ومشاعر متقلّبة. قد تشعرين بالسعادة، لكن في المقابل، يتسلّل التوتر أحيانًا إلى يومياتكِ. بعض النساء يَخِفنَ من تأثير التوتّر على صحتهنَّ النفسية فقط، ولكن الحقيقة أكبر من ذلك. فالعلم اليوم يُجمع على أنّ التوتر قد يؤثر بشكل مباشر على تطوّر الجنين داخل الرحم.
في هذا المقال، سنشرح لكِ هذه العلاقة بشكل علمي مبسّط، ونقدّم الأدلة الحديثة حول تأثير التوتر على الجنين. ثم نساعدكِ على التعرّف إلى الإشارات التحذيرية، ونختم بتقديم أهمّ النصائح الوقائية التي تضمن راحة بالكِ وسلامة صغيركِ.
1- كيف يؤثر التوتر على جسمكِ وجسم جنينكِ؟
أولًا، لنتحدث عن ما يحصل في جسدكِ عند الشعور بالتوتر. عندما تتوترين، يبدأ الجسم بإفراز هرمونات مثل الكورتيزول والأدرينالين. تمرّ هذه المواد من دمكِ إلى المشيمة، وبالتالي تصل إلى الجنين. هذا التفاعل قد يبدو بسيطًا، لكنه خطير على المدى الطويل.
بحسب دراسة نُشرت في مجلة Developmental Psychobiology عام 2020، النساء اللواتي سجّلنَ معدلات توتّر مرتفعة خلال الحمل أنجبن أطفالًا بمحيط رأس أصغر، وهو مؤشر يرتبط ببطء النمو العقلي والمعرفي.
أيضًا، كشفت دراسة في PNAS أنّ الشعور بالتوتر المزمن خلال الأشهر الأولى من الحمل قد يؤثر على تطوّر الفص الجبهي للدماغ، المسؤول عن الوظائف التنفيذية كالتركيز وحلّ المشاكل.
2- هل يؤثر توترك على نمو الجنين؟
الإجابة نعم، وبأدلّة مثبتة.
أجرى باحثون من جامعة كاليفورنيا دراسة شملت أكثر من 1000 امرأة حامل. أظهرت النتائج أن النساء اللواتي عانين من قلق وتوتر مزمن أنجبن أطفالًا أكثر عرضة للولادة المبكرة، وانخفاض الوزن عند الولادة، وتأخّر التطوّر الحركي بعد السنة الأولى.
كذلك، تابعت دراسة أخرى منشورة في JAMA Pediatrics تأثير التوتّر على الأمهات بعد الولادة. وتبيّن أن الأطفال الذين تعرّضوا لمستويات عالية من التوتر داخل الرحم أظهروا سلوكيات قلق وانسحاب اجتماعي في عمر الثلاث سنوات.
بالتالي، حين نسأل: هل يؤثر توترك على نمو الجنين؟ إليكِ الإجابة المدعومة بالأبحاث: نعم، هناك ارتباط قوي بين الحال النفسية السيئة للأم وتأخر نمو بعض وظائف الجنين الحيوية.
3- علامات التوتر الذي يؤثر على الجنين
من الطبيعي أن تشعري أحيانًا بالتوتّر، لكن هناك علامات معيّنة إذا ظهرت، يجب أن تنتبهي لها فورًا.
- الأرق المستمر وعدم القدرة على النوم.
- تسارع نبضات القلب من دون جهد بدني.
- البكاء اليومي أو الشعور بالحزن لفترات طويلة.
- فقدان الشهية أو الأكل الزائد من دون وعي.
- صعوبة في التركيز أو اتخاذ قرارات بسيطة.
هذه المؤشرات تدلّ على أنّ الشعور بالتوتّر بدأ يأخذ منحى خطرًا، وقد يكون له آثار سلبية على جنينكِ. من المهم ألّا تهملي هذه الإشارات، بل تواجهيها بسرعة وبطرق فعالة.
4- كيف تحمين جنينكِ من آثار التوتر؟
لكي تحافظي على نمو سليم لطفلكِ، عليكِ تقليل الشعور بالتوتّر بكلّ الطرق الممكنة.
أولًا، نظّمي وقتكِ. خصّصي وقتًا يوميًا للراحة، ولو لمدة 30 دقيقة فقط.
ثانيًا، مارسي تمارين التنفس العميق، فهي فعّالة في تقليل إفراز الكورتيزول، كما أثبتت دراسات في Harvard Medical School.
ثالثًا، تواصلي مع أشخاص إيجابيين. لا تعزلي نفسكِ. الدعم الاجتماعي يقلّل من الشعور بالتوتر بنسبة كبيرة.
رابعًا، تحدثي إلى مختصّة نفسية إذا شعرتِ أن الضغط تجاوز قدرتكِ على التحمل. يُعَدّ العلاج المعرفي السلوكي (CBT) من أنجح الوسائل لمساعدة الحوامل، وقد أظهر فعالية كبيرة في تخفيف القلق والتوتر وتحسين نتائج الحمل.
وأخيرًا، لا تهملي التغذية. إنّ تناول بعض الفيتامينات، مثل المغنيسيوم وأوميغا 3، تُساعد الجهاز العصبي على مقاومة التوتر، وتُسهم في بناء دماغ صحي للجنين.
5- هل يؤثر توترك على نمو الجنين؟
في نهاية المطاف، نعود للسؤال الأساسي: هل يؤثّر توترك على نمو الجنين؟ إليكِ الإجابة مرة أخرى. نعم، إنّ الشعور بالتوتّر المستمر والمكثّف يمكن أن يترك آثارًا واضحة على تطوّر دماغ الجنين، وعلى صحته العامة.
لكن في المقابل، يمكنكِ السيطرة على الشعور بالتوتر بالاستعامة بوسائل بسيطة ومدروسة. ما تحتاجينه هو الحفاظ على وعي دائم، ودعم من محيطكِ، ورغبة حقيقية في حماية نفسكِ وجنينكِ.
لا تنتظري أن تتراكم الضغوط النفسيّة حتى تنهاري. اعملي على الوقاية اليومية، وامنحي نفسكِ فرصة للهدوء. صحّتكِ النفسيّة هي بيئة جنينكِ الأولى. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن الرياضات الآمنة وما المحظورة خلال الحمل.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الحمل ليس فقط مرحلة جسدية. بل هو رحلة وجدانية تستحق أن نعيشها بوعي وطمأنينة. لا يمكننا دائمًا التحكم بالأحداث، لكن يمكننا التحكم بردّة فعلنا تجاهها. لذلك، أنصحكِ بأن تجعلي الراحة النفسية أولوية يومية، تمامًا كما تهتمين بتناول المكملات الغذائية أو الذهاب للطبيب. الطفل الذي ينمو داخل رحمكِ يتأثر بكل نبضة مشاعر، وكل لحظة قلق. أنتِ حجر الأساس في بنائه. فامنحيه بيئة هادئة وآمنة تنبض حبًا وسلامًا.
