من أوّل اللحظات التي يرفض فيها طفلك تنفيذ تعليماتك، يتبادر هذا السؤال في ذهنكِ: هل العناد طبيعة في طفلك؟ أم طريقة ذكية لطلب الاهتمام؟. لا شكّ أن تصرفات الصغار لا تأتي عبثًا، بل تعبّر عن مشاعر دفينة، وحاجات داخلية قد تكون خفية على الأهل.
سنعالج في هذا المقال أسباب العناد من منظور علمي ونفسي. سنشرح متى يكون العناد سلوكًا طبيعيًا، ومتى يصبح مؤشرًا على حاجة عاطفية غير ملبّاة. ثم ننتقل إلى طرق تربوية ذكية للتعامل معه من دون صراخ أو عقاب. كما نناقش الفروقات بين العناد الطبيعي والمَرَضي. مع العلم أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أسباب تخبرك إن كان الخلل في سلوكك أو سلوك طفلكِ العنيد!
ما هو العناد؟ نظرة علمية موجزة
العناد سلوك يُعبّر من خلاله الطفل عن الرفض أو المعارضة. يُجمع علماء النفس أن العناد جزء طبيعي من نمو الطفل، خصوصًا بين سن 2 و7 سنوات. في هذه المرحلة، يبدأ الطفل في بناء “الذات” واكتشاف حدود الاستقلال.

تشير دراسات حديثة من “American Psychological Association” أن الطفل في عمر الروضة يُظهر العناد لتأكيد ذاته وليس للتحدي. هذا السلوك يُعدّ صحيًّا إذا جاء في حدود ضيقة. لكن إذا تكرّر بشكل يومي، وبأسلوب عنيف، فهنا يبدأ القلق.
ما هو السبب الخفي لعناد الطفل؟
عند مواجهة السلوك العنيد، تسألين نفسكِ: هل العناد طبيعة في طفلك؟ أم طريقة ذكية لطلب الاهتمام؟
الإجابة تبدأ من مراقبة السياق.
إذا أصرّ طفلك على رأيه فقط بوجودكِ، أو بعد تجاهلكِ له فترة طويلة، فهذا غالبًا لا يدلّ على طبيعة حادّة، بل على حاجة لاحتواء عاطفي. يصبح العناد في هذه الحال وسيلة غير مباشرة لجذب الانتباه.
نُشرت دراسة في “Journal of Child Psychology and Psychiatry” عام 2020، وجدت أن الأطفال الذين يشعرون بالإهمال العاطفي أكثر عرضة للعناد الشديد. هذا السلوك ينشأ بسبب رغبتهم بالحصول على اهتمام الأهل بأي وسيلة، حتى لو كانت سلبية.
في المقابل، إذا كان الطفل يُظهر العناد في مختلف البيئات (في المدرسة، مع الأقارب، أو في المواقف الاجتماعية)، فقد يكون هذا انعكاسًا لطبيعة شخصيته أو مزاجه. أو ربما مؤشرًا على صعوبة في فهم القواعد وحدود السلوك.
الأسباب النفسية والاجتماعية لسلوك العناد
لكل سلوك جذور. العناد لا يظهر فجأة. هناك خلفيات نفسية واجتماعية تؤدّي دورًا مهمًا.

- البيئة الصارمة: عندما تكون القواعد المنزلية جامدة، ولا يُتاح للطفل التعبير عن رأيه، يبدأ في التمرّد والعناد كوسيلة للدفاع عن نفسه.
- الغيرة من الإخوة: الطفل قد يعاند فقط لأنه يشعر أن شقيقه الأصغر يأخذ منكِ الاهتمام الكامل.
- القلق والخوف: بعض الأطفال يُظهرون العناد عند الشعور بالقلق والتوتر. قد يكون هذا العناد وسيلة للسيطرة على الموقف عندما يشعرون بالخوف.
- نمو القدرات اللغوية: حين يكتسب الطفل مفردات جديدة، يستخدمها للمطالبة بحقه. إذا لم يُسمَع له، يبدأ بالصراخ أو الرفض.
تشير جميع هذه العوامل إلى أنّ عناد الطفل ليس مجرد تساؤل بل مدخل لتحليل نفسي وسلوكي دقيق.
كيف تتعاملين مع العناد بذكاء وهدوء؟
المواجهة ليست الحل. الصراخ يزيد من عناد الطفل. العقاب الجسدي أو اللفظي يكرّس المشكلة. إليكِ استراتيجيات فعّالة:
- امنحيه خيارات: بدلًا من قول “ارتدِ هذا القميص الآن”، قولي “تُفضّل القميص الأزرق أم الأخضر؟”
- اصغي له بصدق: أظهري اهتمامكِ بمشاعره حتى لو بدت غير منطقية.
- تجنّبي الجدال المطوّل: يلاحظ الطفل الذكي ردود فعلك. لا تمنحيه شعور الانتصار عند كل رفض.
- استخدمي التعزيز الإيجابي: امدحي السلوك الجيد فور حدوثه.
تقلّل هذه الخطوات تدريجيًا من حاجة الطفل للعناد لجذب الانتباه، وتُشعره بالأمان والانتماء.
الفرق بين العناد الطبيعي واضطرابات السلوك
ليس كل عناد بريء. أحيانًا، يكون مؤشرًا لحال أعمق. إذا كان الطفل يرفض كل شيء، ويكسر القواعد يوميًا، ويتحدّى كل سلطة، فقد نكون أمام اضطراب العناد المُعاند (ODD).

هذا الاضطراب يُصيب 3 إلى 6% من الأطفال حسب ما جاء في تقارير “National Institute of Mental Health“. يتميز بنمط ثابت من العداء والجدل ورفض الأوامر. يتطلب التشخيص تقييمًا دقيقًا من طبيب نفسي مختص.
من المهمّ ألّا نتسرّع بالحكم. فالسؤال الأساسي يبقى: هل العناد طبيعة في طفلك؟ أم طريقة ذكية لطلب الاهتمام؟ إذا فهمنا الدافع خلف السلوك، نستطيع التمييز بين الحال الطبيعية والمَرَضيّة.
الخلاصة
العناد ليس عدوًا. بل هو رسالة من الطفل. حين تتساءلين: هل العناد طبيعة في طفلك؟ أم طريقة ذكية لطلب الاهتمام؟ تذكّري أن وراء كل سلوك سبب. عبر الحوار والتفهّم وتقديم الحب غير المشروط، تستطيعين مساعدة طفلكِ على التوازن بين التعبير عن رأيه واحترام القواعد. وبدلًا من محاولة “كسر” عناده، شاركيه قراراته، وامنحيه إحساسًا بالقيمة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ أنّ التمرد في عمر الثلاث سنوات طبيعي وضروريّ أحيانًا.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن كل عناد يخفي وراءه طفلًا يريد أن يُرى ويُحبّ. ليس بالضرورة أن يكون العناد تمردًا أو سوء تربية. بل هو في كثير من الأحيان نداء صغير يهمس: “أمي، هل ترينني؟ هل تسمعينني؟” لذلك، أدعو كل أم أن تُنصت وراء الكلمات، وتُشاهد ما وراء السلوك. ففهم دوافع الطفل هو أول خطوة نحو أمومة واعية، تُربّي وتُحبّ بلا شروط.