حين أقول شريك حياتي يعاملني ببرود، أشعر بأنّ شيئًا في العلاقة تغيّر فجأة. لم تعد النظرات كما كانت، ولا الكلمات تحمل دفئها المعتاد. هذا الشعور ليس بسيطًا، بل يُربك المرأة نفسيًا وجسديًا، ويجعلها تبحث عن تفسير علميّ لما يحدث داخل العلاقة. تشير دراسات علم النفس الأسريّ إلى أنّ البرود العاطفيّ ليس علامة على انتهاء الحبّ. بل نتيجة تراكمات نفسية أو سلوكية يمكن التعامل معها بذكاء وهدوء.
في هذا المقال، سنتناول الأسباب العلميّة التي تدفع الرجل إلى التراجع العاطفيّ، ثمّ نقدّم الخطوات الذكيّة التي تُعيد التوازن، وتُحيي الشغف من جديد. سنتحدّث عن تأثير التواصل، والعناية بالذات، وفهم لغة الحبّ، والذكاء العاطفيّ، وأهمية طلب المساعدة عند الحاجة.
فهم الأسباب العلميّة وراء البرود العاطفيّ
أحيانًا، لا يكون البرود نابعًا من قلّة الحبّ، بل من الإرهاق أو الضغط النفسيّ. أظهرت دراسة منشورة في Journal of Marriage and Family أنّ الرجال يميلون إلى الانسحاب عندما يواجهون توترًا داخليًا أو شعورًا بعدم التقدير. لذلك، من المهمّ أن تفهمي أنّ انسحاب شريك حياتي قد يكون وسيلة دفاع لا رفضًا.

- الضغوط المهنية تُؤثّر في السلوك العاطفيّ، إذ يقلّ إفراز الدوبامين المسؤول عن الشعور بالسعادة.
- الخلافات الصغيرة المتكرّرة تُسبّب تراكم الغضب الصامت.
- غياب الحوار يجعل الطرف الآخر يشعر بأنّ العلاقة فقدت معناها.
من هنا، يبدأ الحلّ بفهم السبب لا بلوم الذات أو الآخر. فالعلم يؤكّد أنّ ٨٠٪ من النزاعات الزوجيّة تبدأ من سوء التواصل، لا من غياب الحبّ. لذلك، قبل اتخاذ أيّ خطوة، راقبي الوضع بهدوء، وحاولي تحليل ما تغيّر في سلوك شريكك من دون تسرّع أو حُكم قاسٍ.
التواصُل هو المفتاح الذهبيّ للعلاقات الصحيّة
التواصل ليس مجرّد حديث، بل مهارة تحتاج إلى وعي وتوازن. يؤكّد الباحث الأميركي John Gottman أنّ الأزواج الذين يتقنون الإصغاء يقلّ لديهم احتمال الانفصال بنسبة ٧٠٪. لذلك، عندما أشعر أنّ شريك حياتي لم يعد يتفاعل، أبدأ بالحوار لا الاتهام.
- استخدمي نبرة هادئة عند الحديث.
- ابدئي الجملة بـ “أنا أشعر” بدلًا من “أنت تفعل”.
- اختاري الوقت المناسب للنقاش.
هذه النقاط البسيطة تُعيد الثقة شيئًا فشيئًا. فحين يشعر الرجل بأنّه مسموع وغير مُدان، ينفتح من جديد. إضافةً إلى ذلك، يُنصح بالتواصُل الجسديّ اللطيف، مثل اللمسات العابرة أو العناق، إذ تُعيد إفراز هرمون الأوكسيتوسين المسؤول عن الارتباط والدفء.
العناية بالذات تعني العناية بالعلاقة
قد يبدو الأمر مفاجئًا، لكنّ أهمّ خطوة لاستعادة تفاعل شريك حياتي هي أن أبدأ بنفسي. أظهرت أبحاث Harvard Health Publishing أنّ تحسين المزاج الذاتيّ عبر النوم الجيّد، والغذاء المتوازن، وممارسة الرياضة، ينعكس مباشرة على العلاقة.

- خصّصي وقتًا لنشاط تحبّينه كالقراءة أو المشي.
- اهتمّي بمظهرك بطريقة تعبّر عن ثقتك بنفسك لا رغبة في لفت الانتباه.
- ابتسمي أكثر، فالبسمة تُرسل رسائل عصبيّة إيجابيّة للشريك.
حين يرى الرجل أنّ زوجته متصالحة مع ذاتها، يشعر بالطمأنينة ويقترب من جديد. فالعلاقات لا تزدهر في بيئة من التوتر أو التذمّر، بل في جوّ من الطمأنينة والإيجابيّة.
كسر الروتين وبعث الحياة من جديد
حين يطول الاستقرار، يتحوّل أحيانًا إلى ملل يقتل الشغف بين الزوجين. لذلك، على المرأة أن تبحث بذكاء عن طرقٍ تبعث النشاط في العلاقة. التغيير لا يعني القيام بأمورٍ كبيرة دائمًا، بل يبدأ بخطواتٍ بسيطة جدًّا. مثلًا:
- تجديد الروتين اليوميّ: بدّلي بعض العادات الصغيرة، كطريقة التحية الصباحيّة أو إعداد فطورٍ مختلف في عطلة نهاية الأسبوع. التنوّع يحفّز الدماغ على إفراز الدوبامين. وهو الهرمون المرتبط بالسعادة والارتباط العاطفيّ.
- الأنشطة المشتركة: جرّبي مع شريك حياتك نشاطًا جديدًا كالمشي ليلًا، أو مشاهدة فيلمٍ مختارٍ سويًّا. تؤكّد الأبحاث في علم النفس الاجتماعيّ أنّ المشاركة في تجارب جديدة ترفع مستوى الرضا بين الأزواج.
- استعادة الذكريات الجميلة: خصّصي وقتًا لاسترجاع اللحظات الأولى في العلاقة. مشاهدة الصور القديمة أو زيارة الأماكن التي شهدت بدايتكما يُعيد إلى القلب دفئًا مفقودًا.
- المدح والتقدير:تُعيد الكلمات الإيجابيّة الثقة وتُحيي القرب النفسيّ. قولي له مثلًا: “أحبّ الطريقة التي تتصرّف بها عندما..”. الجملة الصغيرة تغيّر المزاج وتقرّب المسافة.
في النهاية، الهدف هو إعادة بناء الإحساس بالمغامرة داخل العلاقة. وذلك لأنّ الجمود العاطفيّ يزول فقط عندما يشعر الطرفان بأنّهما لا يزالان يعيشان قصّةً جديدة كلّ يوم.
طلب الدعم عند الحاجة واللجوء إلى المختصّين
في بعض الأحيان، لا تكفي الخطوات الذاتيّة لإصلاح العلاقة. قد تكون الأسباب أعمق ممّا تظنين، مثل تراكم الضغوط النفسيّة أو وجود صدماتٍ سابقة لم تُعالَج. هنا يصبح التدخّل المهنيّ ضروريًّا.

- استشارة مختصّ نفسيّ أو معالجٍ أسريّ: تشير دراسات منشورة في مجلّة Journal of Marital and Family Therapy إلى أنّ العلاج الزوجيّ يرفع نسبة التحسّن في التواصل والرضا إلى أكثر من 70%. جلسة الحوار بإشراف مختصّ تُتيح للطرفين التعبير بصدقٍ وهدوء.
- عدم الخجل من الاعتراف بالحاجة للمساعدة: طلب الدعم ليس ضعفًا، بل علامة وعي ونضج. في بعض الحالات، يحتاج شريك حياتي إلى مساحة آمنة ليعبّر عن تعبٍ نفسيّ أو ضغوطٍ لا يعرف كيف يواجهها.
- الاستمرار في المحاولة: لا توجد وصفة سحريّة، لكنّ المثابرة تصنع الفارق. فكلّ خطوة، مهما بدت صغيرة، تُعيد بناء الثقة وتُرمّم الجسور.
إنّ استعادة الحبّ لا تتحقّق في يومٍ أو أسبوع، بل عبر رحلةٍ من الصبر والتفهّم. والنجاح فيها يحتاج إلى التزام الطرفين، وإيمانٍ بأنّ العلاقة تستحقّ العناية.
الخلاصة
في نهاية المطاف، العلاقة ليست سباقًا في من يقدّم أكثر، بل توازنٌ في الأخذ والعطاء. حين تقولين في نفسك: “شريك حياتي تغيّر”، تذكّري أنّ التغيير جزء طبيعيّ من الحياة. المهمّ هو كيف تتعاملان مع هذا التغيّر. فالحبّ لا يموت، بل يحتاج إلى تغذيةٍ مستمرّة: بالحوار، وبالاهتمام، وبالتجديد الدائم. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن فوائد الحضن التي لا تعرفي تأثيرها على زوجك!
وبرأيي الشخصيّ كمحرّرة، أرى أنّ فهم نفسية الرجل والمرأة هو الأساس في كلّ علاقة ناجحة. الرجل يحتاج إلى التقدير والاحترام، والمرأة تحتاج إلى العطف والأمان. عندما يتحقّق هذا التوازن، تنمو المودّة ويُبعث الدفء من جديد. لذلك، لا تتردّدي في البدء بخطوةٍ صغيرة اليوم؛ فقد تكون بداية فصلٍ جديد في قصّة حبّكما.